بقی شیء : وهو مناقشة فی اعتبار السیرة
قد عرفت فیما مضیٰ: أنّ التقریب الوحید للتمسّک بالسیرة؛ هو أنّها سیرة موجودة حیّة قائمة علی العمل بالخبر الواحد، وأنّه لو کان الشرع غیر راضٍ بها، لوصلت إلینا الأدلّة الکاشفة عن عدم رضاه بها، کما وصل إلینا فی مثل القیاس أکثر
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 514
من خمسمائة حولها، فراجع.
فعلیٰ هذا وعلیٰ ما أشرنا إلیه أخیراً، یمکن المناقشة من جهة أنّه یجوز للشرع الردع عن السیرة فی الجملة، کما ردع عنها فی مطلق الموضوعات، کما هو المشهور، وفی الموضوعات الخاصّة، فإذا أمکن الردع فی الجملة، ولا یمکن الردع عن أصل السیرة بإطلاقها، یجوز أن تکون قسمة من السیرة مورد الردع، ولکنّها لم تصل إلینا؛ أی الأخبار والنواهی بالنسبة إلیٰ تلک القسمة، لم تصل إلینا، وعلیٰ هذا فی صورة الجهل بتلک القسمة، لا یمکن کشف الرضا بالنسبة إلیها مطلقاً؛ لجهلنا بالواقع، فما هو المردوع قسمة منها، ولا یهتمّون ولا تـتوافر الدواعی بالنسبة إلیٰ قسمة منها، وإنّما تـتوفّر الدواعی بالنسبة إلیها کلّها، وحیث إنّ تلک القسمة مجهولة، لا یمکن کشف الرضا الموجب للاتکاء علیها مطلقاً، کما لا یخفیٰ.
فتحصّل: أنّ هذا الدلیل الوحید أیضاً، لا یخلو من علّة ومناقشة، فما هو الوجه الوحید ما مرّ منّا فی ابتداء البحث عن حجّیة الخبر الواحد، والله العالم.
وبالجملة: ولو کنّا نعلم إجمالاً بارتضاء الشرع بالسیرة، ولکن لیس المقدار المعلوم یستفاد، ویکفی ذلک لعدم جواز الأخذ إلاّ بالقدر المتیقّن، وهو خبر الواحد العدل الفقیه الإمامیّ الورع مثلاً، فاغتنم.
بل لنا أن نقول: الردع عن السیرة فی الأحکام، لا یستلزم اختلال النظام؛ لعدم ارتباط نظام العقلاء بأحکام الإسلام، فما استدلّوا به من الاختلال علیل. هذا
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 515
وما هو الموجب أحیاناً لاختلال نظامهم؛ هو الردع عنها فی الموضوعات، مع أنّ المشهور قالوا بالردع إلاّ فی مواضع خاصّة.
وبالجملة: ما علیه رحیٰ اجتماعاتهم اُمور عادیّة أجنبیّة عن الأحکام وموضوعاتها، فالدلیل الوحید المستند إلیه المحقّقون غیر واضحة دلالته جدّاً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 516