المقصد الأوّل موضوع الاُصول وتعریفه مع نبذة من مباحث الألفاظ

الناحیة الثالثة : فی موضوع علم الاُصول

الناحیة الثالثة فی موضوع علم الاُصول

‏ ‏

‏فالمعروف إلی العصور الأخیرة : أنّ موضوعه «الأدلّة الأربعة بما هی أدلّة»‏‎[1]‎‎ ‎‏کما یستظهر من الفاضل القمّی ‏‏قدس سره‏‎[2]‎‏.‏

‏وعدل عنه «الفصول» وقال : «موضوعه الأدلّة بذاتها»‏‎[3]‎‏ ظنّاً أنّ الإشکالات‏‎ ‎‏المتوهّمة فی المسألة تندفع بذلک.‏

‏وقال جماعة : بعدم الموضوع له‏‎[4]‎‏.‏

وقیل :‏ «موضوعه کلّ ما کان من عوارضه واقعاً فی طریق استنباط الحکم‏‎ ‎‏الشرعیّ، أو ما ینتهی إلیه العمل»‏‎[5]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 55
‏وقال فی «الکفایة» : «موضوعه هو الکلّی المنطبق علیٰ موضوعات مسائله‏‎ ‎‏المتشتّتة»‏‎[6]‎‏.‏

‏وذهب الوالد المحقّق ـ مدّظلّه وبعض السادة من أساتیذنا إلیٰ أنّه الحجّة فی‏‎ ‎‏الفقه‏‎[7]‎‏، ظنّاً أنّه غیر ما نسب إلی الأکثر، مع أنّ الأمر لیس کذلک؛ فإنّ ماهو‏‎ ‎‏الموضوع عنوان «الدلیل بما هو دلیل» وهو صادق علی الأربعة.‏

‏نعم، لابدّ من التقیید بقولهم: «فی الفقه» لئلاّ یشترک معه العلوم الاُخری التی‏‎ ‎‏یحتجّ فیها بتلک الأدلّة.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ موضوع الاُصول لیس مثل موضوع النحو مرکّباً، حتّیٰ یکون‏‎ ‎‏هی الأربعة، بل هو العنوان الواحد المقیّد؛ وهو الدلیل فی الفقه. وعدم ذکر القید فی‏‎ ‎‏کلام القائلین به لوضوحه.‏

إن قلت :‏ یلزم خروج جمیع مباحث الاُصول إلاّ المباحث الراجعة إلیٰ‏‎ ‎‏تعارض الأدلّة‏‎[8]‎‏؛ لأنّ البحث عن خصوصیّات الموضوع وأصل تحقّقه، لیس إلاّ من‏‎ ‎‏المبادئ التصوّریة فی العلم، وهذا ممّا لایمکن الالتزام به.‏

‏والعدول إلیٰ ما فی «الفصول»‏‎[9]‎‏ لایخلو من التأسّف؛ لأنّه مضافاً إلیٰ عدم‏‎ ‎‏حلّ الشبهة به ـ ضرورة أنّ البحث فی مباحث الملازمات العقلیّة، بل والاُصول‏‎ ‎‏العملیّة وهکذا، لیس من العوارض لذات الدلیل ـ أنّ مباحث المعارضة بین الأدلّة‏‎ ‎‏تکون خارجة، إلاّ بدعویٰ أنّ المراد من «الدلیل» هی الحجّة الفعلیّة، لا الأعمّ منها‏‎ ‎‏ومن الحجّة الذاتیّة.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 56
قلت :‏ هذا بناءً علی التوهّم المشهور : من کون موضوع العلم جامع‏‎ ‎‏موضوعات المسائل، وأمّا علیٰ ما عرفت: من أنّه جامع محمولات المسائل،‏‎ ‎‏فلایلزم الإشکال، وقد مرّ بیان الکبری الکلّیة فی ذلک‏‎[10]‎‏.‏

‏وفی مقام تطبیقها علیٰ موضوع الاُصول نقول : موضوع کلّ علم إمّا هو‏‎ ‎‏الثابت بالضرورة، أو یثبت فی العلم الأعلیٰ، وأمّا فی نفس العلم فهو الأمر الواضح،‏‎ ‎‏ویکون البحث فی الجهات المجهولة والاُمور غیر المعلومة التی من عوارضه الذاتیّة.‏

‏فأصل وجود الحجّة علی الأحکام الثابتة فی الشریعة المقدّسة، ممّا لا شبهة‏‎ ‎‏فیه؛ فإنّا نعلم بالتکالیف، ونعلم بلزوم الخروج عن عهدة تلک الوظائف الإلهیّة، ولا‏‎ ‎‏نعلم أنّ ما هو الحجّة أی شیء، وأیّ أمر یکون هو الدلیل علیٰ تلک الوظائف، فیقع‏‎ ‎‏هذا مورد الفحص والبحث، فهل الخبر الواحد حجّة، أو الشهرة حجّة، أو‏‎ ‎‏الاستصحاب حجّة، أو الخبر المعارض حجّة... وهکذا؟‏

‏وکون الحجّة محمولاً فی تلک القضایا، لایستلزم عدم کون الجامع موضوعاً‏‎ ‎‏للعلم؛ لعدم البرهان علیٰ لزوم ذلک، کما عرفت‏‎[11]‎‏.‏

وإن شئت قلت :‏ ماهو موضوع العلم هنا أیضاً جامع الموضوعات، إلاّ أنّ‏‎ ‎‏حقیقة القضایا المستعملة فی العلم: «أنّ الحجّة المعلومة بالإجمال، هل هی الشهرة،‏‎ ‎‏أم الإجماع، أو السنّة، أو الکتاب، أو غیر ذلک؟» فالاُصولیّ یفحص عن تعیّنات‏‎ ‎‏الحجّة وتطوّراتها ومظاهرها، کما فی العلم الإلهیّ الأعظم.‏

إن قلت :‏ الأمر کما اُشیر إلیه فی کثیر من مباحث العلم، کالظواهر،‏‎ ‎‏والاستصحاب وخبر الواحد، ولکن أکثر المسائل الاُصولیّة تکون خارجة، کالبحث‏‎ ‎‏عن مسألة اجتماع الأمر والنهی، ووجوب المقدّمة، ومسائل البراءة والاشتغال؛ ممّا‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 57
‏لا اسم عن الحجّة فیها‏‎[12]‎‏.‏

قلت :‏ کلاّ؛ فإنّ المراد من «کون موضوع علم الاُصول هی الحجّة» هو أنّ‏‎ ‎‏الاُصولیّ یتفحّص عمّا یمکن أن یحتجّ به فی الفقه، سواء کان الاحتجاج لإثبات‏‎ ‎‏حکم، أو نفیه، کحجّیّة خبر الثقة والاستصحاب، أو لإثبات العذر أو قطعه، کمسائل‏‎ ‎‏البراءة والاشتغال.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ مسائل علم الاُصول إمّا هی القواعد الشرعیّة، کحجّیة‏‎ ‎‏الاستصحاب، أو القواعد العقلائیّة، کحجّیة الظواهر، أو القواعد العقلیّة التی یثبت بها‏‎ ‎‏الحکم الشرعیّ، کمسائل الاجتماع، والمقدّمة، وحرمة الضدّ، أو القواعد العقلیّة‏‎ ‎‏لإثبات العذر وقطعه، کمسائل البراءة والاشتغال، وکلّ ذلک حجّة للفقیه فی‏‎ ‎‏الاستنباط، ولیس مسألة من المسائل الاُصولیّة إلاّ ویحتجّ بها فی الفقه بنحو من‏‎ ‎‏الاحتجاج، فیصدق علیها «أنّها هی الحجّة فی الفقه».‏

إن قیل :‏ بناءً علیه وإن یندرج جلّ المسائل الاُصولیّة فیما هو الموضوع وهو‏‎ ‎‏«الدلیل فی الفقه» بل مباحث الاجتهاد والتقلید مندرجة؛ لأنّ الجهة المبحوث عنها‏‎ ‎‏هی حجّیة فتوی الفقیه لنفسه ولغیره، وحجّیة التقلید، وحجّیة العلم الإجمالیّ الکبیر‏‎ ‎‏والصغیر وهکذا، إلاّ أنّ مباحث الضدّ واجتماع الأمر والنهی خارجة عنه؛ لعدم‏‎ ‎‏البحث فیها حول الحجّیة، بخلاف مثل مباحث البراءة والاشتغال والتعارض‏‎ ‎‏والتخییر، کما هو الواضح.‏

قلنا :‏ مناط کون المسألة من مسائل العلم؛ انطباق عنوان الموضوع علیها،‏‎ ‎‏وکونها من العوارض الذاتیّة له، سواء کانت مسألة ضروریّة، أو نظریّة؛ فإنّ فی‏‎ ‎‏العلوم مسائل مختلفةً، وفی تلک المسائل ماهی الضروریات الأوّلیّة، کمسألة امتناع‏‎ ‎‏إعادة المعدوم مثلاً، وهکذا مسألة حجّیة القطع، مع أنّهما من مسائل العلم، فعلیه‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 58
‏لامانع من کون البحث فی حجّیة المفاهیم أیضاً من مباحث العلم؛ لأنّ کون النزاع‏‎ ‎‏صغرویّاً، لایورث عدم کونها من مسائل العلم.‏

‏نعم، البحث عن وجود المفهوم وعدمه، من المبادئ لتلک المسألة التی هی‏‎ ‎‏مفروغ عنها وثابتة بالضرورة، کمسألة القطع، بل والعلم الإجمالیّ، دون الحجّة‏‎ ‎‏الإجمالیّة، فلا تخلط.‏

‏إذا عرفت ذلک فاعلم : أنّ الجهة المبحوث عنها فی المسائل المشار إلیها وإن‏‎ ‎‏لم تکن من مسائل العلم، إلاّ أنّ ذلک فی حکم الصغریٰ، ومن المبادئ لما هو الحجّة‏‎ ‎‏بالضرورة، فإذا ثبتت الملازمة مثلاً بین الإرادة الأصلیّة والإرادة المتعلّقة بالمقدّمة،‏‎ ‎‏فلابدّ أن یجب شرعاً ذلک، إلاّ أنّ ثبوت تلک الإرادة محلّ البحث، کثبوت القطع فی‏‎ ‎‏قطع القطّاع؛ فإنّه یبحث عنه فی أنّ قطعه هو القطع الحجّة، أو لیس هو ذلک.‏

فبالجملة :‏ یمکن إدراج تلک المسائل فی موضوع العلم.‏

‏ولکنّه مع ذلک ربّما یشکل الأمر؛ لأنّ مناط المسألة الاُصولیّة، هو إمکان‏‎ ‎‏کونها واقعة فی طریق الاستنباط إمکاناً ذاتیّاً ووقوعیّاً واستعدادیّاً قریباً، لا بعیداً،‏‎ ‎‏وعند ذلک یخرج مباحث المعانی الحرفیّة، والوضع، والمشتقّات، والصحیح والأعمّ،‏‎ ‎‏وکثیر من مباحث الأمر والنهی، والمسائل المشار إلیها من هذا القبیل.‏

‏ولو صحّ إدراج تلک المسائل بالتقریب المزبور فی الموضوع المذکور، للزم‏‎ ‎‏إدراج مباحث اللغة والنحو والصرف أیضاً، التی ربّما یحتاج إلیها الاُصولیّ فی‏‎ ‎‏تحریر مسائله، فخروج هذه المباحث من علم الاُصول، ممّا لابدّ منه.‏

وإن شئت قلت :‏ المراد من «الحجّة والدلیل» إن کان کلّ ما یمکن احتجاج‏‎ ‎‏الفقیه به فی إثبات محمول المسألة لموضوعها فی الفقه، فهو أعمّ من الکبریات‏‎ ‎‏الاُصولیّة بالضرورة.‏

‏وإن کان المراد منه هی الحجّة؛ بمعنی الوسط فی الإثبات، فمباحث البراءة‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 59
‏والاشتغال خارجة، بل مباحث العامّ والخاصّ والمطلق والمقیّد وهکذا، أیضاً‏‎ ‎‏تخرج، فتدبّر جیّداً.‏

‏هذا مع شموله القواعد الفقهیّة، فلا یکون الموضوع المزبور جامعاً، ولا مانعاً.‏

والذی هو التحقیق :‏ أنّ علم الاُصول دوّن لأجل الفقه، والمقصود فیه تحریر‏‎ ‎‏المسائل التی یبتلی بها الفقیه فی المسائل الفرعیّة، ولأجل الفرار من التکرار‏‎ ‎‏ولأغراض اُخر، بنوا علیٰ تدوین علم تکفّل لتلک المسائل والمباحث، وصار ـ بعد‏‎ ‎‏المختصرات السابقة ـ علماً کافلاً للعلوم المتشتّتة، راقیاً فی قضایاه.‏

‏وعلیٰ هذا، لاینبغی تصویر الموضوع الجامع بین تلک المسائل الشتّیٰ، بل‏‎ ‎‏لایعقل؛ للاختلاف الذاتی بین مباحث المعانی الحرفیّة والمشتقّات والصحیح‏‎ ‎‏والأعمّ، ومباحث الحجج العقلائیّة، کخبر الواحد والشهرة والقطع والظنّ وغیر ذلک،‏‎ ‎‏فإنّ الاُولیات إلی مباحث الأدب واللّغة من تلک المسائل أقرب، والسنخیّة الشدیدة‏‎ ‎‏بینها وبین تلک العلوم الأدبیّة موجودة بالضرورة.‏

‏فعلیٰ هذا، لابدّ من تصویر الجامع الصحیح الذی هو الرابطة بین مسائل‏‎ ‎‏الاُصول، ویکون أبعد من الإشکالات :‏

فنقول :‏ أمّا توهّم کونها ذوات الأدلّة وذات الحجّة‏‎[13]‎‏، فهو فاسد؛ ضرورة عدم‏‎ ‎‏الجامع بین الذوات المتباینة، حتّیٰ یکون هو الموضوع. وعنوان «الذات» بالنسبة‏‎ ‎‏إلیٰ ذوات موضوعات المسائل وإن کان جامعاً عرضیّاً، إلاّ أنّ المقصود هنا هو‏‎ ‎‏العنوان المشیر إلیٰ تلک الذوات؛ لعدم إمکان أخذ الذات المطلقة، وعدم إمکان أخذ‏‎ ‎‏الذات المقیّدة بالإضافة إلی الأدلّة؛ للزوم الإشکال أیضاً، فلابدّ أن یراد منه العنوان‏‎ ‎‏المشیر، فکیف یکون هو موضوع العلم؟! فلابدّیة کون الموضوع جامعاً ذاتیّاً أو‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 60
‏عرضیّاً، منظور فیها، وإلاّ یلزم تعدّد العلم؛ لتعدّد الموضوع بتعدّد المسألة، کما‏‎ ‎‏لایخفیٰ. وهو الدلیل والحجّة.‏

‏إلاّ أنّه لابدّ من أن یقال : بأنّ موضوع علم الاُصول «هو الدلیل والحجّة علی‏‎ ‎‏المسألة الفقهیّة، أو ما یؤدّی إلیه تأدیة عامّة».‏

‏والمراد من «الحجّة» لیس ما یحتجّ به العبد علی المولیٰ وبالعکس فی مقام‏‎ ‎‏الامتثال؛ ضرورة أنّ من الممکن احتجاج بعضهم علیٰ بعض بالمسائل اللغویّة، فلو‏‎ ‎‏عصی العبد، وشرب الخمر؛ بدعویٰ أنّه لیس موضوعاً للمسکر، فیحتجّ علیه المولیٰ‏‎ ‎‏بتصریح اللغویّین : «بأنّه المسکر» وهکذا القواعد الفقهیّة. فما أفاده العلمان فی‏‎ ‎‏تحریر ما ذکراه لایتمّ‏‎[14]‎‏.‏

‏فالمراد من «الحجّة» هی الوسط فی إثبات ماهو الحکم والمحمول فی‏‎ ‎‏المسألة الفقهیّة لموضوعها. والمراد من «المحمول» أعمّ من الأمر الإیجابیّ الثابت‏‎ ‎‏للموضوع، أو الأمر العدمیّ، أو سلب أمر من الاُمور المحتملة، فلو شکّ فی وجوب‏‎ ‎‏شیء فهو مسألة فقهیّة، والجواب عنها: «أنّه لیس بواجب أو بحرام؛ لأنّه مشکوک،‏‎ ‎‏وکلّ مشکوک مرفوع» أو «کلّ مشکوک قبیح العقاب علیه، فهو قبیح العقاب علیه».‏

‏فجمیع المسائل الاُصولیّة، تقع دلیلاً علی المسألة الفقهیّة، أو تؤدّی إلیٰ ذلک،‏‎ ‎‏کالمباحث الأدبیّة المشار إلیها، فإنّها تؤدّی إلیٰ تنجّز الحکم فی مورد، وعدمه فی‏‎ ‎‏آخر، وتمامیّة الحجّة وعدمها وهکذا، فلا تخلط.‏

‏وأمّا القواعد الفقهیّة، فهی وإن کانت تقع ـ حسب الشکل الأوّل ـ کبریٰ، إلاّ‏‎ ‎‏أنّ الاحتیاج إلیٰ تشکیل الشکل الأوّل ممنوع؛ لأنّ الفرق بین المسائل الاُصولیّة‏‎ ‎‏والقواعد الفقهیّة: هو أنّ الاُولیٰ تکون مورد النظر من حیث الخصوصیّات اللغویّة‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 61
‏الملحوظة فیها، بخلاف الثانیة؛ فإنّ النظر فیها إلی المعنی الأعمّ من ذلک.‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ المسائل الاُصولیّة هی الواسطة فی الثبوت، والقواعد الفقهیّة‏‎ ‎‏هی الواسطة فی العروض؛ ضرورة أنّ الشهرة أجنبیّة عن موضوع المسألة وهو‏‎ ‎‏«فعل المکلّف» الذی اُرید إثبات الوجوب مثلاً له، وقاعدة «ما یضمن بصحیحه ...»‏‎ ‎‏منطبقة علیٰ مصادیقها الذاتیّة، وبعد الانطباق یثبت الحکم قهراً، فافهم واغتنم.‏

‏هذا، والذی یسهّل الخطب : أنّ علم الاُصول لیس بعلم کسائر العلوم الحقیقیّة‏‎ ‎‏أو الاعتباریة؛ وذلک لأنّ الذی کان فی أوّل الأمر مدوّناً هو الفقه، ولمّا کان الفقیه‏‎ ‎‏محتاجاً إلیٰ تحریر بعض المسائل التی یکثر الابتلاء بها فی الفقه، وکان یریٰ لزوم‏‎ ‎‏تکرارها فی الکتب العدیدة، بل والمسائل المختلفة من أوّل الفقه إلیٰ آخره، دوّن فی‏‎ ‎‏دیباجة الکتاب وفی مقدّمته ما یکون شاملاً لهذه المباحث، ثمّ بعد الاستکمال صار‏‎ ‎‏ذلک کثیرَ المسائل، فرآه أنّه بلغ إلیٰ حدّ یلیق بالاستقلال.‏

‏ولذلک تری المباحث فیه مختلفة تجمعها السنخیّة، إلاّ أنّ بینها الاختلاف؛‏‎ ‎‏فإنّ منها ما هو لغویّ محض، ومنها ما هو عقلیّ محض، ولیس أحد من العلوم‏‎ ‎‏المدوّنة إلیٰ عصرنا، تکون مسائله متباعدة بعضها عن بعض إلیٰ هذا الحدّ.‏

‏ولذلک یشکل تصویر الموضوع له، فأنکر جماعة موضوع جمیع العلوم، أو‏‎ ‎‏طائفة منها‏‎[15]‎‏، مع أنّ الأمر لیس کما توهّموه، وقال الآخرون بالإبهام والإجمال‏‎[16]‎‏،‏‎ ‎‏کما مضیٰ تفصیله‏‎[17]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 62
‏وهکذا یشکل تعریفه، کما یأتی‏‎[18]‎‏.‏

‏فعلیٰ ما ذکرنا، یمکن جعل المبادئ التصوّریة والتصدیقیّة التی لیست من‏‎ ‎‏العلم، داخلةً فیه، فیکون جلّ ـ لولا کلّ ـ المسائل المبحوث عنها فی علم الاُصول‏‎ ‎‏فعلاً، من العلم. وتوهّم تعدّد الموضوع فی العلم الواحد‏‎[19]‎‏، مندفع بما سمعت منّا‏‎ ‎‏تفصیلاً فی تحریر موضوع العلوم ومعناه‏‎[20]‎‏.‏


کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 63

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 64

  • )) مناهج الأحکام، النراقی: 3، فرائد الاُصول 1 : 60 ، ضوابط الاُصول: 8 .
  • )) قوانین الاُصول 1 : 9 / السطر 21 .
  • )) الفصول الغرویّة : 11 ـ 12 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1: 23 ، محاضرات فی اُصول الفقه 1 : 28 .
  • )) فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 29 .
  • )) کفایة الاُصول : 22 .
  • )) أنوار الهدایة 1 : 270 ـ 271 ، نهایة الاُصول : 15 .
  • )) درر الفوائد، المحقّق الحائری : 33، بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1: 20 21، أنوار الهدایة 1 : 268 ـ 271 .
  • )) الفصول الغرویّة : 11 ـ 12 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 18 ـ 19 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 15 ـ 16 .
  • )) لاحظ أنوار الهدایة 1 : 272 .
  • )) الفصول الغرویّة : 11 ـ 12 .
  • )) نهایة الاُصول : 15 ـ 16، أنوار الهدایة 1 : 270 ـ 271 .
  • )) بدائع الأفکار (تقریرات المحقّق العراقی) الآملی 1 : 23، منتهی الاُصول 1: 6 ـ 9، محاضرات فی اُصول الفقه 1 : 15 ـ 20 .
  • )) درر الفوائد، المحقّق الحائری : 33 ـ 34، فوائد الاُصول (تقریرات المحقّق النائینی) الکاظمی 1 : 29 ، تهذیب الاُصول 1 : 8 ـ 9 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 33 ـ 34 .
  • )) یأتی فی الصفحة 47 ـ 50 .
  • )) کفایة الاُصول : 22، محاضرات فی اُصول الفقه 1 : 24 ـ 25 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 31 ـ 32 .