المسألة الثالثة حول تحقّق الامتثال بالفعل المتجرّیٰ به بناء علیٰ حرمته
بناءً علی القول بحرمة الفعل المتجرّیٰ به، فإن کان العنوان المنطبق علیه ذاتاً من العناوین العبادیّة، فصحّة العبادة ممنوعة؛ لأجل لزوم الإخلال بقصد القربة.
مثلاً : فیما إذا اعتقد حرمة صلاة الجمعة، ثمّ أتیٰ بها، فتبیّن أنّها واجبة أو مستحبّة، فسقوط الأمر المتعلّق بها محلّ منع کما تریٰ، فتأمّل.
وإن کان العنوان المنطبق علیه ذاتاً توصّلیاً، کما إذا اعتقد حرمة إکرام الفاسق، ثمّ أکرمه، فهل یسقط الأمر إذا تبیّن وجوب إکرامه مثلاً، أم لا؟
فإن قلنا : بأنّ فی موارد تحریم الفعل المتجرّیٰ به، أنّ ذات الفعل تصیر محرّمة، فلابدّ من الالتزام بعدم بقاء الأمر فی ذلک المورد؛ لامتناع اجتماعهما، وذلک للزوم الانقلاب فی الواقع بقلب الحسن قبیحاً، والمصلحة الملزمة مفسدة ملزمة .
وأمّا لو قلنا : بأنّ المحرّم عنوان «المتجرّیٰ به» فتکون النسبة بین الواجب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 89
بحسب الواقع والحرام ـ بحسب تخیّل المتجرّی ـ عموماً من وجه، کما مرّ، فلایکون الأمر ساقطاً، والواقع منقلباً؛ لإمکان اجتماعهما، کما تحرّر فی مبحث الامتناع والاجتماع.
وحیث إنّ دلیل تحریم المتجرّیٰ به مختلف، تصیر النتیجة مختلفة؛ فإن کان مستند التحریم حکمَ العقل والمقدّمات العقلیّة، فما هو المحرّم هو عنوان «المتجرّیٰ به» بما هو هو، فیکون الفعل المتجرّیٰ به مصداق الواجب والفرد الممتثل به بالضرورة.
ولو کان المستند دعویٰ شمول الأدلّة الواقعیّة، فالنسبة أیضاً عموم من وجه؛ ضرورة أنّ بین شرب الدواء الواجب وبین معلوم الخمر، عموماً من وجه.
ولو کان المستند الإجماع والأخبار فی موارد خاصّة، یستکشف بها أنّ المحرّم هو الواقع، لا العنوان ـ أی عنوان «المتجرّیٰ به» کما هو رأی الأکثر؛ بتوهّم امتناع تحریم المتجرّیٰ به بعنوانه، کما مرّ تفصیله ـ فإن قلنا بمقالة «الفصول» وأنّ مصالح الواقع ومفاسد المتجرّیٰ به تـتزاحم، فیکون الأمر المتعلّق بالشرب والنهی المتعلّق به، تابعین فی الواقع للمصلحة والمفسدة الغالبة، فیلزم التفصیل.
ولو قلنا بمقالة من یقول بغالبیّة المفسدة الطارئة علیٰ مصلحة الواقع ـ بتوهّم قبح التجرّی ذاتاً، لا بالوجوه والاعتبار، فلایختلف ـ فیکون الأمر غیر ساقط؛ إذا کان متعلّقاً بِصرْف الوجود، وساقطاً إذا کان متعلّقاً بالوجود الساری. إلاّ أنّ السقوط مستند إلیٰ عدم المقتضی، لا الامتثال، کما لا یخفیٰ.
ولکنّ الشأن أنّ کلّ هذه التصوّرات ـ بعدما عرفت من ممنوعیّة حرمة
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 90
المتجرّیٰ به ـ مبنیّة علی البناء الباطل، والله یعصمنا من النار.
ثمّ إنّ من المعلوم هنا مسألة رابعة: وهی أنّ المتجرّیٰ به إذا کان من المعاملات؛ ومورد الأحکام الوضعیّة، فهل هی تفسد، أم لا؟ وجهان، وقد عرفت مصیر الوجهین فی المسألة السابقة؛ وأنّ الصحّة هی الأقویٰ، فتأمّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 91
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 92