الأمر الثالث : فی أنحاء الجمل الخبریة التامّة وأنحاء الجمل
الجمل الخبریّة التامّة علیٰ أنحاء :
فمنها : ما یکون مفادها الهوهویّة، کقولنا: «الإنسان إنسان» أو «حیوان ناطق» أو «ممکن» أو «نوع» أو «إنّه تعالیٰ موجود» و «الوجود نور» و «البیاض أبیض» ممّا یکون مفاد الکلّ واحداً؛ وهی الهوهویّة التی لا زیادة علیها، ولا واسطة بین الموضوع والمحمول حتّیٰ تسمّیٰ «نسبة».
وما اشتهر : «من أنّ النسبة موجودة فی القضیّة» فهو فی القضایا الاُخر، دونها.
نعم، النسبة الحکمیّة التی هی مفاد الجملة التصدیقیّة، غیر النسبة الخارجیّة التی هی الوجود الزائد علی الموضوع.
ومنها : ما یکون مفادها الهوهویّة، إلاّ أنّه فی القضایا المتعارفة فی العلوم، مثل «زید قائم» و «الجسم أبیض» و «الجوهر کذا» و «الطبیعة سیّالة» وهکذا، فإنّ المشهور فیها أنّ القضیّة مرکّبة من الموضوع، والمحمول، والنسبة، ولکنّه فاسد.
بل قضیّة ما عرفت منّا عدم تمامیّة النسبة ؛ لأنّ اللابشرط من مراتب الجوهر، فما هو المحمول من کمالاته الفانیة فیه وشؤونه القائمة به، فما أفاده
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 135
الوالد ـ مدّظلّه : من إنکار النسبة فی هذه القضایا، حقّ محض لا شبهة فیه.
مع شهادة البرهان؛ لأنّه لو کان الأمر کما قیل یلزم إمّا المجاز، أو تعدّد الوضع، أو زیادة الصفات علی الذات الأحدیّة فی القضایا المستعملة فی حقّه تعالیٰ، مع أنّ الوجدان شاهد علیٰ خلافه.
فعناوین المشتقّات المأخوذة من الذوات بکمالاتها، لا تکون زائدة علیها، خصوصاً بناءً علی اعتبار الذات فیها، کما لایخفیٰ.
ومنها : ما تکون من قبیل «زید له البیاض» و «هو فی الدار» من القضایا المسمّاة بـ «المؤوّلة» فإنّها عند الکلّ مشتملة علی النسبة.
ولکنّه غیر تامّ؛ ضرورة أنّ معنیٰ هذه الجملة : هو أنّ زیداً کائن له البیاض، وثابت فی الدار، فما دام لم یعتبر المشتقّ لایصحّ الحمل، والمشتقّ معتبر من الذات بالحیثیّة الکمالیّة الملحوظة معها الفانیة فیها حتّیٰ یکون کمالاً لها، وإلاّ فهو أجنبیّ عنها، ولایکون مصحّحاً للحمل، کما هو الظاهر.
فالحروف فی هذه الجمل، حاکیات عن وجودات الأعراض القائمة بالذوات؛ أی أنّ مفهوم «البیاض» ومفهوم «الجسم» المتباینین بحسب التقرّر، مرتبطان بحسب الخارج، ولا رابط بینهما إلاّ بوجود العرض الذی لا نفسیّة له إلاّ فی الغیر.
فما هو المحکیّ بالحروف غیر ما هو المحکیّ بالهیئة؛ فإنّ المحکیّ بالحروف نفس الوجود فی الموضوع، والمحکیّ بالهیئة فناء ذلک مع ما یتعلّق به فی الموضوع؛ و«أنّه کماله» و«جماله» و «شأنه» و «طوره» وهکذا من العبائر المختلفة. فوجود النسبة فی القضایا بنحو الکلّی ممنوع؛ من غیر فرق بین أنحائها.
وممّا یشهد لذلک صحّة اعتبار القضایا المؤوّلة فی الماهیّات ولوزامها مع عدم لحاق الوجود بها فی هذا الاعتبار، فتأمّل جیّداً.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 136
فتحصّل : أنّ مفاد الحملیّات لابدّ وأن یکون الهوهویّة؛ من غیر فرق بین أنحائها، وإذا کانت هی کذلک، فلا محکیّ لها إلاّ الاتحاد والوحدة؛ واقعیّة کانت، أو اعتباریّة، أو ادعائیّة.
ثمّ إنّ أنحاء الحمل ثلاثة : أوّلی ذاتیّ وثانویّ عرضیّ وشائع صناعیّ:
فالأوّل : کـ «الإنسان حیوان ناطق» ممّا یکون مفاده التحدیدات المنطقیّة، سواء کانت التحدیدات تامّة؛ بأخذ جمیع الأجناس العالیة والسافلة والفصول فیها، أو کانت ناقصة؛ بأخذ الفصل الأخیر، أو هو مع الجنس الأخیر فیها، کما هو الشائع.
والثانی : کـ «الإنسان نوع وممکن» ممّا لا دخالة للوجود فی الحمل، بل نفس تقرّر الماهیّة کافٍ فی صحّة الحمل، ولا یکون المحمول من أجزاء الماهیّة والموضوع، ولا من عوارضه الخارجیّة ومن المحمولات بالضمیمة؛ بأن یکون الضمیمة مصداقاً ذاتیّاً للمحمول، والموضوعُ مصداقاً عرضیّاً؛ فإنّ المعقولیّة الملحوظة فی موضوع القضیّة المذکورة، لیست مصداق النوع، بل النوع مصداقه الإنسان العقلیّ.
وبذلک یظهر : أنّ المناط فی المحمولات بالضمیمة والخارج المحمول ماذا، ویتبیّن أنّ هذا أیضاً ثلاثة أقسام: المحمولات بالضمیمة، والخارج المحمول، والخارج المحمول بالضمیمة، کـ «الإنسان نوع».
والثالث : ما کان المحمول من العوارض الخارجیّة للموضوع، ویکون من الکمالات الوجودیّة أو العدمیّة له، ومفاده الهوهویّة فی الوجود، لا فی التقرّر کما فی القسم الثانی، ولا یکون الفرق بینهما بالإجمال والتفصیل، کما فی القسم الأوّل.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 137