المقصد السابع فی القطع وأحکامه

أحدها : حول اُصولیّة مسألة القطع

أحدها : حول اُصولیّة مسألة القطع

‏ ‏

‏فی کون هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة‏‎[1]‎‏ وعدمه خلاف‏‎[2]‎‏، فالأکثر‏‎ ‎‏علی الثانی؛ معلّلاً : بأنّ تعریفها غیر منطبق علیها؛ ضرورة أنّ نتیجة المسألة‏‎ ‎‏الاُصولیّة، هی الواقعة کبریٰ قیاس استنتاج الأحکام الفرعیّة؛ واستنباط الفروع‏‎ ‎‏الفقهیّة‏‎[3]‎‏، وإذا کان القطع بالحکم حاصلاً، تکون النتیجة حاصلة قبل القیاس‏‎ ‎‏والتوسّط بالحدّ الوسط. وهذا ما صرّح به الشیخ ‏‏قدس سره‏‎[4]‎‏ وتبعه الأکثر‏‎[5]‎‏.‏

‏ویترتّب علیه حسب ما یظهر منه، عدم صحّة إطلاق «الحجّة» علیه‏‎[6]‎‏؛ لما‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 7
‏سیأتی تحقیقه: من أنّ حقیقة الحجّة عبارة عن الوسط‏‎[7]‎‏، وحجّیة القطع لاتحتاج‏‎ ‎‏إلی الوسط، ولاتقبل قیاساً وشکلاً، کما لایقبل بطلان التناقض قیاساً وشکلاً‏‎[8]‎‏.‏

‏والذی هو التحقیق الحقیق بالتصدیق: أنّ مسألة حجّیة القطع ذاتاً، لیست من‏‎ ‎‏الواضحات الغنیّة عن البیان، بل سیظهر إنکارها؛ وأنّها ـ کسائر الحجج ـ ممّا تنالها‏‎ ‎‏ید الجعل والتشریع إثباتاً ونفیاً، ویکون حمل «الحجّة» علیه کحملها علیٰ سائر‏‎ ‎‏الأمارات والاُصول‏‎[9]‎‏.‏

‏ولکن مع ذلک کلّه، بناءً علیٰ تعریف الاُصول بما هو المشهور عنهم‏‎[10]‎‏،‏‎ ‎‏لاتکون المسألة المزبورة من المسائل الاُصولیّة؛ لعدم وقوع القطع ولا الظنّ حدّاً‏‎ ‎‏وسطاً لإثبات الحکم الفرعیّ.‏

‏نعم، لو قلنا: بأنّ المقصود من التعریف المزبور، أعمّ من الکبری المتوسّطة‏‎ ‎‏لإثبات الحکم، أو لتنجّز التکلیف‏‎[11]‎‏، تکون هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة، مثلاً‏‎ ‎‏یصحّ أن یقال: «وجوب صلاة الجمعة ممّا تعلّق به القطع، وکلّ ما تعلّق به القطع‏‎ ‎‏یکون منجَّزاً، فوجوب الصلاة منجّز».‏

فبالجملة :‏ لایستنبط من القطع ولا الظنّ حکم شرعیّ، بل هما ـ بناءً علیٰ‏‎ ‎‏حجّیتهما مطلقاً، أو فی مورد ـ من المتوسّط لتنجیز الحکم، ولایعدّان وسطاً‏‎ ‎‏لاستنباط الحکم واستخراجه.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 8
‏اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ صورة قیاس الاستنباط «هو أنّ وجوب صلاة الجمعة‏‎ ‎‏أخبر به الثقة، وکلّ ما أخبر به الثقة مطابق للواقع، فالوجوب مطابق للواقع» وحینئذٍ‏‎ ‎‏تندرج مسألة القطع فی الاُصول علی التعریف المزبور؛ بناءً علیٰ عدم حجّیته‏‎ ‎‏الذاتیّة، کما لایخفیٰ.‏

‏وهکذا إذا قلنا: بأنّ موضوع الاُصول هی الحجّة فی الفقه‏‎[12]‎‏ واُرید من‏‎ ‎‏«الحجّة» ما یحتجّ العقلاء بعضهم علیٰ بعض علی الوجه المحرّر فی محلّه‏‎[13]‎‏،‏‎ ‎‏ولیست هی بمعنی الوسط فی القیاس، ولا المجموع المرکّب من الصغریٰ والکبریٰ؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ القطع ممّا یحتجّ به العقلاء ـ بعضهم علیٰ بعض ـ فیما یبتلون به فی‏‎ ‎‏مسائلهم العملیّة. ومن هنا یظهر ما فی «تهذیب الاُصول»‏‎[14]‎‏.‏

کما ظهر :‏ أنّ القوم ظنّوا أنّ وجه عدم کونها من مباحث الاُصول؛ أنّه حجّة‏‎ ‎‏ذاتاً، وقد عرفت أنّه لیس حجّة ذاتاً، کما یأتی تفصیله‏‎[15]‎‏. مع أنّه ولو کان حجّة‏‎ ‎‏بالإمضاء، فلایکون وسطاً للاستنباط، کالظنّ علی الحکومة أو الکشف.‏

‏ ‏

تذنیب

‏ ‏

‏لاشباهة بین مسألتنا هذه ومسائل علم الکلام، إلاّ علیٰ وجه یشبه سائر‏‎ ‎‏الأمارات المورثة لاستحقاق العقوبة. مع أنّ فی الکلام لاینعقد البحث عن هذه‏‎ ‎‏المسألة، وهو یشهد علیٰ أجنبیّتها عنه.‏

‏نعم، یشبه المسائل العقلیّة والکلامیّة؛ لأجل کونه صفة من الکیفیّات‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 9
‏النفسانیّة. وأمّا من حیث الطریقیّة أو الموضوعیّة، فلایبحث عنه فی غیر الاُصول،‏‎ ‎‏ولاسیّما بعض مباحثه، کقیامه مقام الأمارات ونحوه، والأمر سهل.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 10

  • )) نهایة الاُصول : 394، تهذیب الاُصول 2 : 5 .
  • )) کفایة الاُصول 296، نهایة النهایة 2 : 11، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینیّ) الکاظمی 3 : 9، نهایة الدرایة 3 : 11 .
  • )) حاشیة کفایة الاُصول، القوچانی 2 : 3، الهامش 1، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 9، نهایة الدرایة 3 : 11 .
  • )) فرائد الاُصول 1 : 4 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 9، نهایة الأفکار 3 : 10 ـ 11، مصباح الاُصول 2 : 5 .
  • )) فرائد الاُصول 1 : 4 .
  • )) یأتی فی الصفحة 264 ـ 265 .
  • )) الحکمة المتعالیة 1 : 90 .
  • )) یأتی فی الصفحة 26 ـ 28 .
  • )) من أنّه العلم بالقواعد الممهّدة لاستنباط الأحکام الشرعیّة الفرعیّة ، وهذا التعریف أشهر التعاریف ، اُنظر : قوانین الاُصول 1 : 5 / السطر4 ، الفصول الغرویّة : 2 / السطر 4 ، کفایة الاُصول : 23 .
  • )) کفایة الاُصول : 23 ، نهایة الدرایة 1 : 41 .
  • )) نهایة الاُصول : 15، أنوار الهدایة 1 : 270.
  • )) نهایة الاُصول : 16 .
  • )) تهذیب الاُصول 2 : 5 .
  • )) یأتی فی الصفحة 26 ـ 28 .