الفرض الثالث : أن یکون العلم بالحکم، قیداً أو شرطاً لمتعلّق الحکم الآخر المماثل؛ بذلک الموضوع أو الشرط
فتکون الصلاة المعلوم وجوبها، موضوعاً لتعلّق الوجوب الآخر بها، أو یکون العلم بوجوب الصلاة، شرطاً لتعلّق الوجوب الآخر بها، والمعروف بینهم أیضاً امتناعه؛ إمّا لأجل اجتماع المثلین.
أو لأجل لغویّة الجعل الثانی؛ ضرورة عدم الحاجة إلیه إذا لم یؤثّر الأوّل.
أو لأجل امتناع ترشّح الإرادتین التأسیسیّتین المتعلّقتین بعنوان واحد، أو العنوانین المختلفین بالعموم والخصوص المطلقین کما تحرّر منّا مراراً.
وصرّح هنا الوالد المحقّق ـ مدّظلّه بامتناعه، مع أنّه یتردّد فی هذه المسألة فی محلّه، فراجع، والأمر سهل.
وأنت خبیر : بأنّ المحذور الأوّل غیر صحیح؛ لما تحرّر: من أنّ اجتماع المثلین فی التکوین غیر جائز، وأمّا فی الأحکام فهی لیست بینها التضادّ، ولا
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 112
التماثل المنتهی إلیٰ امتناع اجتماعهما بالذات.
نعم، لاتجتمع الأحکام من مکلِّف واحد، بالقیاس إلیٰ مکلَّف واحد، فی زمان واحد، علیٰ طبیعة واحدة؛ لأنّ الحکم متقوّم بالإرادة الواقعیّة، وهی غیر قابلة للترشّح فی صورة سبق الإرادة الزاجرة مثلاً، متعلّقةً بتلک الطبیعة الواحدة.
وأمّا المحذور الثانی، فیندفع بما مرّ مراراً: من اختلاف الناس فی الانبعاث، فربّما ینبعث بعضهم بالأمرین، فلا لغویّة.
وأمّا المحذور الثالث، فالتحقیق هنا ما أفاده المحقّق الوالد ـ مدّظلّه : من أنّ العلم إن کان تمام الموضوع؛ حتّیٰ یکون فی صورة الخطأ موضوع الحکم المماثل موجوداً، وشرطه حاصلاً، فلا تکون النسبة بین المتعلّقین إلاّ عموماً من وجه؛ ضرورة أنّ بین الخمر المعلومة حرمة شربها والخمر، عموماً من وجه، فتکون الحرمة المأخوذة فی الشرط، متعلّقة بذات الخمر، سواء کانت معلومة حرمتها، أو غیر معلومة، والحرمة الثانیة متعلّقة بالخمر المعلومة حرمتها، سواء صادف الواقع، أم خالف، فلا محذور عقلاً فی هذا الفرض إذا کان العلم تمام الموضوع.
وأمّا إذا کان جزء الموضوع فلایمکن؛ لانقلاب النسبة من العموم من وجه إلی العموم المطلق، ویمتنع حینئذٍ حسب ما تحرّر مراراً؛ ضرورة أنّ الخمر لاتقبل التحریم التأسیسیّ مرّتین.
وأمّا توهّم حمل التحریم الثانی علی التأکید، فهو خروج من البحث ؛ ضرورة أنّ الکلام فیما إذا کان الحکم الثانی تأسیساً مستقلاًّ، ومستـتبعاً للعقاب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 113
والثواب کالأوّل، ویکون مماثلاً.
وربّما یتخیّل: أنّ موضوع الحرمة الثانیة هی «الخمر المعلومة حرمتها» وهذا العلم لایتعلّق بالخارج، بل هو أمر نفسانیّ، وموضوعَ الحرمة الاُولیٰ «ذات الخمر» فیکون مصبّ الحکم الأوّل المأخوذ فی الشرط، أمراً خارجیّاً، وموضوع الحکم الثانی أمراً ذهنیّاً. وفیه ما لا یخفیٰ من الغرابة.
وقریب من هذه الغرابة دعویٰ : أنّ الحکم المأخوذ فی الدلیل إذا کان حکماً إنشائیّاً، فلایلزم محذور رأساً.
وأنت خبیر : بأنّه ـ مضافاً إلیٰ خروجه من محطّ البحث ـ یرجع إلیٰ أنّه لیس من الحکم المماثل؛ ضرورة أنّ الحکم الأوّل یصیر المرتبة الاُولیٰ من الحکم الثانی، وسیأتی فی الفرض الآتی إن شاء الله تعالیٰ، إمکانُ اختصاص الحکم الفعلیّ بالعالم بالحکم الإنشائیّ؛ فراراً من بعض المحاذیر العقلیّة فی مسائل الشریعة.
ولنا أن نقول : إنّ عدم تحریر محلّ الکلام، أوقعهم فی هذه الأجوبة، فلو کان محطّ البحث أخذ الحکم المماثل بمعناه الواقعیّ، یلزم أن یکون جواب السیّد ـ مدّظلّه أیضاً فی غیر محلّه؛ لأنّه فی مفروض کلامه ـ وهو کون العلم تمام الموضوع ـ یلزم الخروج من المماثلة؛ لأنّه مع تعدّد محطّ الحکم لا مماثلة.
هذا، ولو کانت المماثلة بینهما، ولکنّ البحث فی صورة اشتراکهما فی المحلّ، وإلاّ فالضرورة قاضیة بجواز اجتماعهما فی صورة الاختلاف.
فعلیٰ ما تقرّر، الامتناع الذاتیّ الذی فی «الکفایة» والإمکان المحرّر فی کلامه ـ عفی عنهما ـ ممنوعان ، فتکون المسألة ممتنعة بالغیر، فتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 114