وأمّا المشکلة الثالثة :
وهی ما إذا وصلت النوبة إلی الشکّ فی جهة من الجهات، المنتهیة إلی الشکّ فی أنّ السیرة المزبورة مرضیّة، أم لا.
مثلاً: إذا قیل: بأنّ الأدلّة اللفظیّة علیٰ إمضاء السیرة غیر تامّة، والدلیل العقلیّ: بأنّ هذه السیرة لو کانت مردوعة لتبیّن ردعها؛ ولوصل إلینا، غیر تامّ أیضاً؛ لإمکان اختفاء ذلک، لکثرة الدواعی، أو لعدم فهم العقلاء ذلک من تلک الأخبار، فتـتوفر الدواعی فی هدمها، أو لغیر ذلک.
أو شکّ فی ذلک لأجل أنّ الآیات المذکورة الناهیة صالحة، ویکون المراد منها ردع القوم عن العمل بالخبر الواحد، وأن یأخذوا جانب الاحتیاط أو البراءة، إلاّ بالمقدار الثابت بغیر الخبر الواحد المجرّد من القرائن، أو یشکّ لأمثال إجماع السیّد رحمه الله وأتباعه، أو لمعارضة الأدلّة من الطرفین، فلا یبقیٰ طریق إلی النفی أو
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 511
الإثبات، وقضیّة الأصل عدم الحجّیة .
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّ قضیّة طلوع الإسلام، ومروره علیٰ هذه السیرة، إلیٰ طلوع الآیات الناهیة والأخبار الرادعة، هی حجّیة السیرة القائمة علی العمل بالخبر الواحد، فیستصحب تلک الحجّیة.
وفیه ما مرّ؛ فإنّ من المحتمل ردع الشرع بغیر تلک الآیات، فلا شاهد علیٰ عدم ردعه عن هذه السیرة. هذا أوّلاً.
وثانیاً: أنّ الحجّیة منتزعة من مرور الشرع فی عصر التشریع، وعدم ردعه، وهذا ممّا لا یمکن بعد ورود تلک الآیات.
وتوهّم: أنّ الحجّیة منتزعة من أوّل طلوع الإسلام، کما هو ظاهر العلاّمة الخراسانیّ قدس سره غیر سدید؛ لإمکان عدم رضا الشرع ثبوتاً، وبنائه علی التأخیر فی البیان إثباتاً؛ لمصالح اُخر المنتهیة إلیٰ تجویز تأخیر البیان عن وقت الحاجة.
اللهمّ إلاّ أن یقال: إنّه یستلزم رضا الشرع ولو بالعرض بالعمل بالسیرة، وهذا یکفی لصلاحیة السیرة للاحتجاج بها علی المدّعیٰ، فاغتنم.
وثالثاً: قد تحرّر منّا: أنّ استصحاب الأحکام مطلقاً غیر جارٍ؛ لا الوضعیّة، ولا التکلیفیّة، لا الوجودیّة، ولا العدمیّة، کاستصحاب عدم الوجوب، أو عدم الحجّیة، وعدم الجهل، وکلّ ذلک منقّح فی مسائل الاستصحاب.
نعم، لو قلنا: بأنّ احتمال طروّ الردع فی بدو الإسلام ممنوع قطعاً، والاستصحابَ جارٍ فی ذاته، وحدیث المعارضة غیر صحیح، کان لاستصحاب
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 512
الحجّیة وجه، وقد مرّ بعض الکلام حوله حین تحریر الأصل فی المسألة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 513