تنبیه : فی الاستصحاب القهقریّ وأصالة اتحاد العرفین
إنّ الاطلاع علیٰ معانی اللغات بعد المراجعة إلی أهل المحاورة والغور معهم فیها، ممکن واضح، ولکن لایثبت بذلک کون المعنی الموجود؛ هو المعنی الملحوظ فی حال الوضع، فلعلّه مهجور، وهذا طارئ علیه. وهذا ممّا لا شبهة فیه. ولکنّه إن اُرید بذلک نفی جواز التمسّک بکلمات السابقین، فهو ممنوع؛ لأصالة اتحاد العرفین، وهو الأصل العقلائیّ.
ومن عجیب ما قیل فی المقام هو التمسّک بالاستصحاب القهقریّ؛ ظنّاً أنّه
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 191
الأصل العقلائیّ فی خصوص المسألة!!
وأنت خبیر : بأنّ هذا غفلة وذهول عن حقیقة الاستصحاب؛ وهو المتقوّم بالشکّ المستقرّ، دون الاحتمال العقلیّ، فلو کان دلیل حجّیته بناء العقلاء، فلابدّ من فرض شکّهم فی ذلک، واستقرار ذلک الشکّ فی نفوسهم، ولایمکن ذلک إلاّ مع القرینة القائمة العقلائیّة.
کما لو فرضنا أنّ معنی «الأسد» فعلاً هو الحیوان المفترس، وفرضنا أنّه کان معناه فی زمن من الأزمنة غیرَ ذلک، فهل تریٰ من نفسک تمسّکهم بهذا الاستصحاب القهقریّ حتّیٰ یرجعوا بذلک إلیٰ فهم مراد المولیٰ فی کلامه المردّد أنّه استعمل فی المعنی الأوّل، أو المعنی الثانی؟! أو یلاحظون النسبة بین الأصلین المتعارضین، ویقدّمون أحدهما علی الثانی، فما هذا إلاّ الوهم الخالی من التحصیل.
فما هو الدلیل المرجع للعقلاء أصالة عدم النقل، أو أصالة اتحاد العرفین، وهی مثل أصالة الظهور؛ أی أنّ بناء العقلاء علیٰ عدم الاعتناء بهذه التسویلات الباطلة، لا أنّ بناءهم علی العمل بالاستصحاب مع وجود الشکّ الفعلیّ المستقرّ فی نفوسهم، فإنّهم عند ذلک لایعتنون ، ولا ینعقد الظهور بمثل هذا الأصل، کما هو الظاهر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 192