المقصد الثامن فی الظنّ

المقام الأوّل : حول تمکّن الشارع من الردع عن الأمارات وعدمه

المقام الأوّل : حول تمکّن الشارع من الردع عن الأمارات وعدمه

‏ ‏

‏هل الشرع یتمکّن من أن یردع عن الطرق والأمارات، وهل یعقل ذلک؟‏

‏أم أنّه کما لا یعقل الردع عن القطع؛ للزوم المحاذیر المذکورة فی محلّه من‏‎ ‎‏الخلف وغیره‏‎[1]‎‏، کذلک لایعقل الردع عن الطرق والأمارات العقلائیّة، فلایبقیٰ مورد‏‎ ‎‏للشکّ فی الحجّیة، بل تصیر جمیع الطرق والأمارات العقلائیّة الشائعة حجّة قطعیّة،‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 260
‏ولا أصل حتّیٰ یحتاج فی الخروج عنه إلی الأدلّة الخاصّة؟‏

‏نعم، مالایکون طریقاً عقلائیّاً کالقیاس، أو لایکون طریقاً شائعاً کالجفر‏‎ ‎‏والرمل والحساب،یمکن الردع عنه، لعدم ترتّب المفاسد علیه.‏

وبالجملة:‏ لابدّ من الإشارة إلیٰ بعض المفاسد المترتّبة علی الردع عنها‏‎ ‎‏المنتهی إلیٰ امتناعه بالغیر.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّ تبدیل عنوان «الإمکان» إلیٰ «التمکّن» هنا؛ للإشارة إلیٰ أنّ‏‎ ‎‏هذه المادّة، لیست من الموادّ الثلاث المعتبرة فی المنطق والعلوم العقلیّة، ولذلک تریٰ‏‎ ‎‏صحّة درج المسألة فی حدود القدرة، فاغتنم.‏

فبالجملة:‏ من الاُمور المانعة عن تمکّن الشرع من ذلک؛ لزوم الاختلال فی‏‎ ‎‏النظام، وهو غیر جائز عقلاً وشرعاً؛ ضرورة أنّ المنع عن العمل بالظواهر وأخبار‏‎ ‎‏الآحاد، یکفی لتعطیل الاُمور والأسواق، فیکون الإسلام دین الهرج والمرج، ودین‏‎ ‎‏الوحشیّة والبربریّة، ولازم ذلک نقض غرضه؛ وهو التوسّع فی البلاد، ونشر المعارف‏‎ ‎‏والأحکام. وأنت خبیر بقلّة العلم، وندرة حصول الیقین بالأحکام، وممنوعیّة‏‎ ‎‏الاحتیاط التامّ؛ لرجوعها إلیٰ ما ذکرناه.‏

‏فإذا قیس الردع عن هذه الأمارات إلیٰ ماهو المقصود فیالشرع؛ والمأمول‏‎ ‎‏للشریعة، وأنّ هذه الاُمور ممّا لایخضع لها الشرع بالضرورة، یلزم منه امتناع وصوله‏‎ ‎‏إلی الردع عنها، وهذا هو الخلف الممنوع قطعاً.‏

وإن شئت قلت :‏ المنع عنها یستلزم القبیح، وهو ممتنع علیه تعالیٰ، فیمتنع‏‎ ‎‏الردع عنها. وهذا بعینه مثل الردع عن القطع.‏

وتوهّم:‏ أنّ الردع عن حجّیة القطع ممتنع بذاته؛ لأنّ الحجّیة ذاتیّة له، فاسد؛‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 261
‏لما مرّ فی مباحثه من تفصیله‏‎[2]‎‏، فراجع.‏

ومنها:‏ أنّ الردع عنها لایعقل إلاّ بالأدلّة الوضعیّة، وبالدلالات العقلائیّة التی‏‎ ‎‏تعدّ من الظواهر، ولایتمکّن من إیصال الردع إلاّ بوسائط، ولایعقل أن یعتبر تعدّد‏‎ ‎‏الواسطة وأن یعتبر البیّنة، إلاّ بالظواهر التی یرید المنع عن العمل بها.‏

فبالجملة تحصّل:‏ أنّ المنع والردع غیر ممکن أن یصل إلیه، فإذن لا معنیٰ‏‎ ‎‏للشکّ فی حجّیة الأمارات العقلائیّة حتّیٰ نحتاج إلی الأدلّة الخاصّة.‏

‏وأمّا القول بالتبعیض فی باب تحصیل العلم، وبالتبعیض فی الاحتیاط أیضاً،‏‎ ‎‏فغیر راجع إلیٰ محصّل؛ لأنّ ذلک ممّا لایمکن إلاّ بالوسائط والظواهر العقلائیّة؛ لأنّ‏‎ ‎‏إیصال الأحکام لایمکن إلاّ بذلک، فإنّه بالإیصال یمکن الاحتیاط بعضاً أو تماماً.‏

فتحصّل :‏ أنّ الردع عن القطع لو استلزم الامتناع الذاتیّ والردع عنها، یستلزم‏‎ ‎‏الامتناع الوقوعیّ ، بل الذاتیّ، ولکنّهما مشترکان فی الامتناع الغیریّ. هذا علیٰ‏‎ ‎‏مسلک القوم.‏

‏وأمّا علیٰ ماسلکناه من إمکان الردع فی الجملة، فیکون القطع مثلها فیهذه‏‎ ‎‏المرحلة أیضاً.‏

أقول :‏ الذی لاشبهة فیه هو حجّیة الخبر والظاهر فی الجملة، والردع عنها‏‎ ‎‏علی الإطلاق حتّیٰ ولو لم یستلزم الامتناع، ولکنّه یستلزم ما لایجوز للشرع‏‎ ‎‏الالتزام به، بل قد یستلزم الامتناع؛ للزوم القبح علیه تعالیٰ، وهو ممتنع، وبناءً علیه‏‎ ‎‏یکون للشکّ فی الحجّیة محلّ؛ فإنّ مورد البحث هو حجّیة مطلق خبر الثقة، وهکذا‏‎ ‎‏فی باب الظواهر، من غیر تقید بحصول الوثوق الشخصیّ منها ومن الظواهر، وهذا‏‎ ‎‏المقدار کافٍ للحاجة إلیٰ تنقیح الأصل فی المسألة.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 262
‏وتوهّم لزوم الاختلال ، أو عدم تمکّن المولیٰ من إیصال الردع حتّیٰ بالنسبة‏‎ ‎‏إلیٰ مطلق الخبر والظاهر، غیر واقع فی محلّه.‏

‏فما حکی عن بعض الأصحاب فی قبال ابن قبة: من وجوب التعبّد‏‎[3]‎‏، إن کان‏‎ ‎‏یرجع إلی الوجوب فی الجملة فحسن، وأمّا لو رجع إلیٰ وجوب التعبّد بمطلق خبر‏‎ ‎‏الثقة وسائر الأمارات العقلائیّة، فلایتمّ.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 263

  • )) تقدّم فی الصفحة 26 ـ 29 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 26 ـ 27 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 433 / السطر 8 .