المقصد الأوّل موضوع الاُصول وتعریفه مع نبذة من مباحث الألفاظ

الأمر الثالث : أنحاء الجمل الخبریة التامّة وأنحاء الجمل

الأمر الثالث : فی أنحاء الجمل الخبریة التامّة وأنحاء الجمل

‏ ‏

‏الجمل الخبریّة التامّة علیٰ أنحاء :‏

فمنها :‏ ما یکون مفادها الهوهویّة، کقولنا: «الإنسان إنسان» أو «حیوان‏‎ ‎‏ناطق» أو «ممکن» أو «نوع» أو «إنّه تعالیٰ موجود» و «الوجود نور» و «البیاض‏‎ ‎‏أبیض» ممّا یکون مفاد الکلّ واحداً؛ وهی الهوهویّة التی لا زیادة علیها، ولا واسطة‏‎ ‎‏بین الموضوع والمحمول حتّیٰ تسمّیٰ «نسبة».‏

وما اشتهر :‏ «من أنّ النسبة موجودة فی القضیّة»‏‎[1]‎‏ فهو فی القضایا الاُخر،‏‎ ‎‏دونها.‏

‏نعم، النسبة الحکمیّة التی هی مفاد الجملة التصدیقیّة، غیر النسبة الخارجیّة‏‎ ‎‏التی هی الوجود الزائد علی الموضوع.‏

ومنها :‏ ما یکون مفادها الهوهویّة، إلاّ أنّه فی القضایا المتعارفة فی العلوم،‏‎ ‎‏مثل «زید قائم» و «الجسم أبیض» و «الجوهر کذا» و «الطبیعة سیّالة» وهکذا، فإنّ‏‎ ‎‏المشهور فیها أنّ القضیّة مرکّبة من الموضوع، والمحمول، والنسبة‏‎[2]‎‏، ولکنّه فاسد.‏

‏بل قضیّة ما عرفت منّا عدم تمامیّة النسبة ؛ لأنّ اللابشرط من مراتب‏‎ ‎‏الجوهر، فما هو المحمول من کمالاته الفانیة فیه وشؤونه القائمة به‏‎[3]‎‏، فما أفاده‏‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 135
‏الوالد ـ مدّظلّه : من إنکار النسبة فی هذه القضایا‏‎[4]‎‏، حقّ محض لا شبهة فیه.‏

‏مع شهادة البرهان؛ لأنّه لو کان الأمر کما قیل یلزم إمّا المجاز، أو تعدّد‏‎ ‎‏الوضع، أو زیادة الصفات علی الذات الأحدیّة فی القضایا المستعملة فی حقّه تعالیٰ،‏‎ ‎‏مع أنّ الوجدان شاهد علیٰ خلافه.‏

‏فعناوین المشتقّات المأخوذة من الذوات بکمالاتها، لا تکون زائدة علیها،‏‎ ‎‏خصوصاً بناءً علی اعتبار الذات فیها، کما لایخفیٰ.‏

ومنها :‏ ما تکون من قبیل «زید له البیاض» و «هو فی الدار» من القضایا‏‎ ‎‏المسمّاة بـ «المؤوّلة» فإنّها عند الکلّ مشتملة علی النسبة.‏

‏ولکنّه غیر تامّ؛ ضرورة أنّ معنیٰ هذه الجملة : هو أنّ زیداً کائن له البیاض،‏‎ ‎‏وثابت فی الدار، فما دام لم یعتبر المشتقّ لایصحّ الحمل، والمشتقّ معتبر من الذات‏‎ ‎‏بالحیثیّة الکمالیّة الملحوظة معها الفانیة فیها حتّیٰ یکون کمالاً لها، وإلاّ فهو أجنبیّ‏‎ ‎‏عنها، ولایکون مصحّحاً للحمل، کما هو الظاهر.‏

‏فالحروف فی هذه الجمل، حاکیات عن وجودات الأعراض القائمة بالذوات؛‏‎ ‎‏أی أنّ مفهوم «البیاض» ومفهوم «الجسم» المتباینین بحسب التقرّر، مرتبطان‏‎ ‎‏بحسب الخارج، ولا رابط بینهما إلاّ بوجود العرض الذی لا نفسیّة له إلاّ فی الغیر.‏

‏فما هو المحکیّ بالحروف غیر ما هو المحکیّ بالهیئة؛ فإنّ المحکیّ‏‎ ‎‏بالحروف نفس الوجود فی الموضوع، والمحکیّ بالهیئة فناء ذلک مع ما یتعلّق به فی‏‎ ‎‏الموضوع؛ و«أنّه کماله» و«جماله» و «شأنه» و «طوره» وهکذا من العبائر المختلفة.‏‎ ‎‏فوجود النسبة فی القضایا بنحو الکلّی ممنوع؛ من غیر فرق بین أنحائها.‏

‏وممّا یشهد لذلک صحّة اعتبار القضایا المؤوّلة فی الماهیّات ولوزامها مع عدم‏‎ ‎‏لحاق الوجود بها فی هذا الاعتبار، فتأمّل جیّداً.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 136
فتحصّل :‏ أنّ مفاد الحملیّات لابدّ وأن یکون الهوهویّة؛ من غیر فرق بین‏‎ ‎‏أنحائها، وإذا کانت هی کذلک، فلا محکیّ لها إلاّ الاتحاد والوحدة؛ واقعیّة کانت، أو‏‎ ‎‏اعتباریّة، أو ادعائیّة.‏

‏ثمّ إنّ أنحاء الحمل ثلاثة : أوّلی ذاتیّ وثانویّ عرضیّ وشائع صناعیّ:‏

فالأوّل :‏ کـ «الإنسان حیوان ناطق» ممّا یکون مفاده التحدیدات المنطقیّة،‏‎ ‎‏سواء کانت التحدیدات تامّة؛ بأخذ جمیع الأجناس العالیة والسافلة والفصول فیها،‏‎ ‎‏أو کانت ناقصة؛ بأخذ الفصل الأخیر، أو هو مع الجنس الأخیر فیها، کما هو الشائع.‏

والثانی :‏ کـ «الإنسان نوع وممکن» ممّا لا دخالة للوجود فی الحمل، بل‏‎ ‎‏نفس تقرّر الماهیّة کافٍ فی صحّة الحمل، ولا یکون المحمول من أجزاء الماهیّة‏‎ ‎‏والموضوع، ولا من عوارضه الخارجیّة ومن المحمولات بالضمیمة؛ بأن یکون‏‎ ‎‏الضمیمة مصداقاً ذاتیّاً للمحمول، والموضوعُ مصداقاً عرضیّاً؛ فإنّ المعقولیّة‏‎ ‎‏الملحوظة فی موضوع القضیّة المذکورة، لیست مصداق النوع، بل النوع مصداقه‏‎ ‎‏الإنسان العقلیّ.‏

وبذلک یظهر :‏ أنّ المناط فی المحمولات بالضمیمة والخارج المحمول ماذا،‏‎ ‎‏ویتبیّن أنّ هذا أیضاً ثلاثة أقسام: المحمولات بالضمیمة، والخارج المحمول،‏‎ ‎‏والخارج المحمول بالضمیمة، کـ «الإنسان نوع».‏

والثالث :‏ ما کان المحمول من العوارض الخارجیّة للموضوع، ویکون من‏‎ ‎‏الکمالات الوجودیّة أو العدمیّة له، ومفاده الهوهویّة فی الوجود، لا فی التقرّر کما‏‎ ‎‏فی القسم الثانی، ولا یکون الفرق بینهما بالإجمال والتفصیل، کما فی القسم الأوّل.‏

‏ ‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 137

  • )) الجوهر النضید : 38 ، شرح المطالع : 113 ، نهایة الأفکار 1 : 56 ـ 57 ، منتهی الاُصول 1 : 24 .
  • )) المطوّل : 35، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 40، نهایة الأفکار 1: 56 ـ 57، منتهی الاُصول 1 : 24 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 91 ـ 92 .
  • )) مناهج الوصول 1 : 86 ـ 87 .