المقام الثانی فی مرحلة الإثبات
هل هذا الالتزام القلبیّ من الواجبات، حتّیٰ یکون البانی علیٰ ترک الواجب فی وقته، تارکاً لإحدی الواجبات الإلهیّة، أو من الاُمور التی یستقلّ العقل بصحّة العقوبة علیٰ ترکها، أم لا؟
لا سبیل إلیٰ وجوبه الشرعیّ؛ لعدم دلیل یقتضیه. وتوهّم أنّ طائفة من الأخبار ـ المشتملة علیٰ أنّ الخلود فی النار، معلول هذا الالتزام، والخلودَ فی الجنّة ، معلول الالتزام بأنّ العبد إذا کان دائمیّ الوجود یکون دائمیّ الامتثال ـ تدلّ علیٰ وجوب هذا البناء، فی غیر محلّه؛ لأنّه لو دلّت فهو من الدلالة العقلیّة، کما لایخفیٰ.
وأمّا توهّم : أنّ وجوب الالتزام وعقد القلب علیٰ امتثال التکالیف؛ وإطاعة الأوامر فی ظرفها إلی الأبد، وهکذا النواهی الخاصّة به، من المستقلاّت العقلیّة، فقد مرّ فی مباحث الأوامر والتجرّی: أنّ کون الأوامر الشرعیّة أوامر مولویّة نفسیّة، محلّ المناقشة؛ فإنّ العقل لایدرک إلاّ وجود الملازمة بین النار والمحرّمات وترک الواجبات، وبین الجنّة والامتثال، وأمّا درک لزوم الطاعة، ولزوم شکر المنعم، ولزوم العبودیّة، فهو کلّه ممنوع، وتفصیله فی مباحث التقلید.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 165
ولو سلّمنا لزوم هذه الاُمور ـ ومنها: البناء والالتزام المذکور؛ لأنّه لازم مشکوریّة العبد ـ فلا وجه لکونه مستـتبعاً للعقاب أو العتاب، کما تحرّر فی مباحث التجرّی.
بقی شیء : قد أشرنا فی مطاوی البحث إلیٰ أنّ المسألة لاتکون من خصائص القطع، بل هی أعمّ منه ومن سائر الحجج الإلهیّة العقلائیّة أو الشرعیّة.
نعم، فی موارد العلم الإجمالیّ، لایمکن الالتزام إلاّ بالمعنی الإجمالیّ.
وأمّا فی موارد دوران الأمر بین المحذورین، فلایعقل الالتزام؛ لا علی المعانی المحتملة فی المسألة المذکورة سابقاً، ولا علی الوجه المحرّر عندنا؛ ضرورة أنّه لا معنیٰ لعقد القلب علیٰ ما هو المعلوم بالإجمال وراء نفس العلم والیقین المفروض. وأمّا عقد القلب والالتزام بالامتثال، فهو فی مفروض البحث غیر ممکن؛ لما لایتمکّن من امتثال الأمر والنهی.
ودعویٰ : أنّه یلتزم بذلک الحکم وإن لایعلم به، من قبیل دعویٰ: أنّه یلتزم بوجود الأسد مع العلم بعدم الأسد، أو الشکّ فی وجوده.
وغیر خفیّ : أنّه لو أمکن الالتزام للزم التشریع؛ لأنّه من قبیل الالتزام بما لایعلم، فافهم وتأمّل؛ فإنّه حقیق به.
ثمّ اعلم : أنّ وجوب الموافقة الالتزامیّة ـ بالمعنی الذی جعلناه محور البحث لایمنع من جریان الاُصول فی أطراف العلم الإجمالیّ:
أمّا فی الموارد التی یلزم من جریانها المخالفة العملیّة فواضح؛ ضرورة أنّ عقد القلب علی المعنی الإجمالیّ، لاینافی التعبّد الظاهری بالخلاف فی الموارد الخاصّة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 166
نعم، إذا کان معنیٰ لزوم الموافقة الالتزامیّة: هو الالتزام بنجاسة مجموع الإناءین، فهو ینافی ذلک؛ لأنّ الالتزام بنجاستهما، یستلزم کون کلّ واحد معلوم النجاسة، وهو ینافی جریان الأصل المتقوّم بالشکّ.
وأمّا فی مثل دوران الأمر بین المحذورین، أو فی الموارد التی لایلزم من جریانها المخالفة العملیّة، فلا وجه لتوهّم مانعیّة الوجوب المزبور، إلاّ إذا کان مفاد الاستصحاب الجاری فی الطرفین مثلاً، هو الإحراز، والالتزام بذلک ینافی العلم الإجمالیّ بعدم تمامیّة أحد المحرزین.
ولکنّ الشأن أنّ ماهو مورد الالتزام؛ هو المعنی الإجمالیّ الواقعیّ، أو التفصیلیّ الظاهریّ، والتنافی بینهما کالتنافی بین الحکم الواقعیّ والظاهریّ.
وبعبارة اُخریٰ : یلتزم العبد بأنّ کلّ واحد من الإناءین، متنجّز النجاسة، ویلتزم بنجاسة واقعیّة واحدة فی البین.
وغیر خفیّ : أنّ ظاهر کلمات جلّ منهم، أنّ المراد من «وجوب الموافقة الالتزامیّة» هو عقد القلب علی المعلوم، وهذا غیر راجع إلیٰ معنیٰ محصّل، وظاهرَ من یقول: بأنّ الموافقة الالتزامیّة تابعة للعلم فی التفصیل والإجمال، هو أنّه دائر أیضاً مدار العلم وجوداً وعدماً، کما یظهر من العلاّمة العراقیّ وبعض آخر فی ذیل البحث، وبناءً علیٰ هذا فلابدّ من أن یکون المراد من «الموافقة الالتزامیّة» ما أبدعناه فی المسألة، فتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 167
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 168