تذنیب : فی استصحاب عدم التذکیة
قد تعرّض جمع تبعاً لشیخ المشایخ هنا لمسألة استصحاب عدم التذکیة أو عدم القابلیّة ؛ وذلک بأدنیٰ مناسبة: وهی أنّ المشهور قد تمسّک به.
واستشکل الفاضل التونی رحمه الله وبعض آخر: بأنّ ذلک من قبیل الکلّی من القسم الأوّل وترتیب آثار الفرد ؛ ضرورة أنّهم استصحبوا عدم التذکیة الأعمّ من حال الحیاة، واُرید به إثبات کون الحیوان غیر مذکّیٰ، وهو فرد من ذلک العدم، فیحرم وینجس.
وقال جمع بجریانه من غیر لزوم الأصل المثبت.
وذهب بعضهم إلی الإجراء بالنسبة إلیٰ حرمة اللحم دون النجاسة، کما نسب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 486
إلی الفقیه الهمدانیّ رحمه الله وغیره.
هذا، وقد دخل جمع منهم فی المسألة تلخیصاً، وبعضهم کالمحقّق الوالد ـ مدّ ظلّه تفصیلاً، مع أنّ فیهم من أجری الاستصحاب فی العدم الأزلیّ المحمولیّ هنا وبعضهم فی العدم النعتیّ فی نفس المسألة.
وحیث إنّ المسألة عندی واضحة، وأحتسب أنّهم دخلوا فیها من غیر بابها فوقعوا فی المشاکل، وقد أشرنا فی العامّ والخاصّ إلی المسألة، وهکذا فی المطلق والمقیّد، فلابدَّ من الإشارة إلیٰ نکتة خفیت علیهم، ولأجل اختفائها وقعوا فی حیص وبیص، وإلیٰ ملاحظات القضایا علیٰ أنحاء اعتباراتها المحرّرة فی الکتب الفلسفیّة وغیرها، من غیر حاجة إلی التعرّض لما فی إفاداتهم من الضعف؛ لأنّه إطالة قلیلة الفائدة.
وتلک النکتة: هی أنّه کما أنّ فیالعامّ والخاصّ لا یلزم تعنون العامّ بالخاصّ، ولا یجوز ذلک أو لا یعقل کما تحرّر، وإنّما یکون الخاصّ قرینة علیٰ عدم وجود
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 487
الجدّ فی مورد الخاصّ، أو یکون الخاصّ مخرجاً للأفراد من العامّ، علی اختلاف کون العامّ والخاصّ من المبادئ العالیة، أو غیر العالیة.
فإذا قال المولیٰ مثلاً: «حرم علیکم توهین المؤمنین» أو «کلّ مؤمن» ثمّ قال: «لا بأس بإهانة من أهانک من المؤمنین» أو «کلّ مؤمن أهانک» لا یجوز التصرّف فی العامّ بأن یقال: إنّ المجعول هو تحریم إهانة المؤمنین غیر الموهنین بنحو المعدولة، ولا أن یعتبر علیٰ وجه القضیّة السالبة المحصّلة، ولا القضیّة الإیجابیّة، ولا القضیّة الشرطیّة؛ أی «أنّه یحرم ذلک بشرط عدم إهانتک» أو «عند عدم إیراد الإهانة» أو غیر ذلک من التسویلات؛ للزوم اختلاف الحکم حسب مجاری الاُصول أحیاناً. مع أنّه غیر صحیح، بل ولا یعقل کما تحرّر.
وبالجملة: کما أنّ فی باب العامّ والخاصّ بالنسبة إلی المبادئ العالیة، لیس الخاصّ إلاّ قرینة، کذلک فی باب المطلق والمقیّد.
فلو ورد علی الإطلاق حلّیة الحیوان وطهارته مثلاً بعنوان «الحیوان» الجنسیّ، أو بعنوان «الشاة والبقرة» أو بعنوان «البهائم والأنعام» ثمّ ورد حرمة المیتة ونجاستها، أو حرمة غیر المذکّیٰ ونجاسته، فلا یلزم سرایة العنوان من المقیّد إلی المطلق ولو کان بحسب اللبّ مقیّداً، بل ولم تعقل سعة دائرة الإرادة، إلاّ أنّ المتّبع هو عنوان المطلق ملاحظاً عدم صدق المقیّد من غیر التسریة فی مرحلة الإنشاء؛ نظراً إلیٰ إمکان کون المولیٰ ذا قصد من جهة اُخریٰ، وإلاّ فکان علیه أن یأتی من الأوّل مقیّداً.
والقول بالتفصیل بین بابی العامّ والمطلق، غیر سدید ولو قال به العلاّمة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 488
الأراکیّ فی محلّه، فما تریٰ فی کلماتهم خالٍ من التحصیل، وما فی المجلّد الأوّل من «الکفایة» قریب من الإفاقة.
ثمّ بعدما تبیّنت هذه الاُمور؛ أی ربط المسألة بمسألة استصحاب الکلّی، وأنّ القضایا بحسب التصوّر أکثر من السالبة المحصّلة، ومفروضة الموضوع، والسالبة المحمول، والمعدولة؛ لإمکان کون المقیّد موجباً لکون المطلق علیٰ وجه الشرط بالنسبة إلی المقیّد أو التعلیق، وتبیّن أیضاً أنّ أساس سرایة القید غلط.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 489