المقصد الحادی عشر فی الاستصحاب

القسم الثالث : من استصحاب الکلّی

القسم الثالث : من استصحاب الکلّی

‏ ‏

‏أن یکون العلم بوجود الکلّی من جهة العلم بالفرد، ولکنّ الشکّ فی البقاء إمّا‏‎ ‎‏مستند إلی احتمال مقارنة ذاک الفرد لفرد آخر.‏

‏أو احتمال مقارنة آن خروج الفرد مع آن دخول الفرد الآخر.‏

‏أو کانت الکلّیة غیر متواطئة الأفراد، فیکون الشکّ فی بقائه من جهة الشکّ‏‎ ‎‏بعد زوال المرتبة الشدیدة، فی حدوث المرتبة الاُخریٰ، أو بقاء المرتبة الضعیفة.‏

وعلیٰ کلّ:‏ یعلم فی جمیع الفروض انعدام الفرد الموجب للعلم بالکلّی، أو‏‎ ‎‏یکون عالماً بانعدام ذلک الفرد، ولکن لا یعلم المعانقة أو المقارنة.‏

‏وحیث إنّ الفرض الثالث إمّا یرجع إلی القسم الأوّل؛ لأنّ اختلاف مراتب‏‎ ‎‏الإرادة والطلب، أو اختلاف مراتب الشکّ فی کثیر الشکّ وغیر ذلک، لا یعدّ من‏‎ ‎‏الأفراد لحقیقة واحدة، فزوال الحمرة الشدیدة لیس من زوال الفرد عند القائلین‏‎ ‎‏بالتشکیک، أو یرجع إلی الفرض الثانی؛ لأنّ فی نظر العرف فی المثال المذکور وفی‏‎ ‎‏مثل الإرادة، لا یعقل زوال المرتبة العلیا، وبقاء المرتبة الضعیفة، بل هو حدوث تلک‏‎ ‎‏المرتبة مقارناً مع زوالها عقلاً، فلا فرض ثالث للقسم الثالث لا عقلاً، ولا عرفاً؛ کی‏‎ ‎‏یقع مورد الکلام.‏

ویمکن دعویٰ:‏ أنّ مثل هذه الموضوعات یکون مبدأ الشکّ فی اتحاد‏‎ ‎‏القضیّتین؛ ضرورة أنّه تارة: تزول المرتبة العلیا علیٰ وجه تتّحد القضیّتان فی‏‎ ‎‏الصورتین، ولا یشکّ أیضاً؛ لشدّة الشکّ والحمرة والعدالة.‏

واُخریٰ:‏ یشکّ فی ذلک مع انحفاظ الموضوع عرفاً؛ لإمکان الإشارة إلیه،‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 479
‏ویصحّ أن یقال: «إنّ هذا الجسم کان أحمر» وکأنّ المرتبة العلیا من حالات أصل‏‎ ‎‏الحمرة وإن لم یکن الأمر کذلک عقلاً حسب الموازین القدیمة، ولا فی خصوص‏‎ ‎‏الألوان حسب الموازین الحدیثة؛ حیث إنّ الألوان أضواء منعدمة فی اللیالی‏‎ ‎‏المظلمة، فاغتنم.‏

‏وعلیٰ کلّ تقدیر اختلفوا، فذهب بعضهم کالشیخ الأنصاریّ ‏‏رحمه الله‏‏ إلی‏‎ ‎‏التفصیل‏‎[1]‎‏، وأنکر «الکفایة» جریانه‏‎[2]‎‏.‏

‏ویظهر من جمع جریانه علی الإطلاق‏‎[3]‎‏؛ لأنّ المناط هو العرف، والأشبه‏‎ ‎‏جریانه فی الکلّ. وما فی «الکفایة» إشکالاً هو الإشکال الذی مرّ فی القسم‏‎ ‎‏الثانی‏‎[4]‎‏، وکان ینبغی أن یتذکّره هناک.‏

‏وفی تعلیقات بعض تلامذته الفرق بین القسم الثانی والمقام‏‎[5]‎‏، مع أنّ التحقیق‏‎ ‎‏عدم الفرق، وانحفاظ المعلوم بالذات الذی هو عین المعلوم بالعرض، ولأجله‏‎ ‎‏ینکشف الخارج بالوجودات الذهنیّة، ویسری حکم الخارج إلیٰ ما فی الذهن؛ وهو‏‎ ‎‏الطبیعیّ العاری عن الخصوصیّات، ومن الطبیعیّ إلی الخارج کالإمکان. وغفلة‏‎ ‎‏أرباب المعقول وأصحاب الاُصول عن هذه الدقیقة العلمیة، أوقعتهم فی القول‏‎ ‎‏بالمعقول الثانی الجائی بالمعنی الثانی، وألجأتهم إلی المناقشة فی جریان‏‎ ‎‏الاستصحاب فی القسم الثانی والثالث‏‎[6]‎‏، أو خصوص الأخیر‏‎[7]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 480
‏فوحدة الموضوع ذهناً وخارجاً سبب لکون القضیّة الثنائیّة ممکنة، فإذا‏‎ ‎‏قلت: «زید ممکن» أو «الإنسان ممکن» أو «کلّ إنسان ممکن» أو «کلّ إنسان‏‎ ‎‏موجود بالإمکان» فإنّه صحیح؛ لأجل عدم أخذ الوجود فی الموضوع، وإلاّ‏‎ ‎‏فالإنسان الموجود موجود بالضرورة، والإنسان الموجود واجب، لا ممکن إلاّ‏‎ ‎‏بالإمکان الفقریّ. وهذه الغفلة أوقعت الشیخ المقتول فی حصر القضیّة بالبتّاتة،‏‎ ‎‏والتفصیل یطلب من محلّه‏‎[8]‎‏.‏

‏فما تریٰ فی کلمات الاُصولیّین الذین لا شأن لهم إلاّ التشبّث بذیل العرف فی‏‎ ‎‏قصّة الحصّة‏‎[9]‎‏، فهی غیر حصّة تذکر أحیاناً فی کلمات العقلاء کقول ناظمهم‏‎[10]‎‏:‏

‏ ‏

‏والحصّة الکلّی مقیّداً یجی‏

‎ ‎‏تقیّدٌ جزء وقید خارجی‏

‏ ‏

‏فإنّها ذهنیّة، ولا حصّة فی الخارج إلاّ بالقیاس إلی الحصص النوریّة‏‎ ‎‏الوجودیّة الشخصیّة، رزقنا الله تعالیٰ کأساً منها.‏

‏فعلیٰ ما تحرّر، یجری استصحاب الفرض الأوّل والثانی حسب الموازین‏‎ ‎‏العقلیّة، بل والعرفیّة أحیاناً.‏

‏وقضیّة أنّ الشکّ فی البقاء مسبّب عن الشکّ فی حدوث الفرد المعانق أو‏‎ ‎‏المقارن، عین القضیّة السالفة حذواً بحذو.‏

‏کما أنّ إمکان التفصیل بین صدر المسألة المذکورة هناک فیما نحن فیه، أیضاً‏‎ ‎‏لا بأس به؛ بأن ینکر عرفاً بقاء الإنسان فیما إذا علم بوجود زید، واحتمل معانقة‏‎ ‎‏عمرو أو مقارنته معه فی الدار زماناً، أو حال الخروج، ولا أقلّ من الشکّ فی وحدة‏‎ ‎‏القضیّة. ولا ینکر فی مثل العلم الإجمالیّ بوجود البقر والحمار الملازم للعلم‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 481
‏التفصیلیّ بوجود الحیوان، ثمّ علم بخروجهما، واحتمل مقارنة أو معانقة الفرس،‏‎ ‎‏فإنّه فی المثال الأوّل یجد العرف خصوصیّات زید، ویشقّ علیه الشکّ فی بقاء‏‎ ‎‏الإنسان بعد خروجه، بخلاف الصورة الثانیة، کما فی «رسائل» السیّد الوالد المحقّق‏‎ ‎‏ـ مدّظلّه ‏‎[11]‎‏ وفی تقریر العلاّمة التقیّ الشیرازیّ ‏‏قدس سره‏‎[12]‎‏ والأمر بیدک لا یرتبط بنا، فإنّ‏‎ ‎‏العرف ببابک یقرع باب إحسانک.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 482

  • )) فرائد الاُصول 2 : 640 .
  • )) کفایة الاُصول : 462 .
  • )) نهایة النهایة 2: 194 ـ 195، درر الفوائد، المحقّق الحائری: 537.
  • )) تقدّم فی الصفحة 462 ـ 463.
  • )) نهایة الدرایة : 5 : 151، نهایة الأفکار 4 ، القسم الأوّل : 135 .
  • )) حاشیة المکاسب، السیّد الیزدی: 73 / السطر 6 .
  • )) بحر الفوائد، الجزء الثالث: 99 ، کفایة الاُصول: 462 .
  • )) حکمة الإشراق : 29، شرح حکمة الإشراق : 84 ـ 85، شرح المنظومة، قسم المنطق: 58.
  • )) نهایة الأفکار 4 ، القسم الأوّل : 134 .
  • )) شرح المنظومة، قسم الحکمة : 27 .
  • )) الاستصحاب، الإمام الخمینی قدس سره: 93 ـ 94 .
  • )) تقریرات المجدّد الشیرازی 4 : 62 .