المقصد الأوّل موضوع الاُصول وتعریفه مع نبذة من مباحث الألفاظ

المقام الثانی : فیما یمکن تصوّره فی الوضع وأقسامه

المقام الثانی : فیما یمکن تصوّره فی الوضع وأقسامه

‏ ‏

‏وهو حسب ما یؤدّی إلیه النظر بدواً، ستّة عشر قسماً؛ وذلک لأنّ ملاحظة‏‎ ‎‏حالات الموضوع له والخصوصیّات الموجودة فیه، تورث عموم الموضوع وکونَه‏‎ ‎‏کلّیاً، مثل أعلام الأشخاص؛ فإنّ الموضوع له فیها هی الکلّیات المنحصرة بالفرد،‏‎ ‎‏ضرورة أنّ القیود اللاحقة بالطبائع، لا توجب الشخصیّة ما دام لم یلحق بها الوجود،‏‎ ‎‏ولم یلتصق بها لون الخارجیّة، وهی حقیقة الوجود.‏

‏ولا شبهة فی أنّ «زید موجود» قضیّة ممکنة، ولو کان الموضوع له خاصّاً‏‎ ‎‏کانت القضیّة ضروریّة بشرط المحمول.‏

‏ولاریب فی أنّ «زید معدوم» صحیح، ولو کان لحاظ الوجود داخلاً فی‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 95
‏المسمّیٰ کان ذلک غلطاً.‏

‏ولا شبهة فی أنّ انقسام زید إلیٰ موجود ومعدوم صحیح، ولو کان الأمر کما‏‎ ‎‏توهّم‏‎[1]‎‏ لکان ذلک باطلاً.‏

فها هنا علم :‏ أنّ الموضوع قد یکون عامّاً، وقد یکون کلّیاً منحصراً بالفرد.‏

وتوهّم :‏ أنّه من العامّ إذا کانت جمیع أفراده معدومة إلاّ الفرد الواحد فاسد؛‏‎ ‎‏ضرورة أنّ الفرق بینهما واضح، ولاینبغی الخلط بین عدم الصدق لعدم المصداق،‏‎ ‎‏وبین عدم قابلیّة الصدق.‏

‏ثمّ إنّ من أقسام الموضوع له ما هو الجزئیّ، کما فی اسم الجلالة «الله » تبارک‏‎ ‎‏وتعالیٰ، وکلِّ اسم لوحظ فی مسمّاه الوجود بنحو الجزئیّة، وکان هو تمام المسمّیٰ.‏

‏ومن تلک الأقسام ـ وهو القسم الرابع ـ : ما هو «الموضوع خاصّ» فی‏‎ ‎‏اصطلاحنا، کما فی أسماء الإشارة؛ فإنّ الموضوع هو الإشارة بالحمل الشائع إلیٰ‏‎ ‎‏المفرد المذکّر من غیر النظر إلی الخصوصیّات اللاحقة به، وإن کان لابدّ منها فی‏‎ ‎‏تحقّق المسمّیٰ وهو المفرد المذکّر، أو فی تحقّق طرف المسمّیٰ؛ بناءً علیٰ ما یأتی‏‎ ‎‏فی تحقیق أسماء الإشارة‏‎[2]‎‏.‏

فبالجملة :‏ فی الأقسام الأربعة إلاّ القسم الثالث، لا یلاحظ الوجود فی‏‎ ‎‏الموضوع له، وإن کان فی تحقّقه دخیلاً وأساساً.‏

‏وممّا یشهد علی أنّ خصوصیّات المصادیق فی الألفاظ التی موضوعاتها‏‎ ‎‏خاصّة لیست داخلة: أنّ بلفظة «هذا» یصحّ الإشارة إلیٰ فاقد جمیع الخصوصیّات،‏‎ ‎‏بل لو أمکن تحقّق المفرد المذکّر بدون جمیع اللواحق حتّیٰ الوجود، لصحّ الإشارة‏‎ ‎‏إلیه بکلمة «هذا» وما کان ذلک مجازاً بالضرورة.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 96
فتحصّل إلی هنا :‏ أنّ أقسام الموضوع له بحسب التصوّر أربعة، وإذا ضربت‏‎ ‎‏فی حالات الواضع ـ بحسب إمکان لحاظها ـ تصیر ستّة عشر، إلاّ أنّ کثیراً منها غیر‏‎ ‎‏صحیح:‏

‏أمّا فی الموضوع له العامّ، فیمکن «الوضع العامّ والوضع الکلّی» حسب‏‎ ‎‏اصطلاحنا ـ علی ما عرفت فی المقام الأوّل ـ والوضع الجزئیّ؛ لإمکان لحاظ زید‏‎ ‎‏بوجوده الذهنیّ، فإنّه عند ذلک یصیر جزئیّاً حقیقیّاً خارجیّاً، وجعْلِ لفظة «الإنسان»‏‎ ‎‏حذاءه، ثمّ التسریة إلیٰ جمیع المصادیق بالتعلیل علی الوجه المذکور‏‎[3]‎‏.‏

‏کما یمکن جعل «الإنسان» لزید الخارجیّ؛ مشیراً إلیٰ وجوده فی الخارج، ثمّ‏‎ ‎‏تعمیم الموضوع له بذکر العلّة، علیٰ نحو ما سبق.‏

‏وأمّا الوضع الخاصّ فربّما لایمکن؛ لأنّه إذا لوحظ زید بوجوده الذهنیّ، فإن‏‎ ‎‏جعل اللفظ حذاءه فیکون من الوضع الجزئیّ، وإن جعل حذاء المسمّیٰ مع قطع النظر‏‎ ‎‏عن الوجود، فیکون من الوضع الکلّی.‏

‏وأمّا الموضوع له الکلّی، فبالوضع الکلّی ممکن کما هو الظاهر. وبالوضع‏‎ ‎‏الخاصّ أیضاً ممکن ؛ إذا أفاد إلغاء الوجود بدالّ آخر. وأمّا بالوضع الجزئیّ فهو‏‎ ‎‏أیضاً ممکن بالوجه الآنف.‏

‏وأمّا بالوضع العامّ فهو غیر ممکن؛ لأنّ العامّ لایکون مرآةً للأخصّ بما هو‏‎ ‎‏أخصّ. ومجرّد المرآتیّة الإجمالیّة مع کون الواضع قاصداً إلی إسراء الوضع إلی‏‎ ‎‏الأخصّ، غیر کافٍ؛ لأنّ المدار فی الواضع علی الإنشاء، دون القصد والغرض.‏

‏وأمّا الموضوع له الخاصّ، فبالوضع العامّ واضح إلاّ علیٰ شبهة تأتی‏‎[4]‎‏.‏‎ ‎‏وبالوضع الکلّی کذلک؛ لأنّه یجعل مثلاً لفظة «الإنسان» لزید وما یشارکه فی‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 97
‏الذاتیّات القریبة.‏

ودعویٰ :‏ أنّه من تعدّد الوضع بالعطف، والمقصود تمکّنه بالوضع الواحد غیر‏‎ ‎‏بعیدة.‏

‏ومثله بالوضع الجزئیّ؛ إذا جعل اللفظة حذاء زید بقید الوجود.‏

‏وأمّا بالوضع الخاصّ، فهو أیضاً مثل ما مرّ ممنوع کما اُشیر إلیه؛ ضرورة أنّ‏‎ ‎‏الوجود فی الوضع الکلّی وإن اُخذ بشرط لا، وفی الوضع الجزئیّ وإن اُخذ بشرط‏‎ ‎‏شیء، وفی الوضع الخاصّ وإن اُخذ لا بشرط، إلاّ أنّه فی الواقع إمّا یقع اللفظ فی‏‎ ‎‏لحاظ الواضع حذاءه، أو لایقع، فإن وقع فهو الجزئیّ، وإن لم یقع فهو الکلّی، ولا‏‎ ‎‏شقّ ثالث فی هذه المرتبة، کما هو الظاهر.‏

‏وأمّا الموضوع له الجزئیّ، فلایمکن إلاّ بالوضع الکلّی؛ ضرورة أنّ لحاظ‏‎ ‎‏العامّ لایورث انحصار الوضع به، ولحاظَ الجزئیّ لایورث ذلک أیضاً؛ للزوم صحّة‏‎ ‎‏الحمل، وهی عند ذلک منفیّة؛ لعدم السرایة إلی الخارج، ولحاظ الخاصّ یرجع إلی‏‎ ‎‏أحد اللحاظین، کما مرّ.‏

مثلاً :‏ إذا اُرید وضع الکلمة الشریفة «الله » لخالق السموات والأرض، فلابدّ‏‎ ‎‏من لحاظ ما لا ینطبق إلاّ علیه، کالواجب بالذات وأمثاله، وأمّا لحاظ ذلک العنوان‏‎ ‎‏بقید الوجود الذهنیّ، فیمنع عن صحّة حمل کلمة «الله » علیه تعالیٰ وتقدّس، فعلیه‏‎ ‎‏یتعیّن فی مثله وما اُخذ الوجود الخارجیّ فی نحو حقیقته؛ من اللحاظ الکلّی غیر‏‎ ‎‏القابل للصدق إلاّ علیه، حتّیٰ یتحقّق الوضع.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 98

  • )) بدائع الأفکار ، المحقّق الرشتی ، 39 / السطر 33 .
  • )) یأتی فی الصفحة 130 ـ 132 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 70 ـ 73 .
  • )) تأتی فی الصفحة 77 ـ 78 .