المقصد السابع فی القطع وأحکامه

المقام الثانی فی مرحلة الإثبات

المقام الثانی فی مرحلة الإثبات

‏ ‏

‏هل هذا الالتزام القلبیّ من الواجبات، حتّیٰ یکون البانی علیٰ ترک الواجب‏‎ ‎‏فی وقته، تارکاً لإحدی الواجبات الإلهیّة، أو من الاُمور التی یستقلّ العقل بصحّة‏‎ ‎‏العقوبة علیٰ ترکها، أم لا؟‏

‏لا سبیل إلیٰ وجوبه الشرعیّ؛ لعدم دلیل یقتضیه. وتوهّم أنّ طائفة من‏‎ ‎‏الأخبار‏‎[1]‎‏ ـ المشتملة علیٰ أنّ الخلود فی النار، معلول هذا الالتزام، والخلودَ فی‏‎ ‎‏الجنّة ، معلول الالتزام بأنّ العبد إذا کان دائمیّ الوجود یکون دائمیّ الامتثال ـ‏‎ ‎‏تدلّ علیٰ وجوب هذا البناء، فی غیر محلّه؛ لأنّه لو دلّت فهو من الدلالة العقلیّة، کما‏‎ ‎‏لایخفیٰ.‏

وأمّا توهّم :‏ أنّ وجوب الالتزام وعقد القلب علیٰ امتثال التکالیف؛ وإطاعة‏‎ ‎‏الأوامر فی ظرفها إلی الأبد، وهکذا النواهی الخاصّة به، من المستقلاّت العقلیّة‏‎[2]‎‏،‏‎ ‎‏فقد مرّ فی مباحث الأوامر والتجرّی: أنّ کون الأوامر الشرعیّة أوامر مولویّة نفسیّة،‏‎ ‎‏محلّ المناقشة‏‎[3]‎‏؛ فإنّ العقل لایدرک إلاّ وجود الملازمة بین النار والمحرّمات وترک‏‎ ‎‏الواجبات، وبین الجنّة والامتثال، وأمّا درک لزوم الطاعة، ولزوم شکر المنعم، ولزوم‏‎ ‎‏العبودیّة، فهو کلّه ممنوع، وتفصیله فی مباحث التقلید.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 165
‏ولو سلّمنا لزوم هذه الاُمور ـ ومنها: البناء والالتزام المذکور؛ لأنّه لازم‏‎ ‎‏مشکوریّة العبد ـ فلا وجه لکونه مستـتبعاً للعقاب أو العتاب، کما تحرّر فی مباحث‏‎ ‎‏التجرّی‏‎[4]‎‏.‏

بقی شیء :‏ قد أشرنا فی مطاوی البحث إلیٰ أنّ المسألة لاتکون من خصائص‏‎ ‎‏القطع، بل هی أعمّ منه ومن سائر الحجج الإلهیّة العقلائیّة أو الشرعیّة.‏

‏نعم، فی موارد العلم الإجمالیّ، لایمکن الالتزام إلاّ بالمعنی الإجمالیّ.‏

‏وأمّا فی موارد دوران الأمر بین المحذورین، فلایعقل الالتزام؛ لا علی‏‎ ‎‏المعانی المحتملة فی المسألة المذکورة سابقاً، ولا علی الوجه المحرّر عندنا؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّه لا معنیٰ لعقد القلب علیٰ ما هو المعلوم بالإجمال وراء نفس العلم‏‎ ‎‏والیقین المفروض. وأمّا عقد القلب والالتزام بالامتثال، فهو فی مفروض البحث غیر‏‎ ‎‏ممکن؛ لما لایتمکّن من امتثال الأمر والنهی.‏

ودعویٰ :‏ أنّه یلتزم بذلک الحکم وإن لایعلم به‏‎[5]‎‏، من قبیل دعویٰ: أنّه یلتزم‏‎ ‎‏بوجود الأسد مع العلم بعدم الأسد، أو الشکّ فی وجوده.‏

وغیر خفیّ :‏ أنّه لو أمکن الالتزام للزم التشریع؛ لأنّه من قبیل الالتزام بما‏‎ ‎‏لایعلم، فافهم وتأمّل؛ فإنّه حقیق به.‏

ثمّ اعلم :‏ أنّ وجوب الموافقة الالتزامیّة ـ بالمعنی الذی جعلناه محور‏‎ ‎‏البحث لایمنع من جریان الاُصول فی أطراف العلم الإجمالیّ:‏

‏أمّا فی الموارد التی یلزم من جریانها المخالفة العملیّة فواضح؛ ضرورة‏‎ ‎‏أنّ عقد القلب علی المعنی الإجمالیّ، لاینافی التعبّد الظاهری بالخلاف فی‏‎ ‎‏الموارد الخاصّة.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 166
‏نعم، إذا کان معنیٰ لزوم الموافقة الالتزامیّة: هو الالتزام بنجاسة مجموع‏‎ ‎‏الإناءین، فهو ینافی ذلک؛ لأنّ الالتزام بنجاستهما، یستلزم کون کلّ واحد معلوم‏‎ ‎‏النجاسة، وهو ینافی جریان الأصل المتقوّم بالشکّ.‏

‏وأمّا فی مثل دوران الأمر بین المحذورین، أو فی الموارد التی لایلزم من‏‎ ‎‏جریانها المخالفة العملیّة، فلا وجه لتوهّم مانعیّة الوجوب المزبور، إلاّ إذا کان مفاد‏‎ ‎‏الاستصحاب الجاری فی الطرفین مثلاً، هو الإحراز، والالتزام بذلک ینافی العلم‏‎ ‎‏الإجمالیّ بعدم تمامیّة أحد المحرزین.‏

‏ولکنّ الشأن أنّ ماهو مورد الالتزام؛ هو المعنی الإجمالیّ الواقعیّ، أو‏‎ ‎‏التفصیلیّ الظاهریّ، والتنافی بینهما کالتنافی بین الحکم الواقعیّ والظاهریّ.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ یلتزم العبد بأنّ کلّ واحد من الإناءین، متنجّز النجاسة،‏‎ ‎‏ویلتزم بنجاسة واقعیّة واحدة فی البین.‏

وغیر خفیّ :‏ أنّ ظاهر کلمات جلّ منهم، أنّ المراد من «وجوب الموافقة‏‎ ‎‏الالتزامیّة» هو عقد القلب علی المعلوم‏‎[6]‎‏، وهذا غیر راجع إلیٰ معنیٰ محصّل،‏‎ ‎‏وظاهرَ من یقول: بأنّ الموافقة الالتزامیّة تابعة للعلم فی التفصیل والإجمال، هو أنّه‏‎ ‎‏دائر أیضاً مدار العلم وجوداً وعدماً، کما یظهر من العلاّمة العراقیّ‏‎[7]‎‏ وبعض آخر فی‏‎ ‎‏ذیل البحث‏‎[8]‎‏، وبناءً علیٰ هذا فلابدّ من أن یکون المراد من «الموافقة الالتزامیّة» ما‏‎ ‎‏أبدعناه فی المسألة، فتدبّر.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 167

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 168

  • )) وسائل الشیعة 1 : 50 ، کتاب الطهارة ، أبواب مقدّمة العبادات ، الباب 6 ، الحدیث4.
  • )) درر الفوائد، المحقّق الخراسانی : 78 .
  • )) تقدّم فی الجزء الثالث : 152 ـ 156 ، وفی هذا الجزء : 70 ـ 71 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 61 ـ 65 .
  • )) درر الفوائد، المحقّق الحائری : 345 .
  • )) کفایة الاُصول  : 309 ، درر الفوائد ، المحقّق الحائری : 345، نهایة الدرایة 3: 77 ـ 78.
  • )) نهایة الأفکار 3 : 54 ـ 55 .
  • )) مصباح الاُصول 2 : 52 .