المقصد الحادی عشر فی الاستصحاب

بقی شیء : فی الشبهة العبائیّة وحلها

بقی شیء : فی الشبهة العبائیّة وحلها

‏ ‏

‏ربّما یتخیّل أنّه فی مورد العلم الإجمالیّ بنجاسة الثوب، وتطهیر جانب معیّن‏‎ ‎‏منه، یلزم عویصة‏‎[1]‎‏ وهی: أنّه لو جری استصحاب النجاسة الکلّیة یلزم دخالة‏‎ ‎‏ملاقاة الطرف المعیّن فی تنجّس الملاقی ـ بالکسر ـ وإلاّ یلزم تنجّس الملاقی‏‎ ‎‏لبعض الأطراف، وهو علی خلاف المشهور. وهذه تسمیٰ «شبهة عبائیّة» کما أنّ ما‏‎ ‎‏ذکرناه من المناقشة تسمّیٰ «شبهة قبائیّة» للتمثل بهما.‏

‏ولا أجد وجهاً له بعد کون البحث حول استصحاب الکلّی، فإنّ المستصحب‏‎ ‎‏إمّا قضیّة من الهلیّات البسیطة، فهی لا تفید نجاسة الملاقی ـ بالکسر ـ لأنّه من‏‎ ‎‏الأصل المثبت عندهم بالضرورة وإن لا تجوز الصلاة فیه؛ لأنّه ثوب نجس عرفاً‏‎ ‎‏حسب أخبار المسألة، فإنّ الروایات الناهیة لیست ناظرة إلی العلم الإجمالیّ، أو‏‎ ‎‏نجاسة مجموع الثوب کما لا یخفیٰ، بل فیها التسامح، ولا تسامح بالنسبة إلیٰ نجاسة‏‎ ‎‏الملاقی، فلابدّ من الاستصحاب، أو قاعدة الاشتغال، والأوّل وارد علیها حسبما‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 472
‏حرّرناه‏‎[2]‎‏، واستصحابه من القسم الأوّل، وتصیر النتیجة وجود النجس فیه، لا أنّ‏‎ ‎‏الثوب متنجّس إلاّ تسامحاً.‏

‏وإمّا یکون من الهلیّات المرکّبة، وهی لا تتصوّر إلاّ فی صورة اختلاف أثر‏‎ ‎‏النجاسة؛ کی یستصحب الجامع وتنجّسه به، وإلاّ فلا یتصوّر الاستصحاب الکلّی من‏‎ ‎‏القسم الثانی، فإنّ کون زید فی أحد الجانبین لا أثر له، وهکذا النجاسة. ولعلّ‏‎ ‎‏المستشکل أراد من الشبهة منع جریان القسم الأوّل؛ ضرورة أنّه فی صورة وحدة‏‎ ‎‏الأثر یلزم جریان استصحاب الفرد الواقعیّ المجهول عندنا، لا الکلّی، بخلاف ما إذا‏‎ ‎‏علم بتنجّس ثوبه بالبول أو الدم، فطهّر جانباً منه وغسله، فإنّه یستصحب النجاسة؛‏‎ ‎‏أی تنجّس الثوب بها، ولازمه نجاسة الملاقی.‏

‏وفی تقریب الأعلام حول الشبهة‏‎[3]‎‏ ظهر فساده وقصوره ظاهراً، وعندئذٍ‏‎ ‎‏یجوز إجراء استصحاب تنجّس الثوب، إلاّ أنّه هناک إمّا استصحاب العدم الأزلیّ، أو‏‎ ‎‏البراءة عن وجوب الغسلة الثانیة بالنسبة إلیٰ نفس الثوب، فضلاً عن ملاقیه.‏

‏ولو قلنا بجریانه وحکومته علی البراءة، کما ذکرنا ذلک فی الأقلّ والأکثر‏‎[4]‎‏،‏‎ ‎‏فلایلزم نجاسة الملاقی؛ لأنّ بقاء تنجّس الثوب الجامع إمّا لا أثر له شرعاً فی الفقه،‏‎ ‎‏أو لو کان له الأثر، أو قلنا: بأنّ الاستصحاب مشرّع فی أمثال المقام، لا یلزم نجاسة‏‎ ‎‏الملاقی؛ لأنّه بعد العلم بطهارة جانب منه تفصیلاً فلازم ذلک الاستصحاب وهذا‏‎ ‎‏العلم، ملاقاته مع النجس، فلا یکون الملاقی نجساً.‏

‏هذا مع أنّ فی أصحابنا من یقول بنجاسة الملاقی حتّیٰ مع بقاء الملاقیٰ وعدم‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 473
‏تقدّم العلم بالملاقاة، وتفصیله قد مضیٰ‏‎[5]‎‏.‏

‏وقد اختلفت کلماتهم حول ما لا یعتدّ به‏‎[6]‎‏ مع عدم حلّ المشکلة بوجه‏‎ ‎‏حسن بعد عدم صحّة تقریب العلاّمة الأصفهانیّ الصدر ‏‏قدس سره‏‏ للشبهة کما عرفت.‏

‏بل یتوجّه إلیه أیضاً ما مرّ علیٰ تقدیر کون الشبهة من القسم الثانی؛ ضرورة‏‎ ‎‏أنّ عنوان «کون الثوب متنجّساً» تسامحیّ، وهو یفید بالنسبة إلی الصلاة فیه؛ لما‏‎ ‎‏یعلم تفصیلاً بالصلاة فی النجس، لما لا أثر لکون النجس فی الجانب الشرقیّ أو‏‎ ‎‏الغربیّ.‏

‏نعم، لو کان الثوب کبیراً، وصلّیٰ فی جانب منه لا یبعد صحّة الصلاة، وتکون‏‎ ‎‏المسألة من قبیل الملاقی والملاقیٰ. هذا تمام الکلام حول القسم الثانی.‏

‏وأمّا الغور فی خصوصیّات الأمثلة فهو من الرجم بالغیب أحیاناً، وممّا لا‏‎ ‎‏ینبغی للاُصولی؛ لأنّ النظر إلیٰ نفس الکلّی فی حدّ ذاته، وقد کثر الدور فی کلامهم‏‎ ‎‏حولها، وهو غیر صحیح جدّاً.‏

‏نعم، الشبهة الأخیرة العبائیّة فقهیّة اُرید منها استنتاج المسألة الاُصولیة، غفلة‏‎ ‎‏عن أنّ ذلک غیر جائز؛ فإنّ الجزئیّ لا یکون کاسباً ولا مکتسباً، فإنّ من الممکن‏‎ ‎‏دعویٰ أنّ ملاقاة النجس لیست موضوع الأثر، بل ملاقاة البول أو الخمر، أو ملاقاة‏‎ ‎‏ملاقی البول أو الخمر من غیر رجوع المسألة إلیٰ معنی کلّی کی یستصحب،‏‎ ‎‏ویترتّب علیه الأثر، أو مسألة علمیّة کلّیة إلاّ فرضاً.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 474

  • )) نهایة الأفکار 4 ، القسم الأوّل : 130، حقائق الاُصول 2 : 458 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 463 ـ 465.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 422 ، نهایة الأفکار 4 ، القسم الأوّل : 130 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 29 وما بعدها.
  • )) تقدّم فی الجزء السابع : 498 وما بعدها.
  • )) نهایة الأفکار 4 ، القسم الأوّل : 130، حقائق الاُصول 2 : 458، الرسائل، الإمام الخمینی قدس سره 1: 129.