لزوم البحث عن حجّیة الظهور بعد حصول المراحل الثلاث السابقة
إذا عرفت هذه المراحل الثلاث، وانعقد للکلام الواصل ظهور، تصل نوبة البحث عن حجّیته.
وتوهّم: أنّه لا معنیٰ للبحث عن الحجّیة بعد ذلک؛ لأنّها حینئذ لابدّ وأن تکون قطعیّة وضروریّة، فی غیر محله، لأنّ ثبوت الظهور لا یلازم الحجّیة؛ لامکان ردع الشرع، فیکون ما هو الظاهر عند العقلاء، غیرَ حجّة شرعاً.
وبعبارة اُخریٰ: البحث الاُصولیّ هو البحث عن حجّیة الظواهر، فلابدّ هناک من ظاهر حتّیٰ یقع محطّ البحث، والظهور صفة لا تنعقد للکلام إلاّ بعد جریان
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 311
الاُصول المزبورة، ومجرّد کون الاستعمال فی الموضوع له، لا یلازم کون الکلام ظاهراً، فلابدّ من جریان أصالة الجدّ حتّیٰ یقال: «إنّ الکلام ظاهر» مثلاً، أو لابدّ من أن یصلح الکلام لإرادة المعنیٰ منه جدّاً؛ حتّیٰ یوصف بالظهور، وبعد ذلک یقع البحث عن حجّیته.
فما فی تقریرات العلاّمة النائینیّ: من التصریح بخلاف ذلک، بل وکذلک فی «تهذیب الاُصول»: «من أنّ المقصود بالبحث هو إثبات تطابق المرادین، وإثبات الاتحاد بین الإرادتین فی هذا المقام، وهو مقام الباحث الاُصولیّ» غیر صحیح؛ لأنّ بحث الاُصولیّ بحث کبرویّ بعد الفراغ من الظاهر؛ وتوصیف الکلام به، لا صغرویّ، کما لا یخفیٰ.
وعلیٰ هذا، تـتوجّه الشبهة المذکورة، وتندفع: بأنّ ما هو الظاهر بعد جریان الاُصول المزبورة، یلازم الحجّیة العقلائیّة، ولا یمکن أن یقع محطّ النقض والإبرام عند العقلاء، وتوصیف الکلام بالظهور یوجب إنتهاء البحث إلی الاعتراف بالحجّیة. ولکنّه غیر کافٍ؛ لأنّ ما هو الحجّة عرفاً یمکن أن لا یکون حجّة شرعاً؛ لإمکان الردع وعدم الإمضاء.
إن قلت: بناءً علیه تکون المسألة کبرویّة.
قلت: إذا قام من الشرع دلیل علیٰ عدم الحجّیة، فهو فی حکم القرینة علیٰ عدم اتحاد المرادین، فیلزم عدم حصول الصغریٰ. هذا بالنسبة إلیٰ ظواهر الکتاب والسنّة.
وأمّا بالنسبة إلیٰ مطلق الظواهر، فقد عرفت: أنّ الظهور المنعقد یلازم
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 312
الحجّیة، فإنکارها لا یمکن عند العقلاء إلاّ بإنکار الصغریٰ، فاغتنم.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 313