المقصد الثامن فی الظنّ

حکم الآثار بالنسبة إلی الأمارة مشکوکة الاعتبار

حکم الآثار بالنسبة إلی الأمارة مشکوکة الاعتبار

‏ ‏

‏إذا تحصّلت هذه المسألة، فلتکن علیٰ ذکر بالنسبة إلیٰ ماهو المقصود: وهو‏‎ ‎‏أنّ هذه الآثار هل هی منتفیة عن الأمارة المشکوک اعتبارها، أم لا، أو الأمارة‏‎ ‎‏المقطوع عدم اعتبارها؛ بناءً علی القول: بأنّ الشکّ فیها یرجع إلی القطع بعدمها؟‏

فنقول :‏ أمّا الآثار العقلائیّة کالتعذیر والتنجیز، فواضح انتفاؤها. وأمّا الإفتاء‏‎ ‎‏والإخبار والإسناد، فغیر واضح؛ وذلک لأنّه یرجع إلی الشبهة الموضوعیّة، الجاریة‏‎ ‎‏فیها اُصول الحلّ والبراءة، ضرورة أنّ احتمال کون الإفتاء المزبور، مطابقاً للواقع،‏‎ ‎‏واحتمالَ کون الإخبار صادقاً موجود.‏

‏وأمّا حرمة التعبّد عملاً بمؤدّاها؛ علیٰ وجه لایکون من الإتیان الرجائیّ‏‎ ‎‏والاحتیاط، فهی أیضاً واضحة؛ لأنّه من التشریع والابتداع، ضرورة أنّ ماهو‏‎ ‎‏المقصود من «التشریع» لیس عقد القلب علیٰ ما لایعتقد، أو علیٰ ما یعتقد خلافه،‏‎ ‎‏فإنّه غیر معقول بالضرورة؛ فإنّ مع الشکّ القلبیّ الوجدانیّ، أو مع العلم بعدم کونه من‏‎ ‎‏الشرع، لایتمکّن من عقد القلب والاعتقاد بأنّه من الشرع.‏

‏نعم، یتمکّن من إبراز العمل علیٰ وجه یعتقد الآخرون أنّه یتدیّن به، ویرید‏‎ ‎‏بذلک العمل إفادة أنّه متدیّن به، وهذا هو المحرّم من التشریع العملیّ.‏

‏ومن هنا یظهر وجه إمکان تحریم الإفتاء فی مورد الحجّة المشکوک فیها؛‏‎ ‎‏لأنّه من التشریع بهذا المعنیٰ، وهو من التقوّل بغیر علم، المستدلّ علیه بالکتاب،‏‎ ‎‏والسنّة، والعقل ، والإجماع‏‎[1]‎‏.‏

‏وأمّا الإسناد إلیه تعالیٰ، أو إلیٰ أحد المعصومین ‏‏علیهم السلام‏‏ فی غیر الاُمور‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 271
‏التشریعیّة والأخبار، فتحریمهما مشکل جدّاً، وتفصیله فی کتاب الصوم‏‎[2]‎‏، وفی‏‎ ‎‏المکاسب المحرّمة‏‎[3]‎‏.‏

وإجمال المناقشة:‏ أنّ الصدق والکذب مطابقة الکلام للواقع وعدمها، وفی‏‎ ‎‏صورة الشکّ تجری البراءة، کسائر الشبهات الموضوعیّة. والقول بغیر علم ولو کان‏‎ ‎‏حراماً، ولکنّه ـ کما عرفت ـ لیس إلاّ التشریع والابتداع، دون الاُمور العادیّة، فما‏‎ ‎‏فی «تهذیب الاُصول» من إیهام العموم‏‎[4]‎‏، غیر تامّ، والله العالم.‏

إن قلت : ‏الإسناد والإخبار، یلازم الإفتاء فیما هو المهمّ بالبحث فی المقام،‏‎ ‎‏فلو حرم الإفتاء لأجل أنّه من القول بغیر العلم، یحرم العنوانان الآخران.‏

قلت :‏ یکفی لعدم تمامیّة ما عندهم التفکیک بین الآثار فی غیر ما هو المهمّ‏‎ ‎‏بالبحث. هذا مع أنّ فی المسائل الشرعیّة، یتصوّر الإخبار والإسناد من غیر أن‏‎ ‎‏یکونا إفتاءً؛ فإنّ العامّی ربّما یسند إلیٰ الله تعالیٰ، ولایعدّ ذلک إفتاءً، ویخبر عن‏‎ ‎‏حرمة شرب التبغ بمجرّد السماع من العامّی الآخر، من غیر کونه أیضاً إفتاءً،‏‎ ‎‏فالإفتاء إمّا إنشاء، أو إخبار خاصّ، کما لایخفیٰ.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 272

  • )) عوائد الأیّام : 319 ـ 325 .
  • )) تحریرات فی الفقه ، الصوم : 211 ـ 212 .
  • )) المکاسب المحرّمة من تحریرات فی الفقه (مفقود) .
  • )) تهذیب الاُصول 2 : 85 ـ 86 .