أحدها : حول اُصولیّة مسألة القطع
فی کون هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة وعدمه خلاف، فالأکثر علی الثانی؛ معلّلاً : بأنّ تعریفها غیر منطبق علیها؛ ضرورة أنّ نتیجة المسألة الاُصولیّة، هی الواقعة کبریٰ قیاس استنتاج الأحکام الفرعیّة؛ واستنباط الفروع الفقهیّة، وإذا کان القطع بالحکم حاصلاً، تکون النتیجة حاصلة قبل القیاس والتوسّط بالحدّ الوسط. وهذا ما صرّح به الشیخ قدس سره وتبعه الأکثر.
ویترتّب علیه حسب ما یظهر منه، عدم صحّة إطلاق «الحجّة» علیه؛ لما
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 7
سیأتی تحقیقه: من أنّ حقیقة الحجّة عبارة عن الوسط، وحجّیة القطع لاتحتاج إلی الوسط، ولاتقبل قیاساً وشکلاً، کما لایقبل بطلان التناقض قیاساً وشکلاً.
والذی هو التحقیق الحقیق بالتصدیق: أنّ مسألة حجّیة القطع ذاتاً، لیست من الواضحات الغنیّة عن البیان، بل سیظهر إنکارها؛ وأنّها ـ کسائر الحجج ـ ممّا تنالها ید الجعل والتشریع إثباتاً ونفیاً، ویکون حمل «الحجّة» علیه کحملها علیٰ سائر الأمارات والاُصول.
ولکن مع ذلک کلّه، بناءً علیٰ تعریف الاُصول بما هو المشهور عنهم، لاتکون المسألة المزبورة من المسائل الاُصولیّة؛ لعدم وقوع القطع ولا الظنّ حدّاً وسطاً لإثبات الحکم الفرعیّ.
نعم، لو قلنا: بأنّ المقصود من التعریف المزبور، أعمّ من الکبری المتوسّطة لإثبات الحکم، أو لتنجّز التکلیف، تکون هذه المسألة من المسائل الاُصولیّة، مثلاً یصحّ أن یقال: «وجوب صلاة الجمعة ممّا تعلّق به القطع، وکلّ ما تعلّق به القطع یکون منجَّزاً، فوجوب الصلاة منجّز».
فبالجملة : لایستنبط من القطع ولا الظنّ حکم شرعیّ، بل هما ـ بناءً علیٰ حجّیتهما مطلقاً، أو فی مورد ـ من المتوسّط لتنجیز الحکم، ولایعدّان وسطاً لاستنباط الحکم واستخراجه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 8
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ صورة قیاس الاستنباط «هو أنّ وجوب صلاة الجمعة أخبر به الثقة، وکلّ ما أخبر به الثقة مطابق للواقع، فالوجوب مطابق للواقع» وحینئذٍ تندرج مسألة القطع فی الاُصول علی التعریف المزبور؛ بناءً علیٰ عدم حجّیته الذاتیّة، کما لایخفیٰ.
وهکذا إذا قلنا: بأنّ موضوع الاُصول هی الحجّة فی الفقه واُرید من «الحجّة» ما یحتجّ العقلاء بعضهم علیٰ بعض علی الوجه المحرّر فی محلّه، ولیست هی بمعنی الوسط فی القیاس، ولا المجموع المرکّب من الصغریٰ والکبریٰ؛ ضرورة أنّ القطع ممّا یحتجّ به العقلاء ـ بعضهم علیٰ بعض ـ فیما یبتلون به فی مسائلهم العملیّة. ومن هنا یظهر ما فی «تهذیب الاُصول».
کما ظهر : أنّ القوم ظنّوا أنّ وجه عدم کونها من مباحث الاُصول؛ أنّه حجّة ذاتاً، وقد عرفت أنّه لیس حجّة ذاتاً، کما یأتی تفصیله. مع أنّه ولو کان حجّة بالإمضاء، فلایکون وسطاً للاستنباط، کالظنّ علی الحکومة أو الکشف.
تذنیب
لاشباهة بین مسألتنا هذه ومسائل علم الکلام، إلاّ علیٰ وجه یشبه سائر الأمارات المورثة لاستحقاق العقوبة. مع أنّ فی الکلام لاینعقد البحث عن هذه المسألة، وهو یشهد علیٰ أجنبیّتها عنه.
نعم، یشبه المسائل العقلیّة والکلامیّة؛ لأجل کونه صفة من الکیفیّات
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 9
النفسانیّة. وأمّا من حیث الطریقیّة أو الموضوعیّة، فلایبحث عنه فی غیر الاُصول، ولاسیّما بعض مباحثه، کقیامه مقام الأمارات ونحوه، والأمر سهل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 10