المقصد الحادی عشر فی الاستصحاب

تذنیب : حول استصحاب أحکام الشرائع السابقة

تذنیب : حول استصحاب أحکام الشرائع السابقة

‏ ‏

‏من موارد جریان هذه الشبهة حدیث استصحاب أحکام الشرائع السابقة،‏‎ ‎‏وقد ذهب أکثرهم إلیٰ جریانه‏‎[1]‎‏، وبعضهم إلی المعارضة المذکورة، واستشکل‏‎ ‎‏المحقّـق الوالد ـ دام ظلّه ـ علی الجریان‏‎[2]‎‏. والمسألة قلیلة الجدویٰ ، ولا حاجة‏‎ ‎‏إلیٰ إطالة الکلام بعد ما عرفت المناقشة فی استصحاب العدم الأزلیّ‏‎[3]‎‏؛ لعدم الیقین‏‎ ‎‏بعدم الجعل بالنسبة إلیٰ هذه الاُمّة.‏

کما علمت:‏ أنّ الأحکام فی مطلق القوانین العرفیّة والشرعیّة، تکون علیٰ‏‎ ‎‏نعت القضایا الحقیقیّة، فإن کنت علیٰ یقین بأنّ حرمة الغصب فی الاُمم السابقة ثابتة‏‎ ‎‏علی الناس کافّة، فلا شکّ بالنسبة إلینا کی نحتاج إلی الاستصحاب بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الحرمة.‏

‏نعم، إنّا نحتاج إلی استصحاب عدم النسخ، وحیث إنّ الإجماع قائم خصوصاً‏‎ ‎‏علیٰ جریانه، فهو ولو کان مثبتاً یکون جاریاً استثناءً.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 537
وتوهّم:‏ أنّه لیس مثبتاً، فاسد؛ ضرورة أنّ ثبوت الحکم بالنسبة إلیٰ هذه الاُمّة‏‎ ‎‏من لوازم عدم النسخ، فما فی کلام العلاّمة الأراکیّ ‏‏رحمه الله‏‏ من أنّه لیس مثبتاً‏‎[4]‎‏، فی‏‎ ‎‏غیر محلّه؛ لأنّ نفس التعبّد بعدم النسخ غیر کافٍ.‏

‏ولیس هذا من قبیل نفس التعبّد بعدم الرافع والناقض؛ ضرورة أنّ الوضوء‏‎ ‎‏یبقیٰ، ویکون الشکّ فیه من الشکّ فی الرافع، وهنا یعدّ من الشکّ فی المقتضی، أو‏‎ ‎‏نحتاج إلی الإمضاء وارتضاء الرسول الأعظم الإسلامیّ ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏ وهذا یستفاد من‏‎ ‎‏حرمة نقض الیقین بالشکّ، فما فی کلام العلاّمة النائینیّ‏‎[5]‎‏ فی غیر محلّه.‏

‏وأمّا الحاجة إلی استصحاب تلک الأحکام فهو اشتباه؛ لأنّ موضوع القضیّة‏‎ ‎‏إمّا یشمل هذه الاُمّة فدلیله کافٍ، وإمّا لا یشمل هذه الاُمّة فلا یجری؛ لأنّ موضوعه‏‎ ‎‏هو القدر المتیقّن المشکوک عنوانه، فلا یجری حتّی استصحاب عدم النسخ؛ لعدم‏‎ ‎‏وجود دلیل یشمل هذه الاُمّة کی یحتمل نسخه.‏

‏وهناک (إن قلت قلتات) غیر مرضیّة وغیر لازمة، ویکفیک ما فی المفصّلات‏‎ ‎‏مع ضعف جملة منها.‏

بقی شیء:‏ وهو ما أفاده الوالد المحقّق من : عدم معلومیّة الموضوع فی‏‎ ‎‏الشریعة السابقة؛ لاحتمال کون موضوع الحکم عنوان «النصرانیّ» و«الیهودیّ»‏‎[6]‎‎ ‎‏وهذا هو الذی ذکرناه ، ولنعم ما أفاد.‏

‏وتوهّم جواز التمسّک باستصحاب عدم أخذ القید الموجب؛ لعدم انطباقه‏‎ ‎‏علیٰ هذه الاُمّة، غیر صحیح ولو قلنا بحجّیة الأصل المثبت؛ لأنّه لا یلزم أن یؤخذ‏‎ ‎‏عنوان «الناس المتهوّدین والنصرانیّین» کی یقال بعدم أخذه، بل یمکن أن یؤخذ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 538
‏عنوان واحد بسیط هو «الیهودیّ» و«النصرانیّ» أو «الّذین هادوا» أو «تنصّروا»‏‎ ‎‏وهکذا، فاستصحاب ذات الحکم بالنسبة إلی الموضوع ممنوع، ولا تصل النوبة إلی‏‎ ‎‏استصحاب عدم النسخ، فافهم واغتنم.‏

‏وما فی «الکفایة» من : العلم الإجمالیّ بنسخ جملة من الأحکام‏‎[7]‎‏، لا یمنع‏‎ ‎‏من جریانه بالنسبة إلی ما هو محطّ الابتلاء . مع أنّه فی موارد عدم لزوم المخالفة‏‎ ‎‏العملیّة لا یمنع جریانه، فلیلاحظ جیّداً.‏

‏وتوهّم ممنوعیّة جریانه، مدفوع بما تحرّر فی بحوث الاشتغال‏‎[8]‎‏، کما عن‏‎ ‎‏العلاّمة النائینیّ ‏‏رحمه الله‏‎[9]‎‏.‏

‏هذا مع أنّ مقتضیٰ جملة من الآیات عدم نسخ الشرائع السابقة؛ لقوله تعالیٰ:‏‎ ‎‏«‏وَمُصَدِّقَاً لِمَا بَیْنَ یَدَیْهِ مِن التَّوْرَاةِ‏»‏‎[10]‎‏ ومقتضیٰ قوله تعالیٰ : ‏‏«‏وَلاَ تَلْبِسُوا الْحَقَّ‎ ‎بِالْبَاطِلِ‏»‏‎[11]‎‏ أنّ الشرائع السابقة باطلة کلّها، والجمع واضح فلیلاحظ.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 8)صفحه 539

  • )) الفصول الغرویة : 380 ، فرائد الاُصول 2 : 655 ، کفایة الاُصول : 469 ، نهایة الأفکار 4 ، القسم الأوّل : 173 ـ 177 .
  • )) الاستصحاب، الإمام الخمینی قدس سره : 148 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 533 ـ 534 .
  • )) نهایة الأفکار 4 ، القسم الأوّل : 175 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 480 .
  • )) الاستصحاب، الإمام الخمینی قدس سره : 147 .
  • )) کفایة الاُصول : 471 .
  • )) تقدّم فی الجزء السابع : 359 ـ 360 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 4 : 14 ـ 16 .
  • )) آل عمران (3) : 50 .
  • )) البقرة (2) : 42 .