المقصد الثامن فی الظنّ

بقی شیء : وهو إبطال علّیة الذیل وحذف الفعل

بقی شیء : وهو إبطال علّیة الذیل وحذف الفعل

‏ ‏

‏قد تبیّن من خلال ما ذکرناه؛ لوازم کون الجهالة بمعنی الجور والغلظة‏‎ ‎‏والخطأ، ولا یترتب علیها شیء یعتنیٰ به، والذی هو المهمّ بالبحث هو الخروج عن‏‎ ‎‏هذه الاحتمالات:‏

‏أمّا القول بالعلّیة‏‎[1]‎‏، فهو بلا وجه جدّاً؛ لعدم الدلیل علیها إثباتاً إلاّ المناسبة،‏‎ ‎‏وهی أعمّ من کونه علّة، أو حکمة.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 466
‏وأمّا القول بأنّ المحذوف هو الفعل، فیکون الذیل مورد الأمر الآخر‏‎ ‎‏المولویّ، فهو أیضاً مجرّد الاحتمال المساعد علیه الذوق أحیاناً، ولیس ذلک‏‎ ‎‏موجباً لأن یؤخذ به.‏

‏فبقی أن یکون الذیل حکمة لأصل الأمر بالتبیّن بالنظر إلی الجهات الغالبیّة‏‎ ‎‏النوعیّة، کما عرفت فی المثال السابق، فإنّ الأمر بالحجّ علیٰ تقدیر الاستطاعة،‏‎ ‎‏معلول تلک الاستطاعة؛ حسب العلّیة الواقعیّة، وأمّا کون وجوب الحجّ سیاسة للاُمّة،‏‎ ‎‏فهو من الحِکم والعلل لأصل التشریع علی النحو المزبور.‏

‏فإیجاب التبیّن عقیب خبر الفاسق عامّ اُصولیّ، أو إطلاق انحلالیّ عرفیّ،‏‎ ‎‏ولازم علیٰ کلّ أحد؛ لعلّیة الفسق، ولکن أصل إیجابه إجمالاً معلول الأمر الآخر:‏‎ ‎‏وهو ملاحظة کثرة الخطأ فی هذه الناحیة، وقلّة الجهالة فی الناحیة الاُخریٰ: وهی‏‎ ‎‏خبر العدل، وهذا لا ینافی عدم وجوب التبیّن فی مورد خبر العدل، ولو کان شخصاً‏‎ ‎‏مورد الجهالة والإصابة.‏

‏ویؤیّد أنّ القول بالتعلیل علیل، لزومُ بعض الإشکالات علیٰ بعض التقادیر،‏‎ ‎‏بوجه لا یمکن دفعها، بل یلزم إشکال علیٰ کلّ تقدیر ـ سواء قلنا: بأنّ الجهالة هی‏‎ ‎‏السفاهة‏‎[2]‎‏، أم هی ضدّ العلم‏‎[3]‎‏ـ وهو خروج الأنباء المهتمّ بها. وأمّا علی القول: بأنّ‏‎ ‎‏الذیل لیس تعلیلاً اصطلاحیّاً‏‎[4]‎‏، فلا محذور فی الآیة بحسب المفهوم ومفاد الذیل.‏

وغیر خفیّ:‏ أنّه علیٰ تقدیر التنازل عمّا ذکرناه؛ والالتزام بالعلّیة، فالأظهر أنّ‏‎ ‎


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 467
‏«الجهالة» حیث تکون فی الکتاب فهی السفاهة.‏

وإن شئت قلت:‏ لیست الجهالة إلاّ ضدّ العلم بالنسبة إلیٰ عواقب الاُمور‏‎ ‎‏وتبعات الأفاعیل، أو بالنسبة إلیٰ نفس الفعل والعمل، ولیس ما اشتهر من تعدّد‏‎ ‎‏المعنیٰ للجهالة، فی محلّه، وإنّما الاختلاف فی موارد الجهل، فإن کان الجهل‏‎ ‎‏بأصل الفعل، فهی ضدّ العلم، وإن کان الجهل بآثار الفعل وعواقبه، فإذا اُقدم علیه‏‎ ‎‏یکون من السفاهة.‏

فعلیٰ کلّ تقدیر:‏ هی ضدّ العلم. وأمّا ما هو المراد هنا فهو الجاهل لعواقب‏‎ ‎‏التبعیّة لخبر الفاسق.‏

‏ویؤیّد کون المراد منها لیس الجهل : أنّها استعملت فی أربع آیات:‏

فمنها:‏ قوله تعالیٰ: ‏‏«‏أنَّهُ مَنْ عَمِلَ مِنْکُمْ سُوءً بِجَهَالَةٍ ثُمَّ تَابَ مِنْ بَعْدِهِ‎ ‎وَأصْلَحَ فَأنَّهُ غَفُورٌ رَحِیمٌ‏»‏‎[5]‎‏.‏

‏والآیة الثانیة مثلها‏‎[6]‎‏.‏

‏والثالثة: ‏‏«‏إنّمَا التَّوْبَةُ عَلَیٰ الله ِ لِلَّذِینَ یَعْمَلُونَ السُّوءَ بِجَهَالَةٍ‏»‏‎[7]‎‏.‏

‏ولا معنیٰ للتوبة فی مورد الجهل، فإنّ الجاهل معذور عقلاً وشرعاً، ولا یجب‏‎ ‎‏علیه التوبة والإصلاح، فیعلم منه أنّ الجهالة هی السفاهة، وهی المناسبة للحکم‏‎ ‎‏والموضوع، ولا معنیٰ للمخاطبة مع الجاهلین إذا کانوا غیر ملتفتین، بخلاف العالم‏‎ ‎‏بالقضیّة، والجاهل بتبعات العمل.‏

‏ویؤیّد ذلک قوله تعالیٰ: ‏‏«‏فَتُصْبِحُوا عَلَیٰ مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِینَ‏»‏‎[8]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 468
فبالجملة:‏ الملامة علیٰ أصل تبعیّة المؤمنین لخبر الفسّاق، والندامة بالنسبة‏‎ ‎‏إلیٰ ما یصبحون علیه أحیاناً عند التخلّف.‏

‏وممّا یؤیّد أنّ الذیل حِکمة تشریع: أنّ فی تبعیّة خبر الفاسق، لا یلزم الندامة‏‎ ‎‏علیٰ وجه عامّ؛ لإمکان اتفاق صدق خبره، فإذا کان الإصباح حکمة لا علّة،‏‎ ‎‏فالإصابة مثله.‏

‏ولعمری، إنّ الذیل حکمة بلا شبهة، وعلیه لا فرق فی کون الجهالة منعاً‏‎ ‎‏خاصّاً. وأمّا إذا کانت علّة، فالتـتبّع فی الآثار والدقّة فی خصوصیّات الآیة، تعطی‏‎ ‎‏جزماً أنّ المراد هو عدم العلم بتبعات خبر الفاسق.‏

‏ومن هنا یندفع الإشکال عن الآیة الشریفة: وهو أنّ المکلف إمّا أن یکون‏‎ ‎‏عالماً بخبر الفاسق، أو جاهلاً، فإن کان عالماً فلا مورد للذیل، وإن کان جاهلاً فلا‏‎ ‎‏مورد للصدر. فیعلم منه أنّه عالم بخبر الفاسق، وجاهل بعاقبة خبره وآثار نبئه عند‏‎ ‎‏التبعیّة والعمل به.‏

وبالجملة:‏ الجهالة ولو کانت مشترکة لفظیّة بین ضدّ العلم والسفاهة، ولا‏‎ ‎‏یعقل فرض الاشتراک اللغویّ بینهما؛ بناءً علیٰ کونها من أوصاف الأفعال، ولا تکون‏‎ ‎‏من الصفات المحضة، ولکنّها هنا بمعنی السفاهة ظاهراً؛ للقرائن المشار إلیها.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 469

  • )) فرائد الاُصول 1: 117 ، مصباح الاُصول 2: 153.
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 3 : 171 ، مصباح الاُصول 2 : 162 ـ 163 .
  • )) نهایة الأفکار 3: 115، تهذیب الاُصول 2: 113.
  • )) التفسیر الکبیر ، الفخر الرازی 28 : 120 .
  • )) الأنعام (6): 54.
  • )) النمل (16): 119.
  • )) النساء (4): 17.
  • )) الحجرات (49): 6.