تذنیب : حول استصحاب أحکام الشرائع السابقة
من موارد جریان هذه الشبهة حدیث استصحاب أحکام الشرائع السابقة، وقد ذهب أکثرهم إلیٰ جریانه، وبعضهم إلی المعارضة المذکورة، واستشکل المحقّـق الوالد ـ دام ظلّه ـ علی الجریان. والمسألة قلیلة الجدویٰ ، ولا حاجة إلیٰ إطالة الکلام بعد ما عرفت المناقشة فی استصحاب العدم الأزلیّ؛ لعدم الیقین بعدم الجعل بالنسبة إلیٰ هذه الاُمّة.
کما علمت: أنّ الأحکام فی مطلق القوانین العرفیّة والشرعیّة، تکون علیٰ نعت القضایا الحقیقیّة، فإن کنت علیٰ یقین بأنّ حرمة الغصب فی الاُمم السابقة ثابتة علی الناس کافّة، فلا شکّ بالنسبة إلینا کی نحتاج إلی الاستصحاب بالنسبة إلی الحرمة.
نعم، إنّا نحتاج إلی استصحاب عدم النسخ، وحیث إنّ الإجماع قائم خصوصاً علیٰ جریانه، فهو ولو کان مثبتاً یکون جاریاً استثناءً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 537
وتوهّم: أنّه لیس مثبتاً، فاسد؛ ضرورة أنّ ثبوت الحکم بالنسبة إلیٰ هذه الاُمّة من لوازم عدم النسخ، فما فی کلام العلاّمة الأراکیّ رحمه الله من أنّه لیس مثبتاً، فی غیر محلّه؛ لأنّ نفس التعبّد بعدم النسخ غیر کافٍ.
ولیس هذا من قبیل نفس التعبّد بعدم الرافع والناقض؛ ضرورة أنّ الوضوء یبقیٰ، ویکون الشکّ فیه من الشکّ فی الرافع، وهنا یعدّ من الشکّ فی المقتضی، أو نحتاج إلی الإمضاء وارتضاء الرسول الأعظم الإسلامیّ صلی الله علیه و آله وسلم وهذا یستفاد من حرمة نقض الیقین بالشکّ، فما فی کلام العلاّمة النائینیّ فی غیر محلّه.
وأمّا الحاجة إلی استصحاب تلک الأحکام فهو اشتباه؛ لأنّ موضوع القضیّة إمّا یشمل هذه الاُمّة فدلیله کافٍ، وإمّا لا یشمل هذه الاُمّة فلا یجری؛ لأنّ موضوعه هو القدر المتیقّن المشکوک عنوانه، فلا یجری حتّی استصحاب عدم النسخ؛ لعدم وجود دلیل یشمل هذه الاُمّة کی یحتمل نسخه.
وهناک (إن قلت قلتات) غیر مرضیّة وغیر لازمة، ویکفیک ما فی المفصّلات مع ضعف جملة منها.
بقی شیء: وهو ما أفاده الوالد المحقّق من : عدم معلومیّة الموضوع فی الشریعة السابقة؛ لاحتمال کون موضوع الحکم عنوان «النصرانیّ» و«الیهودیّ» وهذا هو الذی ذکرناه ، ولنعم ما أفاد.
وتوهّم جواز التمسّک باستصحاب عدم أخذ القید الموجب؛ لعدم انطباقه علیٰ هذه الاُمّة، غیر صحیح ولو قلنا بحجّیة الأصل المثبت؛ لأنّه لا یلزم أن یؤخذ عنوان «الناس المتهوّدین والنصرانیّین» کی یقال بعدم أخذه، بل یمکن أن یؤخذ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 538
عنوان واحد بسیط هو «الیهودیّ» و«النصرانیّ» أو «الّذین هادوا» أو «تنصّروا» وهکذا، فاستصحاب ذات الحکم بالنسبة إلی الموضوع ممنوع، ولا تصل النوبة إلی استصحاب عدم النسخ، فافهم واغتنم.
وما فی «الکفایة» من : العلم الإجمالیّ بنسخ جملة من الأحکام، لا یمنع من جریانه بالنسبة إلی ما هو محطّ الابتلاء . مع أنّه فی موارد عدم لزوم المخالفة العملیّة لا یمنع جریانه، فلیلاحظ جیّداً.
وتوهّم ممنوعیّة جریانه، مدفوع بما تحرّر فی بحوث الاشتغال، کما عن العلاّمة النائینیّ رحمه الله.
هذا مع أنّ مقتضیٰ جملة من الآیات عدم نسخ الشرائع السابقة؛ لقوله تعالیٰ: «وَمُصَدِّقَاً لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ مِن التَّوْرَاةِ» ومقتضیٰ قوله تعالیٰ : «وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ» أنّ الشرائع السابقة باطلة کلّها، والجمع واضح فلیلاحظ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 539