جولة حول ما ذکرناه
ربّما یقال: إنّ وجوب تصدیق العادل حکم حیثیّ؛ أی به یحرز تعبّداً جزء موضوعه، لا الجزء الآخر؛ وهو عدالة المخبر.
وبعبارة اُخریٰ: إذا حلّلنا قضیّة «صدّق خبر العادل» نصل إلیٰ حکم، وموضوع وهو «خبر» والمضاف إلیه وهو «العادل» فالخبر والعدالة ولو کانا مشکوکی الوجود، إلاّ أنّ ببرکة «صدّق» ینقلب الشکّ الأوّل إلی الوجود التعبّدی، دون الشکّ الثانی؛ لأنّه خارج عن إخبار الکلینیّ بالضرورة، وحیث لا إطلاق له إلاّ حیثیّ، فلا یستکشف به العدالة.
وفیه: أنّه لو لم یکن قوله: «صدّق خبر العادل» کاشفاً لعدالة المخبر المجهول الحال، لما کان فیه أثر شرعیّ وفائدة، فإنّ إخبار الکلینیّ بما أنّه من العقلاء، مورد أصالة عدم الاشتباه والغفلة والنسیان العقلائیّة، وبما أنّه عادل، لا معنیٰ لاحتمال الکذب العمدیّ؛ للزوم الخلف، حیث إنّ عدالته وجدانیّة، فالأثر المترتّب علیه ینحصر بکشف حال المخبَر عنه؛ بعد تحقّق المخبَر به بإخباره حسب الاُصول العقلائیّة.
هذا مع أنّ الإطلاق الحیثیّ متین وجیه، إلاّ أنّه بمعنیٰ عدم الاحتیاج فی خروج الإخبار عن الفاسق إلی التقیید، لا بمعنیٰ عدم کشف حال المخبر، فلو کان یکفی کشف وجود الخبر بإلغاء احتمال الخلاف؛ لأجل قوله: «صدّق العادل» فیما إذا أخبر عن المخبر المشکوک، فلابدّ وأن یکشف بلازمه أیضاً حال المخبر، نظیر ما
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 533
مرّ فی العامّ والخاصّ: من أنّ مقتضیٰ تجویز التمسّک بالعامّ فی الشبهة المصداقیّة، کشف حال المصداق بمعوم العامّ، فلاحظ واغتنم.
وتوهّم: أنّه لابدّ وأن یکون إخبار الکلینیّ عن العادل، حتّیٰ یثبت بوجوب تصدیقه خبر العطّار، أوّل الکلام؛ لأنّه إذا کان یحرز بهذا الوجوب جزء الموضوع، فلا منع من إحراز جزئه الآخر، وإذا صحّ کشف خبر العطّار المستور عنّا بوجوب التصدیق الثابت لخبر الکلینیّ، صحّ کشف عدالته أیضاً.
بل لنا أن نقول: بحصول المعارضة بین البیّنة القائمة علیٰ فسق زید، وبین لازم وجوب تصدیق خبر عمرو عن زید، بعد کون عمرو عادلاً. فالذی هو حلّ المشکلة: أنّ أساس «صدّق خبر العادل» معدوم، ولیس فی البین إلاّ ما هو الأمر العملیّ والسیرة العملیّة التی لا لسان لها، وهی قائمة علی الإخبار مطلقاً، فتدبّر جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. 6)صفحه 534