تذنیب : فی حکم الشکّ فی تحقق الإعراض
فی موارد الشکّ فی الجبران، لا یترتّب الأثر علی السنّة المشکوکة بلا کلام، وإنّما البحث فی مورد الشکّ فی الإعراض، فإنّ مقتضی القواعد حجّیة الأخبار بعد تمامیّة جهاتها، إلاّ إذا توجّه إلیها الوهن الخارجیّ بالإعراض.
وربّما یقال: بأنّ بناء العقلاء مقیّد من الأوّل بعدم الإعراض عن الخبر، فما هو الحجّة هی الروایة غیر المعرض عنها، وعندئذٍ لابدّ من إحراز قیدها، وإذا شکّ فی الإعراض یشکّ فی تحقّق ما هو موضوع بنائهم.
ولو قیل: إنّ ما نحن فیه من قبیل الشکّ فی التخصیص؛ ضرورة أنّ العامّ حجّة، ولا تسقط حجّیته فی مورد الشکّ فی التخصیص، والمخصّص ولو کان موهناً بالنسبة إلی العامّ، ولکنّ العامّ لیس مقیّدةً حجّیته بعدم وجود المخصّص ثبوتاً بالضرورة، ولذلک یکون بناء الأصحاب والعقلاء علی التمسّک به عند الشکّ فیه.
قلنا: فرق بین الحجّة اللفظیّة، والحجّة اللبّیة؛ فإنّ العامّ حجّة لفظیّة، وتکون العمومات بألفاظها دالّة علیٰ معانیها، ومقتضیٰ أصالة الجدّ هو التطابق بین المرادات الاستعمالیّة والجدّیة، إلاّ إذا اُحرز الدلیل علیٰ خلافه.
وأمّا فیما نحن فیه؛ وهی حجّیة خبر الواحد القائم علیها بناء العقلاء، فلا أصل أوّلی من العقلاء علیٰ حجّیة خبر الواحد، ثمّ الأصل الآخر علیٰ عدم حجّیة الخبر المعرض عنه، حتّیٰ یتمسّک بالأصل الأوّلی عند الشکّ، بل البناءات العقلائیّة من الأوّل إمّا مطلقة، أو مقیّدة، وحیث إنّ الخبر المعرض عنه لیس بحجّة، فالموضوع لحجّیة الخبر من الأوّل مقیّد؛ وهو الخبر غیر المعرض عنه، فلابدّ من إحرازه حتّیٰ تثبت حجّیته.
نعم، إذا صدّقنا وجود الأخبار والأدلّة اللفظیّة علیٰ حجّیة الخبر الواحد
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 400
ـ بحیث یکون لها الإطلاق القابل للاعتماد علیه ـ یکون الإطلاق متّبعاً حتّیٰ یثبت الوهن؛ بناءً علیٰ جوازالتمسّک بالعامّ فیالشبهات المصداقیّة، وهکذا بالإطلاق فیها.
اللهمّ إلاّ أن یقال: بأنّ المخصّص حیث یکون لبّیاً من اللبّیات العقلائیّة المحفوف بها الإطلاق والعموم، لا یجوز التمسّک بالعامّ والمطلق؛ لأنّها فی حکم القرائن المتّصلة المانعة عن إنعقاد الظهور.
أو یقال: إنّها وإن کانت من تلک اللبّیات، إلاّ أنّها من المختفیات علی العقلاء، ولیست من المرتکزات الواضحة المانعة عن عقد ظهورها، فیکون الوهن الحاصل من الإعراض مضرّاً بالحجّیة، إلاّ أنّه مغفول عنه نوعاً وعادة، فلا ینافیه عقد الظهور، فإذا جاز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیّة للمخصّص اللبّی فی مورد، جاز هنا.
کما یمکن دعویٰ: أنّ مقتضی المقبولة والمرفوعة، عدم حجّیة المعرض عنها، فیکون التخصیص أو التقیید لفظیّاً، وهذا یوجب انقلاب الحجّیة، لأنّه بالنظر إلیٰ لبّیته یجوز التمسّک علی المشهور، وبالنظر إلیٰ لفظیّته لا یجوز عندهم، فإن کان اللفظ إمضاءً فلا انقلاب، وإن کان تأسیساً ـ بمعناه المعتبر هنا وفی أمثال المقام ـ یکون الانقلاب قطعیّاً. وما هو المهمّ قصورهما عن ذلک، کما مرّ. مع أنّ عدم جواز التمسّک محلّ منع، فراجع.
نعم، ربّما یقال: بأنّ عدم جواز التمسّک بالمطلق فی الشبهة الموضوعیّة للمقیّد المسّماة بـ «الشبهة المصداقیّة» أمر مفروغ منه حتّیٰ فی المقیّدات اللبّیة، وما هو مورد الخلاف هی الشبهة المصداقیّة للعامّ الاُصولیّ، ففرق بین المطلقات
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 401
والعمومات. ولکنّه عندنا بمعزل عن التحقیق المحرّر فی محلّه.
فعلیه یتوقّف تصدیق المسألة علیٰ ثبوت المطلقات الشرعیّة الحاکیة عن إمضاء الشرع لخبر الثقة علی الإطلاق؛ بحیث یکون إطلاقه قابلاً للاعتماد علیه فی موارد الشکّ، نظیر ما إذا شکّ فی ید أنّها ید خائنة وغاصبة، فإنّ إطلاق: «من استولیٰ علیٰ شیء منه فهو له» معتمد علیه عند الشکّ؛ لأنّ المخصّص لبّی.
نعم، فی خصوص المثال یکون المخصّص اللبّی من الواضحات المحتفّ بها الکلام، المانعة عن انعقاد الظهور کما لا یخفیٰ، فتدبر جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 402