المقصد السابع فی القطع وأحکامه

الفرض الثالث : أن یکون العلم بالحکم، قیداً أو شرطاً لمتعلّق الحکم الآخر المماثل؛ بذلک الموضوع أو الشرط

الفرض الثالث : أن یکون العلم بالحکم، قیداً أو شرطاً لمتعلّق الحکم الآخر المماثل؛ بذلک الموضوع أو الشرط

‏ ‏

‏فتکون الصلاة المعلوم وجوبها، موضوعاً لتعلّق الوجوب الآخر بها، أو یکون‏‎ ‎‏العلم بوجوب الصلاة، شرطاً لتعلّق الوجوب الآخر بها، والمعروف بینهم أیضاً‏‎ ‎‏امتناعه‏‎[1]‎‏؛ إمّا لأجل اجتماع المثلین‏‎[2]‎‏.‏

‏أو لأجل لغویّة الجعل الثانی‏‎[3]‎‏؛ ضرورة عدم الحاجة إلیه إذا لم یؤثّر الأوّل.‏

‏أو لأجل امتناع ترشّح الإرادتین التأسیسیّتین المتعلّقتین بعنوان واحد، أو‏‎ ‎‏العنوانین المختلفین بالعموم والخصوص المطلقین‏‎[4]‎‏ کما تحرّر منّا مراراً‏‎[5]‎‏.‏

‏وصرّح هنا الوالد المحقّق ـ مدّظلّه بامتناعه‏‎[6]‎‏، مع أنّه یتردّد فی هذه المسألة‏‎ ‎‏فی محلّه‏‎[7]‎‏، فراجع، والأمر سهل.‏

وأنت خبیر :‏ بأنّ المحذور الأوّل غیر صحیح؛ لما تحرّر: من أنّ اجتماع‏‎ ‎‏المثلین فی التکوین غیر جائز، وأمّا فی الأحکام فهی لیست بینها التضادّ، ولا‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 112
‏التماثل المنتهی إلیٰ امتناع اجتماعهما بالذات‏‎[8]‎‏.‏

‏نعم، لاتجتمع الأحکام من مکلِّف واحد، بالقیاس إلیٰ مکلَّف واحد، فی زمان‏‎ ‎‏واحد، علیٰ طبیعة واحدة؛ لأنّ الحکم متقوّم بالإرادة الواقعیّة، وهی غیر قابلة‏‎ ‎‏للترشّح فی صورة سبق الإرادة الزاجرة مثلاً، متعلّقةً بتلک الطبیعة الواحدة.‏

‏وأمّا المحذور الثانی، فیندفع بما مرّ مراراً: من اختلاف الناس فی الانبعاث،‏‎ ‎‏فربّما ینبعث بعضهم بالأمرین، فلا لغویّة.‏

‏وأمّا المحذور الثالث، فالتحقیق هنا ما أفاده المحقّق الوالد ـ مدّظلّه ‏‎[9]‎‏: من‏‎ ‎‏أنّ العلم إن کان تمام الموضوع؛ حتّیٰ یکون فی صورة الخطأ موضوع الحکم‏‎ ‎‏المماثل موجوداً، وشرطه حاصلاً، فلا تکون النسبة بین المتعلّقین إلاّ عموماً من‏‎ ‎‏وجه؛ ضرورة أنّ بین الخمر المعلومة حرمة شربها والخمر، عموماً من وجه، فتکون‏‎ ‎‏الحرمة المأخوذة فی الشرط، متعلّقة بذات الخمر، سواء کانت معلومة حرمتها، أو‏‎ ‎‏غیر معلومة، والحرمة الثانیة متعلّقة بالخمر المعلومة حرمتها، سواء صادف الواقع،‏‎ ‎‏أم خالف، فلا محذور عقلاً فی هذا الفرض إذا کان العلم تمام الموضوع.‏

‏وأمّا إذا کان جزء الموضوع فلایمکن؛ لانقلاب النسبة من العموم من وجه‏‎ ‎‏إلی العموم المطلق، ویمتنع حینئذٍ حسب ما تحرّر مراراً‏‎[10]‎‏؛ ضرورة أنّ الخمر لاتقبل‏‎ ‎‏التحریم التأسیسیّ مرّتین.‏

‏وأمّا توهّم حمل التحریم الثانی علی التأکید‏‎[11]‎‏، فهو خروج من البحث ؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ الکلام فیما إذا کان الحکم الثانی تأسیساً مستقلاًّ، ومستـتبعاً للعقاب‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 113
‏والثواب کالأوّل، ویکون مماثلاً.‏

‏وربّما یتخیّل: أنّ موضوع الحرمة الثانیة هی «الخمر المعلومة حرمتها» وهذا‏‎ ‎‏العلم لایتعلّق بالخارج، بل هو أمر نفسانیّ، وموضوعَ الحرمة الاُولیٰ «ذات الخمر»‏‎ ‎‏فیکون مصبّ الحکم الأوّل المأخوذ فی الشرط، أمراً خارجیّاً، وموضوع الحکم‏‎ ‎‏الثانی أمراً ذهنیّاً. وفیه ما لا یخفیٰ من الغرابة.‏

‏وقریب من هذه الغرابة دعویٰ : أنّ الحکم المأخوذ فی الدلیل إذا کان حکماً‏‎ ‎‏إنشائیّاً، فلایلزم محذور رأساً.‏

وأنت خبیر :‏ بأنّه ـ مضافاً إلیٰ خروجه من محطّ البحث ـ یرجع إلیٰ أنّه لیس‏‎ ‎‏من الحکم المماثل؛ ضرورة أنّ الحکم الأوّل یصیر المرتبة الاُولیٰ من الحکم الثانی،‏‎ ‎‏وسیأتی فی الفرض الآتی إن شاء الله تعالیٰ، إمکانُ اختصاص الحکم الفعلیّ بالعالم‏‎ ‎‏بالحکم الإنشائیّ؛ فراراً من بعض المحاذیر العقلیّة فی مسائل الشریعة.‏

ولنا أن نقول :‏ إنّ عدم تحریر محلّ الکلام، أوقعهم فی هذه الأجوبة، فلو کان‏‎ ‎‏محطّ البحث أخذ الحکم المماثل بمعناه الواقعیّ، یلزم أن یکون جواب السیّد‏‎ ‎‏ـ مدّظلّه أیضاً فی غیر محلّه؛ لأنّه فی مفروض کلامه ـ وهو کون العلم تمام‏‎ ‎‏الموضوع ـ یلزم الخروج من المماثلة؛ لأنّه مع تعدّد محطّ الحکم لا مماثلة.‏

‏هذا، ولو کانت المماثلة بینهما، ولکنّ البحث فی صورة اشتراکهما فی المحلّ،‏‎ ‎‏وإلاّ فالضرورة قاضیة بجواز اجتماعهما فی صورة الاختلاف.‏

‏فعلیٰ ما تقرّر، الامتناع الذاتیّ الذی فی «الکفایة»‏‎[12]‎‏ والإمکان المحرّر فی‏‎ ‎‏کلامه‏‎[13]‎‏ ـ عفی عنهما ـ ممنوعان ، فتکون المسألة ممتنعة بالغیر، فتدبّر.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 114

  • )) کفایة الاُصول : 307 ، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینیّ) الکاظمی 3 : 34، وقایة الأذهان : 471، حقائق الاُصول 2 : 35 .
  • )) کفایة الاُصول  : 307 ، وقایة الأذهان : 471.
  • )) نهایة الأفکار 3 : 11، حقائق الاُصول 2 : 35 ، منتهیٰ الاُصول 2 : 12 .
  • )) أجود التقریرات 2 : 17 ـ 18 .
  • )) تقدّم فی الجزء الرابع : 142 ـ 146 .
  • )) تهذیب الاُصول 2 : 23 .
  • )) لاحظ تهذیب الاُصول 1 : 389 وما بعدها.
  • )) تقدّم فی الجزء الرابع : 211 ـ 212 .
  • )) تهذیب الاُصول 2 : 22 ـ 23 .
  • )) تقدّم فی الجزء الرابع : 142 ـ 146 .
  • )) مصباح الاُصول 2 : 45 .
  • )) کفایة الاُصول : 307 .
  • )) تهذیب الاُصول 2 : 20 ـ 21 .