الطریقة الاُولیٰ
ما هو المشهور بین أهل الأدب والاُصولیّین، وظنّوا أنّ المجاز هو استعمال اللفظ فی غیر ما هو الموضوع له؛ لمناسبة وعلاقة خاصّة بین المعانی الحقیقیّة والمجازیّة.
واختلفوا فی أنّه جائز مطلقاً، أو لابدّ من الوضع الشخصیّ، أو النوعیّ، أو المناسبة الخاصّة المصرّح بها فی کلمات القوم، فلایجوز التعدّی عمّا وصل إلینا من الاستعمالات المجازیّة إلیٰ غیرها، بل لابدّ من الاقتصار علی العلاقات المعیّنة البالغة إلیٰ خمسة وعشرین مثلاً، فذهب إلیٰ کلّ احتمال جمع.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 163
والذی اختاره «الکفایة» هو الأوّل، فلاضیق من الجوانب الاُخر، فلا حاجة إلی الوضع، ولا إلی الترخیص، ولا إلی العلاقات المعیّنة، بل الملاک حسن الاستعمال، وموافقة الذوق السلیم، والذهن المستقیم؛ لشهادة الوجدان، ولما نجد من جوازه فیما لم یصل منهم بالنسبة إلیه الإذن والترخیص، کما فی استعمال اللفظ فی نوعه ومثله.
أقول : یتوجّه إلی هذه الطریقة أوّلاً : أنّ الوضع الشخصیّ أو النوعیّ إمّا لا معنیٰ له فی المقام، أو یستلزم خروج الکلام فی المقام عمّا هو المقصود والمرام، فعلیه ینحصر الأمر باشتراط الإذن والترخیص، وهو غیر مبرهن، لا لعدم کون الواضع أهلاً لذلک، کما فی کلام القوم، بل لأنّ الشرطیّة تحتاج إلی الدلیل، وهو غیر مذکور.
وثانیاً : إطلاق اللفظ وإرادة معناه الموضوع له أمر، وکون ذلک المعنیٰ مقصوداً بالأصالة أمر آخر.
وبعبارة اُخریٰ : قد یتّفق إطلاق اللفظ فی مورد لایصحّ إلحاقه بالکلمات الموروثة من البلغاء، حتّیٰ یندرج فی الطریقة الآتیة عن السکّاکی أو الأصفهانیّ، بل هو إطلاق متعارف؛ فإنّه لایصحّ حینئذٍ تتمیم ذلک بتلک الطرق الخارجة عن أفهام متعارف الناس.
مثلاً : إذا سئل عن منزل زید فی شارع کذا؟ فیقول المجیب: «اسأل هذه الدکّة» فإنّه لیس مقام إدراج هذه الکلمة فی کلمات الفصحاء، حتّیٰ یقال: بأنّه فی مقام ادعاء أنّه رجل مشهور فی البلد؛ بحیث تعرفه الدکّة، أو أنّ الدکّة فی هذه البلد تکون شاعرة وفهیمة وقابلة للسؤال، أو یکون فی مقام أنّ السائل لیس من جنس
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 164
البشر ونوع الإنسان حتّیٰ یجیبه الشاعر، بل ینبغی أن یجیبه الجامد أو غیر ذلک.
فعلیٰ هذا، لا یأتی ما أفاده أهل الذوق من المعاصرین فی جمیع الاستعمالات.
ولکن لایلزم مع ذلک کلّه، استعمال اللفظ فی غیر ما هو الموضوع له، بل فی المثال المذکور وفی جمیع المواقف، لایستعمل الهیئات ولا الموادّ إلاّ فیما هو الموضوع له، ولکنّه تارة : یکون هو المقصود بالذات والأصالة.
واُخریٰ : یکون هو السبب لانتقال السائل إلیٰ أمر آخر، فلا حذف فی المقام، ولا مجاز فی الکلمة، ولا فی الإسناد:
أمّا کونه سبباً لذلک، فهو الواضح.
وأمّا عدم کونه مجازاً فی الحذف والکلمة؛ فلأنّ السببیّة للنقل معناها عدم حذف المضاف، وکون الکلمة مستعملة فیما هو الموضوع له بالإرادة الاستعمالیّة، أیضاً مانع عن کونه مجازاً فی الکلمة.
وأمّا عدم کونه مجازاً فی الإسناد؛ فلأنّ المناط فی ذلک کونه مراداً بالأصالة، وهو ممنوع فرضاً.
اللهمّ إلاّ أن یقال : إنّ المناط فی ذلک هی الإرادة الاستعمالیّة، وهی موجودة، فلاتغفل.
فبالجملة : المجاز بمعنی استعمال اللفظ فی غیر ما وضع له، غیر مرضیّ، والمجاز ـ بمعنی أنّه مَعْبر ما هو المقصود بالأصالة ـ محقّق، والذی هو المصحّح لتلک الاستعمالات المجازیّة، التسهیل فی الأمر، وأداء المقصود بأسهل ما یمکن؛ لأنّ النظر لیس مقصوراً علی مفاد الجمل مطابقة، بل المنظور الأصلیّ هو الأمر الآخر، فتدبّر.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 165