المقصد الثامن فی الظنّ

منع دلالة الآیة علیٰ حجّیة الخبر

منع دلالة الآیة علیٰ حجّیة الخبر

‏ ‏

اعلم:‏ أنّ مادّة «التبیّن» بمعنی الظهور والبروز، والهیئة متعدّیة، فیکون المعنیٰ:‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 452
‏أوضحوه وأبرزوه؛ أی أبرزوا الخبر والنبأ الجائی به الفاسق، أو بمعنیٰ تأمّلوه حتّیٰ‏‎ ‎‏یتّضح صدقه وکذبه، وأظهروا صدقه وکذبه. فعلیٰ هذا لو کان نبأ الفاسق واضح‏‎ ‎‏الصدق، فلا یجب التبیّن، ولا التأمّل، ولو تأمّلوه وفتّشوا عن صدقه وکذبه، ولم‏‎ ‎‏یتمکّنوا منه، لا یجوز اتباعه والعمل به.‏

فمنه یعلم:‏ أنّ الأمر بالتبیّن کنایة عن أمر آخر، ولیس هو من الواجب‏‎ ‎‏النفسیّ، ولا الشرطیّ، حتّیٰ یقال: بأنّ التبیّن والتأمّل بعنوانهما شرط‏‎[1]‎‏، بل الشرط‏‎ ‎‏هو وضوح صدق الخبر، أو صدق المخبر، فإنّه موجب لجواز العمل به، وأمّا التبیّن‏‎ ‎‏المنتهی إلی الکذب، فهو وإن کان من التبیّن والإیضاح عرفاً ولغة، ولکن لیس هو‏‎ ‎‏من العمل بالأمر؛ فیجوز العمل بالخبر، فإنّه باطل بالضرورة، فالجزاء جملة کنائیّة‏‎ ‎‏عن لزوم کون الخبر واضح الصدق، أو المخبر واضح الصدق.‏

وتوهّم:‏ أنّ الواجب هو الفحص عن القرائن القائمة علی الصدق فی ناحیة‏‎ ‎‏المنطوق، وتکفی العدالة للقرینیّة فی ناحیة المفهوم‏‎[2]‎‏، غیر صحیح؛ لأنّ التبیّن حتّیٰ‏‎ ‎‏باللغة والتفسیر هو الإیضاح والإبراز والإظهار، والضمیر یرجع إلی الخبر؛ أی تبیّنوه‏‎ ‎‏وأوضحوا صدقه.‏

‏فاحتمال کون المقصود، إیضاحَ صدق المخبر ولو لم یکن الخبر صادقاً؛ لأنّ‏‎ ‎‏صدق المخبر میزانه مطابقة الخبر للاعتقاد، وصدق الخبر میزانه مطابقة الخبر‏‎ ‎‏للواقع‏‎[3]‎‏، باطل. مع أنّ التفصیل المذکور غیر تامّ، ومحرّر فی محلّه‏‎[4]‎‏.‏

فتحصّل:‏ أنّ مفاد المنطوق هوالتبیّن وإیضاح الخبر صدقاً، وأنّه کنایة عن‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 453
‏لزوم الاطلاع علیٰ صدق الخبر، فلو جاء فاسق بنبأ، وکان معلوم الصدق، فلا‏‎ ‎‏وجوب؛ لأنّ النتیجة حاصلة، فالأمر بالتبیّن أمر بالمقدّمة الوجودیّة لحصول‏‎ ‎‏الشرط؛ وهو وضوح صدق الخبر.‏

وإن شئت قلت:‏ إنّ إیضاح الخبر صدقاً، واجب شرطیّ لجواز اتباعه، ویکون‏‎ ‎‏خبر الفاسق الواضح الصدق حجّةً.‏

‏فإذا کان النظر فی المنطوق إلیٰ حصول العلم والظهور صدقاً، ففی ناحیة‏‎ ‎‏المفهوم یشکل الأمر؛ لأنّ المقصود فی ناحیة المنطوق إذا کان العلم الشخصیّ‏‎ ‎‏بصدق خبر الفاسق؛ سواء کان من العلم المنطقیّ، أو کان علماً عادیّاً؛ وهو الوثوق‏‎ ‎‏والاطمئنان، فإنّه أیضاً إیضاح ووضوح عرفاً، وتبیّن لغةً، فلابدّ فی ناحیة المفهوم‏‎ ‎‏من کون النبأ الجائی به العادل، أیضاً متبیّناً من ناحیة کون المخبر عادلاً، فلا یثبت‏‎ ‎‏به شیء؛ لأنّ المدّعیٰ حجّیة خبر العادل؛ وإثبات کونه من الظنون النوعیّة المعتبرة.‏

إن قلت:‏ مقتضی المفهوم دعویٰ: أنّ خبر المخبر الفاسق واضح ومتبیّن؛ وأنّه‏‎ ‎‏ظاهر فی عالم الادعاء؛ سواء کان واضحاً شخصیّاً، أم لم یکن.‏

قلت:‏ هذا احتمال، وهنا احتمال اخر: وهو أنّ المتعارف بین العقلاء والناس،‏‎ ‎‏هو حصول الوثوق الشخصیّ من خبرالعادل، دون خبر الفاسق، ففی ناحیة المنطوق‏‎ ‎‏أوجب إیضاح صدقه، فی قبال ما هو المتعارف فی ناحیة المفهوم وخبر العادل.‏

‏هذا مع أنّ الالتزام بلزوم الوضوح الشخصیّ فی ناحیة خبر الفاسق دون خبر‏‎ ‎‏العادل، غیر موافق لمرام الکلّ؛ ضرورة أنّ خبر الفاسق القائمة علیٰ صدقه القرائن‏‎ ‎‏النوعیّة معتبر، فإذا فرضنا أنّ الآیة مثلاً، قائمة علیٰ إفادة شرط خاصّ فی ناحیة‏‎ ‎‏المنطوق وخبر الفاسق تعبّداً؛ علیٰ خلاف البناء العقلائیّ، فلا منع من هذا التعبّد فی‏‎ ‎‏ناحیة خبر العادل أیضاً، إلاّ أنّ إفادة ذلک بالمنطوق؛ للإشعار إلیٰ ما لا یکون‏‎ ‎‏حاصلاً نوعاً وعادةً، وإفادةَ هذا بالمفهوم للإشعار إلیٰ أنّه أمر حاصل نوعاً وعادةً.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 454
ولو قیل:‏ یکفی إیضاحه بالقرائن، وتکون العدالة فی ناحیة خبر العادل، من‏‎ ‎‏تلک القرائن‏‎[5]‎‏.‏

قلنا:‏ أنت ووجدانک، فهل تریٰ فی مورد قیام القرائن غیر المنتهیة إلی الظنّ،‏‎ ‎‏أو المجتمعة مع الظنّ الشخصیّ علیٰ خلافه: أنّ خبره واضح الصدق؟! کلاّ، فإذن لا‏‎ ‎‏تکفی العدالة.‏

وبالجملة تحصّل:‏ أنّه علی القول بالمفهوم، لا یثبت بها المدّعیٰ؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏لزوم کون خبر الفاسق، واضحَ الصدق فی ناحیة المنطوق، یقتضی أن لا یکون‏‎ ‎‏المعتبر إیضاح صدق خبر العادل لأجل أنّه واضح الصدق، وإلاّ لو کان النظر إلیٰ‏‎ ‎‏وضوح کذبه یلزم أسوئیّة حاله، فلابدّ من ضمّ المقدّمة الخارجیّة حتّیٰ علی القول:‏‎ ‎‏بأنّ الأمر هنا شرطیّ؛ لأنّ معنی الشرط هواشتراط کون خبر الفاسق واضح الصدق،‏‎ ‎‏وأمّا فی خبر العادل فلا یشترط لحجّیته وضوح الصدق؛ لعدم قابلیّته للحجّیة، وهذا‏‎ ‎‏هو معنی الأسوئیّة.‏

‏فإذا کان قابلاً بالضرورة، فلابدّ أن یرجع فی ناحیة المفهوم إلیٰ أنّ إیضاح‏‎ ‎‏الصدق غیر واجب؛ لوضوحه، فإن کان المفهوم معناه دعویٰ: أنّه واضح الصدق،‏‎ ‎‏فیثبت عموم المدّعیٰ بالضرورة.‏

‏وأمّا إذا کان مفاد المفهوم، إیکال الأمر إلی المتعارف الخارجیّ؛ وأنّه‏‎ ‎‏بحسب العادة واضح الصدق، فلا یحتاج إلی الإیضاح، فلا یثبت به عموم المدّعیٰ؛‏‎ ‎‏وهو حجّیة خبر العادل مثلاً، أو خبر غیر الفاسق؛ سواء کان واضح الصدق تکویناً،‏‎ ‎‏أم لم یکن.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّه علی التقریب المزبور لو کان للآیة مفهوم، یثبت ادّعاء الشرع‏‎ ‎‏أنّ خبر العادل علم؛ وواضح الصدق، ولیس ظنّاً، ولا ممنوع العمل؛ وذلک لأجل أنّ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 455
‏العرف ینتقل من المنطوق ـ وهو إیجاب إیضاح صدقه ـ إلیٰ أنّ المفهوم لا یجب‏‎ ‎‏إیضاحه؛ لأنّه واضح الصدق عند المتکلّم، فاغتنم.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 456

  • )) نهایة الاُصول: 490.
  • )) مصباح الاُصول 2: 171 ـ 172.
  • )) شروح التلخیص 1: 176.
  • )) لاحظ شروح التلخیص 1 : 176 ـ 181 .
  • )) مصباح الاُصول 2: 171 ـ 172.