تتمیم الکلام وتوضیح المرام
وأمّا دعوی العلم الإجمالیّ بوجود المتشابه.
ففیها أوّلاً: أنّ المتشابه ربّما تکون الآیات المشتملة علیٰ تشبیه الاُمور العقلیّة بالاُمور الحسّیة، کآیة النور: «فَأمَّا الَّذِینَ فِی قُلُوبِهِمْ زَیْغٌ فَیَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاءَ الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاءَ تَأْوِیلِهِ وَمَا یَعْلَمُ تَأْوِیلَهُ إلاّ الله ُ وَالرّاسِخُونَ فِی الْعِلْمِ یَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ کُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنَا».
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 331
فإنّه یعلم منها: أنّ المتشابهات مستمسک أهل الفتنة، دون أهل الفهم والعلم والمعارف والمحقّقین مثلاً، وبقیّة الکلام فی محلّ آخر. وهذا لا ینافی الحاجة فی المتشابه وغیره إلیٰ أئمّة الحقّ علیهم صلوات الله ؛ لأنّ القرآن ذو مراتب عالیة.
وثانیاً: أنّ التمسّک بوجود المتشابه أخذاً بالظاهر، غیر جائز؛ لاحتمال کونه من المتشابه، فلابدّ من وجود جماعة من الآیات مجملة، کما لا یخفیٰ.
وثالثاً: أنّ وجود المجملات یضرّ فیما مرّ أخیراً فی التحریف، وفی صورة العلم التفصیلیّ بکونها من المتّصل بالآیات المبیّنة یقیناً تفصیلیّاً، أو إجمالیّاً علی الوجه المحرّر آنفاً.
وبالجملة: إنّ وجود طائفة من الآیات مجملة، معناه لیس الإجمال بحسب المفاهیم اللغویّة والاستعمال؛ لأنّ الإجمال صفة الکلام، وهی لا تحصل بالتعبّد وبالروایة؛ لأنّه أمر خارج عن قدرة التشریع، فعلیه یکون المقصود من «الإجمال» عدم إمکان کشف المراد، وهذا لا یمکن إلاّ بدعوی التحریف علی الوجهین المزبورین، وقد مرّ فساده، فلا تخلط.
رابعاً: لو کان وجود العلم بالنقیصة فیما مرّ فی مسألة التحریف، ووجود العلم الإجمالیّ بالمجملات مضرّاً، لکان ذلک مضرّاً بالأحادیث أیضاً، فتسقط الأحادیث کلّها عن الحجّیة، ولاسیّما بعد ورود أنّها «صعب مستصعب» وأنّها مثل الآیات من هذه الجهة، فلا تخلط.
وأمّا دعوی العلم الإجمالیّ بوجود المخصّصات والمقیّدات، فهی واضحة سریانها فی الأخبار؛ وأنّها لا تضرّ بالحجّیة.
وأمّا توهّم: أنّ العلم الإجمالیّ المزبور یوجب الفحص، لا سقوط الحجّیة، کما فی کلام جمع من الاُصولیّین، فهو فاسد؛ لأنّ الفحص لازم ولو لم نعلم إجمالاً
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 332
بها، کما لا یخفیٰ.
وغیر خفیّ: أنّه لا حاجة إلیٰ انحلال العلم المزبور؛ لأنّه لو کان منحلاًّ لا یسقط إخلاله بالانحلال، لأنّ منشأ إخلاله لیس تنجیزه، کما مرّ تحقیقه.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 333