المقام الأوّل : حول تمکّن الشارع من الردع عن الأمارات وعدمه
هل الشرع یتمکّن من أن یردع عن الطرق والأمارات، وهل یعقل ذلک؟
أم أنّه کما لا یعقل الردع عن القطع؛ للزوم المحاذیر المذکورة فی محلّه من الخلف وغیره، کذلک لایعقل الردع عن الطرق والأمارات العقلائیّة، فلایبقیٰ مورد للشکّ فی الحجّیة، بل تصیر جمیع الطرق والأمارات العقلائیّة الشائعة حجّة قطعیّة،
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 260
ولا أصل حتّیٰ یحتاج فی الخروج عنه إلی الأدلّة الخاصّة؟
نعم، مالایکون طریقاً عقلائیّاً کالقیاس، أو لایکون طریقاً شائعاً کالجفر والرمل والحساب،یمکن الردع عنه، لعدم ترتّب المفاسد علیه.
وبالجملة: لابدّ من الإشارة إلیٰ بعض المفاسد المترتّبة علی الردع عنها المنتهی إلیٰ امتناعه بالغیر.
وغیر خفیّ: أنّ تبدیل عنوان «الإمکان» إلیٰ «التمکّن» هنا؛ للإشارة إلیٰ أنّ هذه المادّة، لیست من الموادّ الثلاث المعتبرة فی المنطق والعلوم العقلیّة، ولذلک تریٰ صحّة درج المسألة فی حدود القدرة، فاغتنم.
فبالجملة: من الاُمور المانعة عن تمکّن الشرع من ذلک؛ لزوم الاختلال فی النظام، وهو غیر جائز عقلاً وشرعاً؛ ضرورة أنّ المنع عن العمل بالظواهر وأخبار الآحاد، یکفی لتعطیل الاُمور والأسواق، فیکون الإسلام دین الهرج والمرج، ودین الوحشیّة والبربریّة، ولازم ذلک نقض غرضه؛ وهو التوسّع فی البلاد، ونشر المعارف والأحکام. وأنت خبیر بقلّة العلم، وندرة حصول الیقین بالأحکام، وممنوعیّة الاحتیاط التامّ؛ لرجوعها إلیٰ ما ذکرناه.
فإذا قیس الردع عن هذه الأمارات إلیٰ ماهو المقصود فیالشرع؛ والمأمول للشریعة، وأنّ هذه الاُمور ممّا لایخضع لها الشرع بالضرورة، یلزم منه امتناع وصوله إلی الردع عنها، وهذا هو الخلف الممنوع قطعاً.
وإن شئت قلت : المنع عنها یستلزم القبیح، وهو ممتنع علیه تعالیٰ، فیمتنع الردع عنها. وهذا بعینه مثل الردع عن القطع.
وتوهّم: أنّ الردع عن حجّیة القطع ممتنع بذاته؛ لأنّ الحجّیة ذاتیّة له، فاسد؛
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 261
لما مرّ فی مباحثه من تفصیله، فراجع.
ومنها: أنّ الردع عنها لایعقل إلاّ بالأدلّة الوضعیّة، وبالدلالات العقلائیّة التی تعدّ من الظواهر، ولایتمکّن من إیصال الردع إلاّ بوسائط، ولایعقل أن یعتبر تعدّد الواسطة وأن یعتبر البیّنة، إلاّ بالظواهر التی یرید المنع عن العمل بها.
فبالجملة تحصّل: أنّ المنع والردع غیر ممکن أن یصل إلیه، فإذن لا معنیٰ للشکّ فی حجّیة الأمارات العقلائیّة حتّیٰ نحتاج إلی الأدلّة الخاصّة.
وأمّا القول بالتبعیض فی باب تحصیل العلم، وبالتبعیض فی الاحتیاط أیضاً، فغیر راجع إلیٰ محصّل؛ لأنّ ذلک ممّا لایمکن إلاّ بالوسائط والظواهر العقلائیّة؛ لأنّ إیصال الأحکام لایمکن إلاّ بذلک، فإنّه بالإیصال یمکن الاحتیاط بعضاً أو تماماً.
فتحصّل : أنّ الردع عن القطع لو استلزم الامتناع الذاتیّ والردع عنها، یستلزم الامتناع الوقوعیّ ، بل الذاتیّ، ولکنّهما مشترکان فی الامتناع الغیریّ. هذا علیٰ مسلک القوم.
وأمّا علیٰ ماسلکناه من إمکان الردع فی الجملة، فیکون القطع مثلها فیهذه المرحلة أیضاً.
أقول : الذی لاشبهة فیه هو حجّیة الخبر والظاهر فی الجملة، والردع عنها علی الإطلاق حتّیٰ ولو لم یستلزم الامتناع، ولکنّه یستلزم ما لایجوز للشرع الالتزام به، بل قد یستلزم الامتناع؛ للزوم القبح علیه تعالیٰ، وهو ممتنع، وبناءً علیه یکون للشکّ فی الحجّیة محلّ؛ فإنّ مورد البحث هو حجّیة مطلق خبر الثقة، وهکذا فی باب الظواهر، من غیر تقید بحصول الوثوق الشخصیّ منها ومن الظواهر، وهذا المقدار کافٍ للحاجة إلیٰ تنقیح الأصل فی المسألة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 262
وتوهّم لزوم الاختلال ، أو عدم تمکّن المولیٰ من إیصال الردع حتّیٰ بالنسبة إلیٰ مطلق الخبر والظاهر، غیر واقع فی محلّه.
فما حکی عن بعض الأصحاب فی قبال ابن قبة: من وجوب التعبّد، إن کان یرجع إلی الوجوب فی الجملة فحسن، وأمّا لو رجع إلیٰ وجوب التعبّد بمطلق خبر الثقة وسائر الأمارات العقلائیّة، فلایتمّ.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 263