الأمر الأوّل : فی تحریر محلّ النزاع
بناء الأصحاب إلیٰ زماننا هذا؛ علیٰ قصر البحث حول ألفاظ العبادات علیها وعلی المعاملات.
وأنت خبیر : بأنّ الجهة المبحوث عنها أمر کلّی، یستکشف منه حال هذه الألفاظ بما هی مصادیق ذلک الأمر العامّ؛ ضرورة أنّ البحث فی حدود معانی اللغات، لا یختصّ بألفاظ دون ألفاظ، فیشترک فیه جمیع أسامی الحیوانات والنباتات والأشجار والأثمار وهکذا؛ وذلک لأنّ المقصود من تحریره، فهم حدود المعنی الموضوع له والمسمّیٰ، ودرک مقدار سعة المعنی المدلول علیه باللفظ، فلا معنیٰ لحصر محلّ النزاع بألفاظ دون ألفاظ.
فأخصّیة الغرض لایورث أخصّیة البحث؛ أما تریٰ أنّ البحث فی مباحث العمومات والإطلاقات، لیس مقصوراً بما ورد فی الشرع، وإن کان الغرض خاصّاً؟!
بیانه : هو أنّ جمیع المعانی ذات أطوار ومراتب وحالات، مثلاً الشجرة ذات شؤون؛ من القصر والطول، ومن الکیف والأوضاع، ومن الحالات الاُخر الطارئة علیها فی الأزمنة المختلفة، وبالجملة المقولات الزائدة علیٰ ماهیّتها ووجودها ـ
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 217
وهی أمارات تشخّصها وتعیّنها ـ مختلفة، فهل المعنیٰ والموضوع لها الشجرة التامّة الکاملة، حتّیٰ تکون الفاقدة للأوصاف الکمالیّة غیر داخلة فی مسمّاها؟
أم المسمّیٰ أمر أعمّ، فتکون الشجرة فی جمیع شؤونها وشتات حیاتها وخصوصیّاتها، موضوعة لها؟
أو تکون الحالات مختلفة :
فمنها : ماهی الداخلة فی الموضوع لها، مثل کون أجزائها ذات حیاة نباتیّة فی الجملة.
ومنها : ماهی الخارجة، مثل کمالاتها الاُخر صغریٰ وکبریٰ، کیفاً وکمّاً ووضعاً، ونقصاً وکمالاً، وغیر ذلک.
فإذا کانت الشجرة بلا روح نباتیّ ـ مثل الأمثال والأشباح الموجودة فی الأعیان، والمجسّمة والصور لها ـ فإطلاق هذه الکلمة علیها بالادعاء والمجاز، دون الحقیقة، فالموضوع له مقیّد من تلک الجهة، ومطلق من الجهات الاُخر ؟
فعلیٰ هذا، تبیّن لک قصور طریقة الأصحاب فی المسألة، وتبیّن: أنّ الجهة المبحوث عنها هی هذه، وهذا أمر سارٍ وجارٍ فی جمیع الألفاظ، ومنها: الألفاظ المستعملة فی الاُمور الاعتباریّة، عبادیّة کانت أو معاملیّة، فإذا کانت الشجرة مطلقة من حیث ترتّب الثمرة علیها وعدمه، فتلک الألفاظ ربّما تکون مثلها، کما لایخفیٰ.
فتحصّل : أنّ مصبّ النزاع هنا هذا الذی أبدعناه، وتصیر النتیجة أنّ الصحیحیّ یقول: بأنّ الموضوع له «الشجرة» هی الکاملة المثمرة، ومثلها الصلاة التی ثمرتها «قربان کلّ تقیّ» و«معراج المؤمن» وناهیة «عَنِ الْفَحْشَاءِ» وسقوط الأمر
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 218
وأمثال ذلک، والأعمّی ینکر ذلک، ویدّعی أنّ «الشجرة» صادقة علی القصیرة غیر المثمرة المشحونة بالنواقص والآلام، ومثلها الصلاة، وغیر ذلک من الألفاظ الموضوعة للأجناس والمخترعات الیومیّة، بل للأشخاص کما لایخفیٰ.
وتوهّم : أنّ القوم یقولون بالأعمّ فی جمیع الألفاظ، ویختلفون فی هذه الألفاظ الخاصّة، واضح المنع، کما سیأتی فی بعض الاُمور الآتیة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 219