ثانیها: إشارة إلی الخلط بین مباحث القطع ومباحث الظنّ والاشتغال
لاینبغی الخلط بین مباحث القطع، ومبحث الظنّ والاشتغال؛ فإنّ ما هو المبحوث هنا ـ من أوّل بحوث القطع إلیٰ آخرها ـ هو العلم بالتکلیف وبروح الإرادة المولویّة، وأنّه إذا کان الحکم معلوماً بحسب الواقع ونفس الأمر، ولایحتمل الخلاف، هل یکون العلم المزبور قابلاً لسلب الحجّیة عنه، أم لا؟
أو إذا تخلّف فی صورة العصیان، هل یستـتبع العقوبة أم لا؟ کما هو البحث فی التجرّی.
وأنّه إذا حصل العلم المزبور إجمالاً، هل هو کالتفصیلیّ، أم لا؟
وفی مباحث الظنّ ربّما یتعلّق العلم بالحکم الظاهریّ؛ بمعنیٰ قیام الحجّة علی الحکم، وهذا العلم لا أثر له، وتشترک معه الحجّة القائمة علی الحجّة، کقیام الظواهر علیٰ حجّیة خبر الثقة.
فتوهّم : أنّ متعلّق العلم فی مباحث القطع، أعمّ من الحکم الواقعیّ والظاهریّ، یکون منشاُه الخلط بین المبحثین؛ ضرورة أنّه فی بحث الظنّ، لایکون النظر إلیٰ تعیین الصغریٰ لبحث القطع.
وأمّا العلم الإجمالیّ بالحجّة، فالبحث عنه موکول إلیٰ مباحث الاشتغال، ویختلف هذا العلم عن ذاک؛ لإمکان الترخیص علیٰ خلافه هناک، ولایمکن هنا.
کما لاینبغی الخلط بین ماهو المبحوث عنه هنا، وماهو المبحوث عنه فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 10
مقدّمات الانسداد؛ فإنّ البحث هنا فی حجّیة العلم الإجمالیّ بالحمل الأوّلی، من غیر لزوم کون الباحث عالماً بشیء أو جاهلاً، وفیما یأتی یکون فی الحمل الشائع منه، فلاتخلط، کما یستشمّ من «التهذیب».
ولایتوهّم أنّه یلحق بهذا العلم والقطع، العلم العادیّ والاطمئنان بحسب الأحکام فی الجملة. ودعویٰ قلّة القطع بالحکم الواقعیّ غیر مسموعة؛ فإنّ الأحکام الضروریّة کثیرة جدّاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 11