الماهیّات المعاملیة طبائع مؤثرة اعتباراً
فإذا عرفت تلک المقدّمات، تقدر علی استنتاج المطلوب منها؛ وهو أنّ الماهیّات المعاملیّة، لیست إلاّ الطبائع الاعتباریّة علیٰ وجه التأثیر الاعتباریّ فی الأثر الاعتباریّ، أو علیٰ وجه الموضوعیّة لحکم العقلاء.
إن قلت : تمسّ الحاجة إلیٰ توسیع البیع مثلاً، فإنّ البیع فی العهد الأوّل کان علیٰ نعت المعاطاة، ثمّ بعد الحاجة اعتبر العقد والألفاظ قائمةً مقام الفعل فی الإنشاء والتملیک، ثمّ بعد تحقّق البیوع الفضولیّة من الغاصبین وغیرهم، لابدّ من اعتبار کون البیع هو ذات السبب، وإلاّ یلزم بطلان بیع المکره والفضولیّ، وعدم قابلیّته للصحّة بعد الإجازة، مع أنّ بناء العقلاء علیٰ ذلک، فمنه یعلم: أنّ ألفاظ المعاملات، موضوعة لذوات الأسباب والموضوعات، دون عناوینها.
قلت : لاشبهة فی أنّ الأثر موقوف علی الإجازة، فلا حاجة إلی اعتبار کون ما أنشأه الفضولیّ بیعاً.
بل هنا احتمال آخر قوّیناه فی محلّه: وهو أنّ الإجازة تورث اتصاف ما أنشأه الفضولیّ بـ «البیع» وغیره، ولا حاجة إلیٰ أزید من ذلک، فلاتمسّ الحاجة إلی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 299
اعتبار ذات السبب بیعاً وإجارة.
وأمّا إطلاق «البیع» علیٰ بیع المکره والفضولیّ، فهو کإطلاقه علیٰ بیع السکنی فی المآثیر الکثیرة، فإنّ الإطلاق أعمّ من الحقیقة جدّاً.
إن قیل : من المباحث الهامّة فی الفضولیّ بحث الکشف والنقل، فلو کان الموضوع له ما هو المؤثّر، فلایبقیٰ للبحث المزبور موقع، وهذه النتیجة والحاجة کافیة فی الاعتبار المذکور.
قلنا : نعم، إلاّ أنّ القائلین بالکشف، یرجع مرامهم إلی إنکار الفضولیّ بالمعنی الذی یریده القائل بالنقل؛ ضرورة أنّ معنیٰ «کاشفیّة الإجازة» هو أنّ الإجازة إذا لحقت، تکشف عن التأثیر من الأوّل، فما هو الواقع من الفضولیّ هو البیع المؤثّر، وإذا لم تلحق فهو کاشف عن عدم تحقّقه، فأمره عندهم دائر بین الوجود والعدم.
ولذلک لاتنافی بین مقالة المشهور فی الاُصول ـ وهی أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة وأسامٍ للأخصّ ـ وبین مقالتهم فی الفقه بالکشف، بل هی من مترشّحات ذاک. بخلاف القائلین بالنقل، فإنّهم لابدّ لهم من إثبات کونها أسامی للأعمّ؛ حتّیٰ یتمکّنوا من اختیار النقل، فافهم واغتنم. فنزاع الکشف والنقل هو نزاع الأعمّ والأخصّ لبّاً.
فتحصّل إلیٰ هنا : أنّ الأدلّة المدّعاة علیٰ أنّ ألفاظ المعاملات موضوعة لذات
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 300
المؤثّر، کلّها ساقطة جدّاً، بل المتبادر منها لیس إلاّ السببیّة، وقد أوضحنا ذلک فی مباحث بیع المکره والفضولیّ توضیحاً أجلیٰ، فراجع.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 301