تـتمیم : حول اجتماع المصلحة والمفسدة بناء علی المختار
بناءً علی المذهب المنصور، یلزم اجتماع المصلحة والمفسدة بلا کسر وانکسار، فیکون العنوان الواحد فیه المصلحة الداعیة إلی الإیجاب، والمفسدة الداعیة إلی التحریم.
وأمّا اشتمال الواحد النوعیّ أو الشخصیّ علیهما بالکسر والانکسار، فلا منع منه، بل قلّما یوجد موضوع یشتمل علی المصلحة المطلقة، أو المفسدة المطلقة، فإنّ الخمر أیضاً فیها «مَنَافِعُ لِلنّٰاسِ» ولکن لمکان غلبة إثمها علیٰ نفعها حرمت فی الشریعة، وهذا هو معنی الکسر والانکسار. بل یلزم اجتماع المصلحتین بلا کسر وانکسار، وهو أیضاً محال.
أقول: لا یلزم اجتماعهما فی الأمارات، ولا فی الاُصول المحرزة؛ لأنّ ما هو مصبّ المفسدة هی الخمر، وما هو مصبّ الإیجاب هو عنوان «التبعیّة والعمل».
وإن شئت قلت: ما هو مصبّ المفسدة هی الخمر، وما هو مصبّ جعل الحجّیة هی الأمارات والاُصول المحرزة، سواء قلنا بانجعال الحجّیة، أو بمجعولیّتها مستقلّة، أو تبعاً، کما لا یخفیٰ، فلا مجمع فی الخارج لهما.
نعم، فی الاُصول الجاعلة للطهارة والحلّیة یشکل الأمر، إلاّ علی القول: بأنّ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 232
ما هو مصبّ الطهارة والنجاسة هو المشکوک، فتکون النسبة عموماً من وجه، وأمّا بناءً علیٰ کون الذات المشکوکة فیها طاهرة وحلال، أو الذات حین الشکّ حلال وطاهرة، فلابدّ من العلاج الذی به یعالج الجمع بین الأحکام الظاهریّة والواقعیّة، وسیمرّ علیک فی ذیل الطائفة الثالثة من المحاذیر إن شاء الله تعالیٰ.
ثمّ إنّ المحذور أیضاً مشکل علی القول بالسببیّة والموضوعیّة، وأنّ مؤدّی الأمارات مجعول ثانٍ ناشئ عن المفسدة أو المصلحة فی المتعلّق.
وأمّا لو قلنا علی الموضوعیّة: بأنّ لازم هذا الجعل، لیس أن تکون المصلحة والمفسدة فی المتعلّق، کما هو التحقیق، فلا محذور علیٰ هذا المسلک أیضاً؛ فإنّ مصلحة التسهیل علی الأمّة، والمحافظة علی النظام ومصالحه الاُخر، کافیة لجعل الحرمة علیٰ شیء آخر، أو الوجوب علیٰ شیء أجنبیّ، ولکنّه دخیل فی المحافظة به علیٰ ما هو المقصود الأعلیٰ، کما سیمرّ علیک أنحاء الملاحظات الکلّیة النوعیّة فی ضرب القانون الإسلامیّ والقوانین العرفیّة إن شاء الله تعالیٰ.
ومرّ فی المجلّد الأوّل: أنّ إیجاب ترک الشیء ـ کما فی الحجّ بالنسبة إلیٰ تروک الاحرام وأمثال ذلک ممکن، ولا یجوز الخلط بین التشریعیّات والتکوینیّات، فإنّ ترک الصلاة محرّم، کما أنّ فعلها واجب، ولا یکون حرمة الترک إلاّ عن مصلحة ناشئة فی الفعل، ولکنّ الشرع یلاحظ القوانین اهتماماً بشأنها، فلا تخلط.
ومن هنا یظهر مواضع الضعف فی کلمات القوم، ولا یهمّنا أن نشیر إلیها؛
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 233
حذراً من الإطالة القلیلة إفادتها.
ثمّ إنّ اجتماع المصلحتین ـ کمصلحة الحکم المؤدّیٰ بالأمارة، ومصلحة الواقع ممنوع أیضاً، علیٰ ما مرّ علی المذهب المنصور فی باب الطرق والأمارات، والاُصول المجعولة علیٰ ضوئها؛ لأنّ ما به تقوم المصلحة الثانیة هو غیر العناوین الواقعیّة، کما عرفت.
وأمّا فی مثل القاعدتین: الحلّ، والطهارة، فعلیٰ کون النسبة بینهما العموم من وجه، فالامر واضح. وعلی القول الآخر، فکون الذات طاهرة واقعاً، ثمّ جعل الطهارة ثانیاً لها عند الشکّ، ممّا لا منع منه عقلاً؛ لأنّ محذوره اجتماع المثلین، وقد مرّ الفراغ منه.
ومن هنا یظهر حال المسألة علی القول: بأنّ المجعول هی السببیّة والموضوعیّة؛ وأنّ المؤدیٰ مجعول ثانٍ، فلاحظ ولا تکن من الغافلین، والمسألة تحتاج إلیٰ تأمّل وتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 234