تذیـیل : حول الشهرة العملیة
قد ذکرنا: أنّ من الشهرة ما تسمّیٰ «بالشهرة العملیّة» والمراد منها ما تکون من الشهرة الفتوائیّة المستندة إلی الروایة غیر المسندة. وقد اختار سیّدنا الاُستاذ البروجردی قدس سره أنّ من تلک الشهرة، صورةَ توافق الفتوی المشهورة مع الروایة الموجودة ولو لم تکن مستندة إلیها، فإنّها أیضاً من الشهرة العملیّة.
وغیر خفیّ: أنّ الشهرة العملیّة هی الشهرة الفتوائیّة، مع کونها مستندة إلیٰ ما هو سندها، ولا یحتمل فی حقّهم استنادهم إلیٰ أمر آخر، کاشتهار الحکم بین مشایخهم، ووصوله إلیهم، فعلیٰ هذا یقع البحث فی أنّ تلک الشهرة، توجب انجبار السند؛ وجبر ضعف الخبر المشهور أحیاناً فی سنده، أم لا؟
ثمّ تارة: لا یکون فی قبال الشهرة المذکورة أخبار صحیحة اُخریٰ.
واُخریٰ: توجد الصحاح.
فهل فی صورة قیام الشهرة العملیّة الجابرة لضعف الروایة المستند إلیها، یلزم کسر سند تلک الأخبار، ووهن حجّیة تلک الصحاح حتّیٰ تکون الشهرة العملیّة جابرة لتلک الروایة، وکاسرة للأخبار المقابلة، أم لا؛ فتکون الشهرة العملیّة جابرة فقط، ولیست کاسرة؟
ثمّ إنّه هل تثبت الملازمة بین کون الشهرة العملیّة کاسرة، وبین کاسریّة الشهرة الفتوائیّة، أم لا، فیمکن التفکیک بأن لا تکون الشهرة العملیّة کاسرة، دون العکس؟ وأمّا لو کانت الشهرة العملیّة کاسرة، فالفتوائیّة أولیٰ بها.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 388
إذا تبیّنت جهات البحث الکبرویّ، نقول قبل الخوض فیها: إنّه ربّما یقال: إنّ حجّیة الشهرة الفتوائیّة، تستلزم کاسریّة الشهرة وجابریّتها، وبعد الفراغ من حجّیتها، لا وجه للبحث عن الجابریّة والکاسریّة فی المقام، کما إذا قلنا بعدم حجّیة الشهرة الفتوائیّة، فلا معنیٰ لاحتمال کونها جابرة أو کاسرة.
أقول: أمّا الدعویٰ الاُولیٰ: وهی أنّ مقتضیٰ حجّیة الشهرة الفتوائیّة، جابریّة الشهرة العملیّة، فهی ممنوعة؛ ضرورة أنّ الشهرة الفتوائیّة، تکشف أحیاناً عن اشتهار الحکم، فلا سند هناک حتّیٰ یحتاج إلی الجبر، بخلاف الشهرة العملیّة، فالملازمة قابلة للمنع.
وأمّا الدعوی الثانیة: فهی أیضاً قابلة للمنع؛ لأنّ لمنع کاشفیّة الشهرة عن اشتهار الحکم، وجهاً کما مرّ؛ لأنّ الحکم المفتیٰ به عند المشهور، لیس ممّا یصحّ اشتهاره بین الأصحاب الأوّلین، وأمّا الشهرة الفتوائیة العملیّة، فتوجب الوثوق بأنّ القدماء مع کثرتهم، لا یمکن الالتزام بخطئهم فی السند، بعد بنائهم علی العمل بالأسانید المعتبرة، فمع اختلاف مشاربهم فیه إذا کانوا عاملین بسند، یحصل الوثوق به عند العقلاء، فیکون جابراً، من غیر أن تکون حجّة إذا کانت فتوائیّة، فالملازمة ممنوعة من الطرفین.
بقی الکلام فیما هو المهمّ بالبحث فی ضمن مسائل:
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 389