المقام الثانی : فیما یمکن تصوّره فی الوضع وأقسامه
وهو حسب ما یؤدّی إلیه النظر بدواً، ستّة عشر قسماً؛ وذلک لأنّ ملاحظة حالات الموضوع له والخصوصیّات الموجودة فیه، تورث عموم الموضوع وکونَه کلّیاً، مثل أعلام الأشخاص؛ فإنّ الموضوع له فیها هی الکلّیات المنحصرة بالفرد، ضرورة أنّ القیود اللاحقة بالطبائع، لا توجب الشخصیّة ما دام لم یلحق بها الوجود، ولم یلتصق بها لون الخارجیّة، وهی حقیقة الوجود.
ولا شبهة فی أنّ «زید موجود» قضیّة ممکنة، ولو کان الموضوع له خاصّاً کانت القضیّة ضروریّة بشرط المحمول.
ولاریب فی أنّ «زید معدوم» صحیح، ولو کان لحاظ الوجود داخلاً فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 95
المسمّیٰ کان ذلک غلطاً.
ولا شبهة فی أنّ انقسام زید إلیٰ موجود ومعدوم صحیح، ولو کان الأمر کما توهّم لکان ذلک باطلاً.
فها هنا علم : أنّ الموضوع قد یکون عامّاً، وقد یکون کلّیاً منحصراً بالفرد.
وتوهّم : أنّه من العامّ إذا کانت جمیع أفراده معدومة إلاّ الفرد الواحد فاسد؛ ضرورة أنّ الفرق بینهما واضح، ولاینبغی الخلط بین عدم الصدق لعدم المصداق، وبین عدم قابلیّة الصدق.
ثمّ إنّ من أقسام الموضوع له ما هو الجزئیّ، کما فی اسم الجلالة «الله » تبارک وتعالیٰ، وکلِّ اسم لوحظ فی مسمّاه الوجود بنحو الجزئیّة، وکان هو تمام المسمّیٰ.
ومن تلک الأقسام ـ وهو القسم الرابع ـ : ما هو «الموضوع خاصّ» فی اصطلاحنا، کما فی أسماء الإشارة؛ فإنّ الموضوع هو الإشارة بالحمل الشائع إلیٰ المفرد المذکّر من غیر النظر إلی الخصوصیّات اللاحقة به، وإن کان لابدّ منها فی تحقّق المسمّیٰ وهو المفرد المذکّر، أو فی تحقّق طرف المسمّیٰ؛ بناءً علیٰ ما یأتی فی تحقیق أسماء الإشارة.
فبالجملة : فی الأقسام الأربعة إلاّ القسم الثالث، لا یلاحظ الوجود فی الموضوع له، وإن کان فی تحقّقه دخیلاً وأساساً.
وممّا یشهد علی أنّ خصوصیّات المصادیق فی الألفاظ التی موضوعاتها خاصّة لیست داخلة: أنّ بلفظة «هذا» یصحّ الإشارة إلیٰ فاقد جمیع الخصوصیّات، بل لو أمکن تحقّق المفرد المذکّر بدون جمیع اللواحق حتّیٰ الوجود، لصحّ الإشارة إلیه بکلمة «هذا» وما کان ذلک مجازاً بالضرورة.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 96
فتحصّل إلی هنا : أنّ أقسام الموضوع له بحسب التصوّر أربعة، وإذا ضربت فی حالات الواضع ـ بحسب إمکان لحاظها ـ تصیر ستّة عشر، إلاّ أنّ کثیراً منها غیر صحیح:
أمّا فی الموضوع له العامّ، فیمکن «الوضع العامّ والوضع الکلّی» حسب اصطلاحنا ـ علی ما عرفت فی المقام الأوّل ـ والوضع الجزئیّ؛ لإمکان لحاظ زید بوجوده الذهنیّ، فإنّه عند ذلک یصیر جزئیّاً حقیقیّاً خارجیّاً، وجعْلِ لفظة «الإنسان» حذاءه، ثمّ التسریة إلیٰ جمیع المصادیق بالتعلیل علی الوجه المذکور.
کما یمکن جعل «الإنسان» لزید الخارجیّ؛ مشیراً إلیٰ وجوده فی الخارج، ثمّ تعمیم الموضوع له بذکر العلّة، علیٰ نحو ما سبق.
وأمّا الوضع الخاصّ فربّما لایمکن؛ لأنّه إذا لوحظ زید بوجوده الذهنیّ، فإن جعل اللفظ حذاءه فیکون من الوضع الجزئیّ، وإن جعل حذاء المسمّیٰ مع قطع النظر عن الوجود، فیکون من الوضع الکلّی.
وأمّا الموضوع له الکلّی، فبالوضع الکلّی ممکن کما هو الظاهر. وبالوضع الخاصّ أیضاً ممکن ؛ إذا أفاد إلغاء الوجود بدالّ آخر. وأمّا بالوضع الجزئیّ فهو أیضاً ممکن بالوجه الآنف.
وأمّا بالوضع العامّ فهو غیر ممکن؛ لأنّ العامّ لایکون مرآةً للأخصّ بما هو أخصّ. ومجرّد المرآتیّة الإجمالیّة مع کون الواضع قاصداً إلی إسراء الوضع إلی الأخصّ، غیر کافٍ؛ لأنّ المدار فی الواضع علی الإنشاء، دون القصد والغرض.
وأمّا الموضوع له الخاصّ، فبالوضع العامّ واضح إلاّ علیٰ شبهة تأتی. وبالوضع الکلّی کذلک؛ لأنّه یجعل مثلاً لفظة «الإنسان» لزید وما یشارکه فی
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 97
الذاتیّات القریبة.
ودعویٰ : أنّه من تعدّد الوضع بالعطف، والمقصود تمکّنه بالوضع الواحد غیر بعیدة.
ومثله بالوضع الجزئیّ؛ إذا جعل اللفظة حذاء زید بقید الوجود.
وأمّا بالوضع الخاصّ، فهو أیضاً مثل ما مرّ ممنوع کما اُشیر إلیه؛ ضرورة أنّ الوجود فی الوضع الکلّی وإن اُخذ بشرط لا، وفی الوضع الجزئیّ وإن اُخذ بشرط شیء، وفی الوضع الخاصّ وإن اُخذ لا بشرط، إلاّ أنّه فی الواقع إمّا یقع اللفظ فی لحاظ الواضع حذاءه، أو لایقع، فإن وقع فهو الجزئیّ، وإن لم یقع فهو الکلّی، ولا شقّ ثالث فی هذه المرتبة، کما هو الظاهر.
وأمّا الموضوع له الجزئیّ، فلایمکن إلاّ بالوضع الکلّی؛ ضرورة أنّ لحاظ العامّ لایورث انحصار الوضع به، ولحاظَ الجزئیّ لایورث ذلک أیضاً؛ للزوم صحّة الحمل، وهی عند ذلک منفیّة؛ لعدم السرایة إلی الخارج، ولحاظ الخاصّ یرجع إلی أحد اللحاظین، کما مرّ.
مثلاً : إذا اُرید وضع الکلمة الشریفة «الله » لخالق السموات والأرض، فلابدّ من لحاظ ما لا ینطبق إلاّ علیه، کالواجب بالذات وأمثاله، وأمّا لحاظ ذلک العنوان بقید الوجود الذهنیّ، فیمنع عن صحّة حمل کلمة «الله » علیه تعالیٰ وتقدّس، فعلیه یتعیّن فی مثله وما اُخذ الوجود الخارجیّ فی نحو حقیقته؛ من اللحاظ الکلّی غیر القابل للصدق إلاّ علیه، حتّیٰ یتحقّق الوضع.
کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 98