المقصد الثامن فی الظنّ

تـتمیم : حول اجتماع المصلحة والمفسدة بناء علی المختار

تـتمیم : حول اجتماع المصلحة والمفسدة بناء علی المختار

‏ ‏

‏بناءً علی المذهب المنصور، یلزم اجتماع المصلحة والمفسدة بلا کسر‏‎ ‎‏وانکسار، فیکون العنوان الواحد فیه المصلحة الداعیة إلی الإیجاب، والمفسدة‏‎ ‎‏الداعیة إلی التحریم.‏

‏وأمّا اشتمال الواحد النوعیّ أو الشخصیّ علیهما بالکسر والانکسار، فلا منع‏‎ ‎‏منه، بل قلّما یوجد موضوع یشتمل علی المصلحة المطلقة، أو المفسدة المطلقة، فإنّ‏‎ ‎‏الخمر أیضاً فیها ‏‏«‏مَنَافِعُ لِلنّٰاسِ‏»‏‎[1]‎‏ ولکن لمکان غلبة إثمها علیٰ نفعها حرمت فی‏‎ ‎‏الشریعة، وهذا هو معنی الکسر والانکسار. بل یلزم اجتماع المصلحتین بلا کسر‏‎ ‎‏وانکسار، وهو أیضاً محال.‏

أقول:‏ لا یلزم اجتماعهما فی الأمارات، ولا فی الاُصول المحرزة؛ لأنّ ما هو‏‎ ‎‏مصبّ المفسدة هی الخمر، وما هو مصبّ الإیجاب هو عنوان «التبعیّة والعمل».‏

وإن شئت قلت:‏ ما هو مصبّ المفسدة هی الخمر، وما هو مصبّ جعل الحجّیة‏‎ ‎‏هی الأمارات والاُصول المحرزة، سواء قلنا بانجعال الحجّیة، أو بمجعولیّتها مستقلّة،‏‎ ‎‏أو تبعاً، کما لا یخفیٰ، فلا مجمع فی الخارج لهما.‏

‏نعم، فی الاُصول الجاعلة للطهارة والحلّیة یشکل الأمر، إلاّ علی القول: بأنّ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 232
‏ما هو مصبّ الطهارة والنجاسة هو المشکوک، فتکون النسبة عموماً من وجه، وأمّا‏‎ ‎‏بناءً علیٰ کون الذات المشکوکة فیها طاهرة وحلال، أو الذات حین الشکّ حلال‏‎ ‎‏وطاهرة، فلابدّ من العلاج الذی به یعالج الجمع بین الأحکام الظاهریّة والواقعیّة،‏‎ ‎‏وسیمرّ علیک فی ذیل الطائفة الثالثة من المحاذیر إن شاء الله تعالیٰ‏‎[2]‎‏.‏

‏ثمّ إنّ المحذور أیضاً مشکل علی القول بالسببیّة والموضوعیّة، وأنّ مؤدّی‏‎ ‎‏الأمارات مجعول ثانٍ ناشئ عن المفسدة أو المصلحة فی المتعلّق.‏

‏وأمّا لو قلنا علی الموضوعیّة: بأنّ لازم هذا الجعل، لیس أن تکون المصلحة‏‎ ‎‏والمفسدة فی المتعلّق، کما هو التحقیق، فلا محذور علیٰ هذا المسلک أیضاً؛ فإنّ‏‎ ‎‏مصلحة التسهیل علی الأمّة، والمحافظة علی النظام ومصالحه الاُخر، کافیة لجعل‏‎ ‎‏الحرمة علیٰ شیء آخر، أو الوجوب علیٰ شیء أجنبیّ، ولکنّه دخیل فی المحافظة‏‎ ‎‏به علیٰ ما هو المقصود الأعلیٰ، کما سیمرّ علیک أنحاء الملاحظات الکلّیة النوعیّة‏‎ ‎‏فی ضرب القانون الإسلامیّ والقوانین العرفیّة إن شاء الله تعالیٰ‏‎[3]‎‏.‏

‏ومرّ فی المجلّد الأوّل: أنّ إیجاب ترک الشیء ـ کما فی الحجّ بالنسبة إلیٰ‏‎ ‎‏تروک الاحرام وأمثال ذلک ممکن‏‎[4]‎‏، ولا یجوز الخلط بین التشریعیّات‏‎ ‎‏والتکوینیّات، فإنّ ترک الصلاة محرّم، کما أنّ فعلها واجب، ولا یکون حرمة الترک‏‎ ‎‏إلاّ عن مصلحة ناشئة فی الفعل، ولکنّ الشرع یلاحظ القوانین اهتماماً بشأنها،‏‎ ‎‏فلا تخلط.‏

‏ومن هنا یظهر مواضع الضعف فی کلمات القوم، ولا یهمّنا أن نشیر إلیها؛‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 233
‏حذراً من الإطالة القلیلة إفادتها.‏

‏ثمّ إنّ اجتماع المصلحتین ـ کمصلحة الحکم المؤدّیٰ بالأمارة، ومصلحة‏‎ ‎‏الواقع ممنوع أیضاً، علیٰ ما مرّ علی المذهب المنصور فی باب الطرق والأمارات،‏‎ ‎‏والاُصول المجعولة علیٰ ضوئها؛ لأنّ ما به تقوم المصلحة الثانیة هو غیر العناوین‏‎ ‎‏الواقعیّة، کما عرفت‏‎[5]‎‏.‏

‏وأمّا فی مثل القاعدتین: الحلّ، والطهارة، فعلیٰ کون النسبة بینهما العموم من‏‎ ‎‏وجه، فالامر واضح. وعلی القول الآخر، فکون الذات طاهرة واقعاً، ثمّ جعل الطهارة‏‎ ‎‏ثانیاً لها عند الشکّ، ممّا لا منع منه عقلاً؛ لأنّ محذوره اجتماع المثلین، وقد مرّ‏‎ ‎‏الفراغ منه‏‎[6]‎‏.‏

‏ومن هنا یظهر حال المسألة علی القول: بأنّ المجعول هی السببیّة‏‎ ‎‏والموضوعیّة؛ وأنّ المؤدیٰ مجعول ثانٍ، فلاحظ ولا تکن من الغافلین، والمسألة‏‎ ‎‏تحتاج إلیٰ تأمّل وتدبّر.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 234

  • )) البقرة (2) : 219 .
  • )) یأتی فی الصفحة 255 .
  • )) یأتی فی الصفحة 250 ـ 253 .
  • )) تقدّم فی الجزء الرابع : 91 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 232 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 225 ـ 229 .