المقصد الحادی عشر فی الاستصحاب

تذنیب : فی استصحاب عدم التذکیة

تذنیب : فی استصحاب عدم التذکیة

‏ ‏

‏قد تعرّض جمع‏‎[1]‎‏ تبعاً لشیخ المشایخ‏‎[2]‎‏ هنا لمسألة استصحاب عدم التذکیة‏‎ ‎‏أو عدم القابلیّة ؛ وذلک بأدنیٰ مناسبة: وهی أنّ المشهور قد تمسّک به‏‎[3]‎‏.‏

‏واستشکل الفاضل التونی ‏‏رحمه الله‏‎[4]‎‏ وبعض آخر‏‎[5]‎‏: بأنّ ذلک من قبیل الکلّی من‏‎ ‎‏القسم الأوّل وترتیب آثار الفرد ؛ ضرورة أنّهم استصحبوا عدم التذکیة الأعمّ من‏‎ ‎‏حال الحیاة، واُرید به إثبات کون الحیوان غیر مذکّیٰ، وهو فرد من ذلک العدم،‏‎ ‎‏فیحرم وینجس.‏

‏وقال جمع بجریانه من غیر لزوم الأصل المثبت‏‎[6]‎‏.‏

‏وذهب بعضهم إلی الإجراء بالنسبة إلیٰ حرمة اللحم دون النجاسة، کما نسب‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 486
‏إلی الفقیه الهمدانیّ ‏‏رحمه الله‏‎[7]‎‏ وغیره‏‎[8]‎‏.‏

‏هذا، وقد دخل جمع منهم فی المسألة تلخیصاً‏‎[9]‎‏، وبعضهم کالمحقّق الوالد‏‎ ‎‏ـ مدّ ظلّه تفصیلاً‏‎[10]‎‏، مع أنّ فیهم من أجری الاستصحاب فی العدم الأزلیّ المحمولیّ‏‎ ‎‏هنا‏‎[11]‎‏ وبعضهم فی العدم النعتیّ فی نفس المسألة‏‎[12]‎‏.‏

‏وحیث إنّ المسألة عندی واضحة، وأحتسب أنّهم دخلوا فیها من غیر بابها‏‎ ‎‏فوقعوا فی المشاکل، وقد أشرنا فی العامّ والخاصّ إلی المسألة‏‎[13]‎‏، وهکذا فی‏‎ ‎‏المطلق والمقیّد‏‎[14]‎‏، فلابدَّ من الإشارة إلیٰ نکتة خفیت علیهم، ولأجل اختفائها وقعوا‏‎ ‎‏فی حیص وبیص، وإلیٰ ملاحظات القضایا علیٰ أنحاء اعتباراتها المحرّرة فی الکتب‏‎ ‎‏الفلسفیّة وغیرها، من غیر حاجة إلی التعرّض لما فی إفاداتهم من الضعف؛ لأنّه إطالة‏‎ ‎‏قلیلة الفائدة.‏

‏وتلک النکتة: هی أنّه کما أنّ فیالعامّ والخاصّ لا یلزم تعنون العامّ بالخاصّ،‏‎ ‎‏ولا یجوز ذلک أو لا یعقل کما تحرّر‏‎[15]‎‏، وإنّما یکون الخاصّ قرینة علیٰ عدم وجود‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 487
‏الجدّ فی مورد الخاصّ، أو یکون الخاصّ مخرجاً للأفراد من العامّ، علی اختلاف‏‎ ‎‏کون العامّ والخاصّ من المبادئ العالیة، أو غیر العالیة.‏

‏فإذا قال المولیٰ مثلاً: «حرم علیکم توهین المؤمنین» أو «کلّ مؤمن» ثمّ قال:‏‎ ‎‏«لا بأس بإهانة من أهانک من المؤمنین» أو «کلّ مؤمن أهانک» لا یجوز التصرّف‏‎ ‎‏فی العامّ بأن یقال: إنّ المجعول هو تحریم إهانة المؤمنین غیر الموهنین بنحو‏‎ ‎‏المعدولة، ولا أن یعتبر علیٰ وجه القضیّة السالبة المحصّلة، ولا القضیّة الإیجابیّة، ولا‏‎ ‎‏القضیّة الشرطیّة؛ أی «أنّه یحرم ذلک بشرط عدم إهانتک» أو «عند عدم إیراد‏‎ ‎‏الإهانة» أو غیر ذلک من التسویلات؛ للزوم اختلاف الحکم حسب مجاری الاُصول‏‎ ‎‏أحیاناً. مع أنّه غیر صحیح، بل ولا یعقل کما تحرّر‏‎[16]‎‏.‏

وبالجملة:‏ کما أنّ فی باب العامّ والخاصّ بالنسبة إلی المبادئ العالیة، لیس‏‎ ‎‏الخاصّ إلاّ قرینة، کذلک فی باب المطلق والمقیّد.‏

‏فلو ورد علی الإطلاق حلّیة الحیوان وطهارته مثلاً بعنوان «الحیوان»‏‎ ‎‏الجنسیّ، أو بعنوان «الشاة والبقرة» أو بعنوان «البهائم والأنعام» ثمّ ورد حرمة المیتة‏‎ ‎‏ونجاستها، أو حرمة غیر المذکّیٰ ونجاسته، فلا یلزم سرایة العنوان من المقیّد إلی‏‎ ‎‏المطلق ولو کان بحسب اللبّ مقیّداً، بل ولم تعقل سعة دائرة الإرادة، إلاّ أنّ المتّبع‏‎ ‎‏هو عنوان المطلق ملاحظاً عدم صدق المقیّد من غیر التسریة فی مرحلة الإنشاء؛‏‎ ‎‏نظراً إلیٰ إمکان کون المولیٰ ذا قصد من جهة اُخریٰ، وإلاّ فکان علیه أن یأتی من‏‎ ‎‏الأوّل مقیّداً.‏

‏والقول بالتفصیل بین بابی العامّ والمطلق، غیر سدید ولو قال به العلاّمة‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 488
‏الأراکیّ فی محلّه‏‎[17]‎‏، فما تریٰ فی کلماتهم خالٍ من التحصیل، وما فی المجلّد الأوّل‏‎ ‎‏من «الکفایة»‏‎[18]‎‏ قریب من الإفاقة.‏

‏ثمّ بعدما تبیّنت هذه الاُمور؛ أی ربط المسألة بمسألة استصحاب الکلّی، وأنّ‏‎ ‎‏القضایا بحسب التصوّر أکثر من السالبة المحصّلة، ومفروضة الموضوع، والسالبة‏‎ ‎‏المحمول، والمعدولة؛ لإمکان کون المقیّد موجباً لکون المطلق علیٰ وجه الشرط‏‎ ‎‏بالنسبة إلی المقیّد أو التعلیق، وتبیّن أیضاً أنّ أساس سرایة القید غلط.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 489

  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 430، نهایة الأفکار 4 ، القسم الأوّل : 142، الاستصحاب، الإمام الخمینی قدس سره : 95 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 641 .
  • )) الدروس الشرعیّة 1 : 149، جامع المقاصد 2 : 81 ، روض الجنان: 212 / السطر29، جواهر الکلام 6 : 348 .
  • )) الوافیة فی اُصول الفقه : 210 .
  • )) مصباح الاُصول 2 : 313، و3: 117 ـ 118 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 642 ، بحر الفوائد ، الجزء الثالث : 103 .
  • )) الاستصحاب، الإمام الخمینی قدس سره: 107 ، مصباح الفقیه ، الطهارة : 653 / السطر 20 ، حاشیة فرائد الاُصول ، المحقّق الهمدانی : 91 / السطر 28 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 384 ، مصباح الاُصول 2 : 314 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 641 ـ 643 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 430 ـ 434 .
  • )) الاستصحاب، الإمام الخمینی قدس سره: 95 ـ 112 .
  • )) فرائد الاُصول 2 : 643 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 432 .
  • )) تقدّم فی الجزء الخامس : 280 .
  • )) تقدّم فی الجزء الخامس : 459 ـ 462 .
  • )) تقدّم فی الجزء الخامس : 236 ـ 237 .
  • )) تقدّم فی الجزء الخامس : 252 ـ 256 .
  • )) مقالات الاُصول 1 : 441، نهایة الأفکار 2 : 519 ـ 521 .
  • )) کفایة الاُصول : 261 .