ذنابة : هل المعاملات أسباب اعتباریة أو موضوعات لأحکام عقلائیّة ؟
حان وقت الوفاء بالوعد الذی واعدناک آنفاً؛ وهو أنّ المعتبر عند العقلاء فی ماهیّات المعاملات، السببیّة الاعتباریّة، أو أنّها تعتبر موضوعات لأحکام عقلائیّة.
لاشبهة فی أنّه علی التقدیرین، لا اعتبار جزئیّ فی کلّ بیع للعقلاء؛ بأن یکون لهم المجمع المحیط علیٰ جمیع البیوع العالمیّة، ویعتبرون عقیب کلّ بیع الأثر، فلابدّ من کون ذلک بنحو القانون الکلّی.
ولاشبهة فی أنّ هذا القانون الکلّی، لیس من مقنّن قبل مساس حاجتهم إلیه، ثمّ بعد الاحتیاج راعوه، بل هی القوانین المتّخذة من المرتکزات الفعلیّة الموجودة، کقوانین الفلسفة المتّخذة من الأعیان الخارجیّة بدواً، ومن إدراکات عقلیّة نتیجة.
فعلیه، لابدّ من المراجعة إلی العقلاء فی الألفاظ المختلفة الصادرة عنهم فی إفادة المعنی المذکور، وإنّا إذا راجعناهم فی محاوراتهم، لا نجد إلاّ أنّهم یرون أنّ البیع سبب الملکیّة؛ وأنّه به تحصل تلک، فیعلم منه أنّ المعتبر الکلّی عندهم؛ هو أنّه إذا تحقّق البیع یحصل به النقل والانتقال، بنحو القانون المعلّق، أو بنحو القانون المنجّز؛ وهو أنّ البیع وغیره أسباب النقل والانتقال، فإذا تحقّق البیع یحصل ذلک بنحو اعتبار السببیّة والمسبّبیة.
ویشهد لذلک ذهاب المشهور ـ إلیٰ زمان المتأخّرین ـ إلی استعمال کلمة «السبب» و «الأسباب» دون «الموضوع» و «الحکم».
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 301
بل القانون الکلّی المتّخذ من ارتکازهم، لیس إلاّ إخباراً عن بنائهم العملیّ، فما هو مدرکهم ـ إنصافاً ـ من هذه العلل الاعتباریّة، لیس إلاّ العلّیة الاعتباریّة جدّاً.
فبالجملة : الاحتمالات ثلاثة :
أحدها : کون ما یستفاد من بنائهم بنحو الکلّی، قضیّةً معلّقة بنحو آخر «وهی أنّ البیع إذا وجد، یوجد به النقل والانتقال، ویترتّب علیه الأثر».
ثانیها : قضیّةً معلّقة بنحو آخر وهی «أنّ البیع إذا تحقّق ، یحصل النقل والانتقال» .
ثالثها : قضیّةً منجّزة وهی «أنّ المعاملات المعاوضیّة، أسباب النقل والانتقال».
ولا شبهة فی أنّ الاُولیٰ والثالثة نصّ فی اعتبار السببیّة، وأمّا الثانیة فظاهر القضیّة الشرطیّة، کون المقدّم سبباً للتالی.
وأمّا توهّم : أنّ العقلاء یدرکون الانتقال عقیب البیع، فهو غیر مضرّ؛ لأنّ الإدراک فرع الوجود الاعتباریّ السابق علیه، کما فی الحقائق، فلاتخلط.
هذا آخر ما أوردناه فی الصحیح والأعمّ، وقد وقع الفراغ منه یوم الثلاثاء الذی عطّلنا الدراسة فیه؛ وهو الیوم الخامس من ربیع الثانی فی سنة 1388 فی النجف الأشرف، علیٰ صاحبه آلاف التحیّة والثناء.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 302