المقصد الأوّل موضوع الاُصول وتعریفه مع نبذة من مباحث الألفاظ

الموقف الثانی : ذکر عمدة الوجوه الممکنة لأن تکون جامعاً للأعمّی

الموقف الثانی: فی ذکر عمدة الوجوه الممکنة لأن تکون جامعاً للأعمّی

‏ ‏

فمنها :‏ ما نسب‏‎[1]‎‏ إلیٰ صاحب «القوانین» ‏‏رحمه الله‏‏ : من أنّ الموضوع له هی‏‎ ‎‏الأرکان بعرضها العریض، لا بحدّها الخاصّ، وأمّا سائر الأجزاء والشرائط فهی‏‎ ‎‏الداخلة فی المأمور به بالأدلّة المنفصلة، لا لاقتضاء الاسم ذلک‏‎[2]‎‏. وهذا هو مختار‏‎ ‎‏بعض المعاصرین، وقد دافع عمّا تُوجّه إلیه فی کلمات القوم‏‎[3]‎‏.‏

‏ولکنّ الذی یتوجّه إلیه، ولیس مدفوعاً عنه، ولایمکن دفعه: هو أنّ المسمّیٰ‏‎ ‎‏والموضوع له، لیس الأمر الشرعیّ والمعنی المخترع الإسلامیّ، حتّیٰ یقال: بأنّ‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 240
‏الصلاة بدون الرکن لیست بصلاة ولو کانت مستجمعة لجمیع الأجزاء والشرائط، أو‏‎ ‎‏یتشبّث بالأدلّة اللفظیّة، کما تشبّث بها الفاضل المذکور‏‎[4]‎‏.‏

‏بل مسمّیٰ هذه اللفظة کغیرها، مأخوذ من العرف ومن العابدین بها الله تعالیٰ‏‎ ‎‏قبل الإسلام، ولم یتصرّف الشرع فی التسمیة، کما مضیٰ تفصیله‏‎[5]‎‏، فإذن نجد‏‎ ‎‏وجداناً صدق «الصلاة» علیٰ فاقد الطهورین لغة.‏

بل قیل :‏ «إنّ البحث فی الشرائط کلّها، خارج عن بحث الصحیح والأعمّ»‏‎[6]‎‎ ‎‏وهل هذا إلاّ لکون المسمّیٰ، صادقاً مع فقد الرکن الشرعیّ؛ وهو الطهور حسب‏‎ ‎‏الأدلّة الموجودة؟!‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ کما أنّ البحث لغویّ، ویکون حول أنّ الموضوع له بهذه‏‎ ‎‏الألفاظ طرّاً، أعمّ أو أخصّ، کذلک مفهوم «الصحّة والفساد» المذکور فی کلامهم‏‎ ‎‏لغویّ، فلا معنی لدعوی الأخصّی أنّها لیست بصلاة عند الشرع، والأعمّی أنّها لیست‏‎ ‎‏بصحیحة عنده.‏

‏فالمناط علیٰ فهم العرف فی الموصوف والصفة، فکأنّ من تخیّل أنّ الجامع‏‎ ‎‏هی الأرکان المأخوذة من الشرع‏‎[7]‎‏، غفل عن الجهة المبحوث عنها فی المقام.‏

‏وأمّا إذا جعلت الأرکان العرفیّة جامعاً، فلابدّ من بیانها، وإلاّ فهی الإغراء‏‎ ‎‏بالجهالة.‏

‏ولعمری، إنّ جعل الأرکان جامعاً للأخصّی، کان أولیٰ من جعله للأعمّی،‏‎ ‎‏خصوصاً مع الالتزام بالإهمال فی ناحیة عدد الأرکان، کما مضیٰ تفصیله من‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 241
‏صاحب «الحاشیة» بتقریب منّا‏‎[8]‎‏.‏

‏وما یتوجّه إلیٰ هذه المقالة : من أنّ سائر الأجزاء والشرائط، إن کانت داخلة‏‎ ‎‏فلا تحقّق للمسمّیٰ بدونها، وإن کانت خارجة، فإطلاقها علی المجموع مجاز،‏‎ ‎‏مدفوع بما تقرّر فی کتاب الصلاة حول الشبهة فی أنّ قول المصلّی: «ورحمة الله ‏‎ ‎‏وبرکاته» إن کان جزءً فی الماهیّة ومأموراً به بأمرها فیجب، وإن کان مستحبّاً بأمر‏‎ ‎‏آخر فلا منع من الإحداث قبله وحینه؛ لخروجه قبله من الصلاة، ویکون هو‏‎ ‎‏التعقیب لها‏‎[9]‎‏.‏

وإجماله :‏ أنّ من الأجزاء ماهی الدخیلة فی تحقّق الاسم، ومنها ماهی لو‏‎ ‎‏التحق بالمسمّیٰ یدخل، ویطلق علیه «الکلّ» قهراً، ولو لم یلتحق به یتحقّق المسمّیٰ‏‎ ‎‏بما هو الدخیل، کما فی عنوان «الدار والبیت والسوق والحمّام» فلاحظ وتدبّر جیّداً.‏

‏وقد عبّر عن هذا الوالد المحقّق ـ مدّ ظلّه ـ : بـ «لواحق المصداق» فی قبال‏‎ ‎‏قیود الطبیعة ومقوّماتها‏‎[10]‎‏.‏

ومنها :‏ ما نسبه شیخ مشایخنا إلی المشهور؛ وهو أنّ المسمّیٰ معظم‏‎ ‎‏الأجزاء‏‎[11]‎‏.‏

‏وتحریر ذلک بوجه لایتوجّه إلیه ما وجّهه «الکفایة» وأتباعه‏‎[12]‎‏، قد مضیٰ فی‏‎ ‎‏ذکر الوجوه المزبورة للأخصّی، عند نقل کلام صاحب «الحاشیة» بتقریب ذکرناه‏‎ ‎‏حوله‏‎[13]‎‏، بعد وضوح أنّ المقصود لیس کون المعظم مسمّیٰ بعنوانه، حتّیٰ یکون‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 242
‏جامعاً عنوانیّاً، مع بطلانه بذاته.‏

‏وبعد ظهور عدم إرادتهم کون معظم الأجزاء فی کلّ صلاة بالنسبة إلیٰ أحوال‏‎ ‎‏المصلّین، هو الموضوع له، حتّیٰ یلزم کون الموضوع له خاصّاً، والوضع عامّاً، کما‏‎ ‎‏یظهر من الفاضل الإیروانیّ؛ ظنّاً أنّه مقصودهم‏‎[14]‎‏.‏

بل المقصود :‏ أنّ المسمّیٰ واقعُ أکثریّةِ الأجزاء؛ أی لو کانت صلاة المختار‏‎ ‎‏عشرة أجزاء، وأقلّ الصلوات أجزاءً هی المشتملة علی الستّة، فما هو المسمّیٰ هو‏‎ ‎‏الستّة علی الإهمال من غیر لزوم الإشکال؛ لعدم جواز الخلط بین المرکّبات‏‎ ‎‏الحقیقیّة والاعتباریّة، فلاحظ وتدبّر.‏

‏نعم ، یتوجّه إلی هذه المقالة : أنّ الصلوات المشتملة علی الأجزاء الیسیرة‏‎ ‎‏عند الاضطرار، لیست بصلاة حقیقة.‏

‏ولعلّهم یلتزمون بذلک؛ بدعویٰ مساعدة العرف علیٰ مجازیّة تسمیة صلاة‏‎ ‎‏الغرقیٰ والمیّت وبعض الأفراد الاُخر «صلاة» کما یلتزم به الآخرون، ولا داعی إلیٰ‏‎ ‎‏تصویر الجامع الکذائیّ، بل هو غیر معقول کما لایخفیٰ.‏

‏ویتوجّه إلیها ثانیاً : أنّ المراد من «المعظم» إن کان ماهو العظیم من حیث‏‎ ‎‏الدخالة فی الاسم بنظر العرف، فهو مجهول.‏

‏وإن کان بنظر الشرع، فهی راجعة إلی القول الأوّل فی الجامع.‏

‏وإن اُرید منه أکثریة الأجزاء، لا الأرکان، کما هو المتفاهم منه، فکثیر من‏‎ ‎‏الصلوات المشتملة علی الرکوع والسجدة والتکبیرة والسلام أو بعض الأجزاء الاُخر‏‎ ‎‏ـ عوضاً عمّا ذکرناها ـ صلاة عرفاً، وفاقدة للمعظم.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ ماهو المشتمل علی الخمسة من العشرة، صلاة عرفاً؛ إذا کان‏‎ ‎‏من تلک الخمسة ماهو القائم به بعض الهیئة المعتبرة فی الصلاة، فلاتخلط.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 243
ومنها :‏ الوجوه الاُخر التی ذکرناها فی طیّ الوجوه للأخصّی‏‎[15]‎‏؛ فإنّ کثیراً‏‎ ‎‏منهم جعل ماهو الجامع للأخصّی، جامعاً للأعمّی، مع الاختلاف فی المعرّف‏‎[16]‎‏.‏

مثلاً :‏ الشیخ العلاّمة صاحب «الحاشیة» ‏‏قدس سره‏‏ بعد إفادة الجامع الاعتباریّ‏‎ ‎‏بمعرفیّة ‏«معراج المؤمن»‏ قال: «هذا هو الجامع للأعمّی؛ بمعرّفیة المعراجیّة بالشأن‏‎ ‎‏والاقتضاء»‏‎[17]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّ هذا الجامع لایحتاج إلی المعرّف؛ لأنّ ماهو المسمّیٰ لابدّ وأن‏‎ ‎‏یکون معلوماً بحدّه، لا مجملاً. مع أنّ الأجزاء المهملة من بین الأجزاء المعلومة،‏‎ ‎‏لیست مسمّاة إذا اعتبرت خالیة عن الهیئة؛ ضرورة أنّ الصلاة مرکّبة من الهیئة‏‎ ‎‏والمادّة، کما سیأتی تفصیله‏‎[18]‎‏.‏

‏والسیّد الاُستاذ البروجردیّ أفاد فی جامع الأخصّی ماهو الأولیٰ بجامعیّة‏‎ ‎‏الأعمّی‏‎[19]‎‏، وقد مضیٰ تفصیله، وعرفت أنّ الحالة المنطبقة علی الأجزاء لیست هی‏‎ ‎‏الصلاة، بل لایعقل انطباقها علی الأجزاء؛ لأنّها کیفیّة نفسانیّة قائمة قیام حلول‏‎ ‎‏بالمصلّی، والأجزاء هی الحرکات الصادرة قیام صدور بالإنسان، وقیامَ حلول‏‎ ‎‏بالهواء، فتکون من الکیفیّات المحسوسة، فکیف یمکن انطباق ذاک علیٰ هذا؟! کما‏‎ ‎‏لایخفیٰ.‏

‏وقد عرفت أیضاً إمکان جعل الدعاء جامعاً للأعمّی، لا الدعاء المطلق؛‏‎ ‎‏فإنّه المعنی الأوّلی، بل الدعاء بطرز بدیع وشکل خاصّ، من غیر خروجه عن شکل‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 244
‏الدعاء.‏

‏فقوله ‏‏صلی الله علیه و آله وسلم‏‏: ‏«صلّوا کما رأیتمونی اُصلّی»‎[20]‎‏ أی ادعوا کما أدعو، فمفهوم‏‎ ‎‏الدعاء ذو عرض عریض، والصلاة مثله، إلاّ أنّها فی الشرع تطلق علی الدعاء‏‎ ‎‏الخاصّ المعروف عند المتشرّعة المعروف بقابلیّته للنهی ‏‏«‏عَنِ الْفَحْشَاء‏»‏‏و «معراج‏‎ ‎‏المؤمن» وهکذا. وفیه مالایخفیٰ.‏

ومنها :‏ الوجوه الإجمالیّة من غیر ذکر ماهو المسمّیٰ حقیقة، کما عرفت فی‏‎ ‎‏جعل الدعاء جامعاً‏‎[21]‎‏؛ فإنّ هذه الوجوه غیر کافیة، لأنّ معلومیّة المسمّیٰ عند‏‎ ‎‏المتشرّعة غیر قابلة للإنکار، وهکذا فی اللّغة، والإیماء والإشارة والتمثیل بالأعلام‏‎ ‎‏المشخّصة‏‎[22]‎‏، غیر مفید فیما هو المقصود فی المسألة.‏

مثلاً قد یقال :‏ بأنّ المسمّیٰ ماهو المعروف عند العرف؛ من إطلاقه فی بعض‏‎ ‎‏الأحیان علیٰ بعض الأفراد، ومن عدم الإطلاق علی الأفراد الاُخر‏‎[23]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّه لابدّ من الاطلاع علی المعنی قبل الإطلاق والحمل، کما مضیٰ فی‏‎ ‎‏علائم الحقیقة والمجاز‏‎[24]‎‏.‏

وقد یقال :‏ بأنّ المسمّیٰ هنا من قبیل المسمّیات لألفاظ المقادیر، کـ «المثقال‏‎ ‎‏والحقّة»‏‎[25]‎‏ فکما أنّها تطلق علی الناقص والزائد، فهی مثلها.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 245
وفیه :‏ أنّه بیان مضیٰ تفصیله، ولکنّ التمثیل غیر صحیح؛ لأنّ هذه الألفاظ‏‎ ‎‏موضوعات للمعانی المقداریّة بالدقّة العرفیّة، ولا یعتنیٰ بالإطلاقات المسامحیّة.‏

وقد یقال :‏ بأنّ لفظة «الصلاة» بالقیاس إلیٰ معناها القصیر والطویل والناقص‏‎ ‎‏والزائد، نظیر الأعلام الشخصیّة، فکما أنّ تلک الألفاظ صادقة مع اختلاف الحالات‏‎ ‎‏وجمیع اللواحق والخصوصیّات، کذلک ألفاظ العبادات‏‎[26]‎‏.‏

وفیه :‏ أنّ ما أفاده یرجع فیما نحن فیه إلیٰ ما شرحناه سابقاً؛ من أخذ‏‎ ‎‏الأجزاء الثلاثة المهملة من العشرة المفصّلة المعلومة موضوعاً‏‎[27]‎‏، ولکنّه لایتمّ فی‏‎ ‎‏الأعلام الشخصیّة؛ للزوم الامتناع فیها، بداهة أنّ ما هو المسمّیٰ فی تلک الأعلام من‏‎ ‎‏الحقائق الخارجیّة، ولا یعقل الإهمال فیها فی تجوهر ذاتها، ولایمکن تبدّل الذات؛‏‎ ‎‏فإنّ الذاتیّات لاتختلف ولا تتخلّف فی أنحاء الوجودات، فلایصحّ قیاس‏‎ ‎‏الاعتباریّات بالحقائق؛ فإنّ فیه الزلل الکثیر، والبعد عن محیط الشرع والتقنین، کما‏‎ ‎‏هو الواضح الظاهر.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 246

  • )) مطارح الأنظار: 7 / السطر 15 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 60 .
  • )) محاضرات فی اُصول الفقه 1 : 159 .
  • )) محاضرات فی اُصول الفقه 1 : 159 ـ 165 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 185 ـ 188 .
  • )) نهایة الأفکار 1 : 76 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 60 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 213 .
  • )) لاحظ جواهر الکلام 10 : 329 ـ 330، الصلاة ، المحقّق الحائری : 281 ـ 282 .
  • )) لاحظ مناهج الوصول 1 : 147 و155 ـ 157، تهذیب الاُصول 1: 71 و77 ـ 78.
  • )) مطارح الأنظار : 8 / السطر 3، کفایة الاُصول : 41 .
  • )) کفایة الاُصول : 41، أجود التقریرات 1: 42 ـ 43 ، نهایة الأفکار 1 : 86 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 213 .
  • )) نهایة النهایة 1 : 37 ـ 38 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 209 ـ 217 .
  • )) لاحظ أجود التقریرات 1 : 36، نهایة الأفکار 1 : 86، نهایة الاُصول: 47 .
  • )) نهایة الدرایة 1 : 113.
  • )) یأتی فی الصفحة 228 .
  • )) نهایة الاُصول : 47 .
  • )) بحار الأنوار 82 : 279 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 216 .
  • )) لاحظ مطارح الأنظار: 8 / السطر 14، کفایة الاُصول : 42.
  • )) هدایة المسترشدین : 100 ـ 101، تقریرات المجدّد الشیرازی 1 : 322 ـ 323، بدائع الأفکار، المحقّق الرشتی: 138، أجود التقریرات 1 : 43 ـ 44 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 170 ـ 173 .
  • )) بدائع الأفکار، المحقّق الرشتی : 136 / السطر 28 ـ 36، کفایة الاُصول : 42 .
  • )) مطارح الأنظار : 8 / السطر 12 ـ 20، بدائع الأفکار، المحقّق الرشتی: 139، الرابع .
  • )) تقدّم فی الصفحة 213 .