المقصد الأوّل موضوع الاُصول وتعریفه مع نبذة من مباحث الألفاظ

النظر الثالث : فی المراد من «العرض الذاتی»

النظر الثالث : فی المراد من «العرض الذاتی»

‏ ‏

‏بعدما عرفت جملة من أقسام الأعراض وتقسیماتها علی الاختصار، تصل‏‎ ‎‏النوبة لتفسیر العرض الذاتیّ، فعن القدماء تفسیر العرض الذاتیّ: «بما یعرض‏‎ ‎‏للشیء، بحیث یکون هو کافیاً فی العروض، أو تکون الواسطة مساویةً له فی‏‎ ‎‏الصدق»‏‎[1]‎‏ کالوحدة، والوجود، وسائر العناوین المساوقة معه؛ فإنّ نفی قابلیّة‏‎ ‎‏القسمة عن الوجود خارجاً؛ لأجل وحدته، وإثبات النورانیّة لتلک الوحدة؛ لأجل‏‎ ‎‏الوجود، وهذه السرایة لأجل الاتحاد.‏

‏ومن هذا القبیل النوع والفصل، فإنّ ما یثبت للفصل یثبت للنوع، وبالعکس،‏‎ ‎‏مع اختلافهما فی المفهوم. وهذا هو المعروف فی کلام جماعة بـ «الجزء الداخلیّ»‏‎ ‎‏فإنّ الفصل هو الجزء الداخلیّ للنوع المساوی معه فی الصدق.‏

‏وقال الآخرون : «بأنّ الأعراض الذاتیّة هی التی تعرض للشیء؛ بمعنیٰ أن‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 44
‏تکون صفة له بحال نفسه، لا بحال متعلّقه، فإنّه بالعرض والمجاز»‏‎[2]‎‏.‏

‏ووجه الابتلاء بهذا التفسیر، توهّمهم أنّ المراد من «العوارض الذاتیّة» فی‏‎ ‎‏الجملة الواصلة إلینا فی تعریف موضوع العلم، هو العرض الذاتیّ المصطلح علیه فی‏‎ ‎‏العلم الأعلیٰ، مع أنّ الأمر لیس کذلک کما یأتی‏‎[3]‎‏. ولو کان الابتلاء بالإشکال‏‎ ‎‏موجباً للتدخّل فی المراد من کلمات القوم، وتفسیرها بوجه آخر لحلّ الإشکال،‏‎ ‎‏لکان ذلک باباً واسعاً فی حلّ الشبهات، وربّما یأتی بعد زماننا هذا من یفسّرها بأمرٍ‏‎ ‎‏آخر؛ لاستلزامه لإشکالات اُخر، فتدبّر.‏

والذی أظنّه بعد التأمّل التامّ :‏ أنّ الأعراض الذاتیّة قبال الأعراض الأجنبیّة‏‎ ‎‏والغریبة، فما کان من العوارض لاحقاً بذات من الذوات ـ بمعنیٰ أن تکون الذات‏‎ ‎‏کافیة بذاتها لعروضه علیها ـ فهو العرض الذاتیّ؛ أی یخصّ بذات دون الذوات‏‎ ‎‏الاُخر، ولا شریک لتلک الذات من أمر آخر یعرضه هذا العرض، ولا شریک لتلک‏‎ ‎‏الذات دخیل فی عروضه علیها من العلل.‏

‏فالعرض الذاتیّ ما یخصّ بذات، وقهراً تکون تلک الذات موضوع الاعتبار‏‎ ‎‏المذکور، وعلّةَ العرض المزبور، فلا یکون الزوجیّة من عوارض «الأربعة» الذاتیّة؛‏‎ ‎‏لاشتراک «الستّة» معها فیها، ولا التعجّب من العوارض الذاتیّة للإنسان؛ لاشتراک‏‎ ‎‏الأنواع الاُخر المشابهة معه فی الإدراک الکلّی، فهذا العرض غریب وأجنبیّ عن‏‎ ‎‏الذات المعیّنة المخصوصة بالنظر.‏

‏وهکذا کلّ عرض یکون کذلک هو العرض الغریب، فما لا یعرض للشیء‏‎ ‎‏حقیقة، ویعرض له لأجل الجهة المعانقة معه من الأجزاء الداخلیّة، أو الاُمور‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 45
‏الخارجیّة ـ سواء کانت أعمّ، أو أخصّ، أو مباینة، کما مضیٰ أمثلتها‏‎[4]‎‏ ـ فهو‏‎ ‎‏الغریب.‏

‏وقد تصدّیٰ جمع لتفسیر الأعراض الذاتیّة والغریبة‏‎[5]‎‏، ولکن الإنصاف أنّ‏‎ ‎‏الغور فیها بعد ذلک من «اللغو المنهیّ» .‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 46

  • )) شرح المطالع : 10 و11 ، شروح الشمسیّة : 150 .
  • )) الحکمة المتعالیة 1 : 32 ، الهامش 1 ، نهایة الدرایة 1 : 26 .
  • )) یأتی فی الصفحة 30 ـ 31 .
  • )) تقدّم فی الصفحة 20 .
  • )) هدایة المسترشدین 14 ـ 17 ، الفصول الغرویّة : 10 ، کفایة الاُصول : 21 ، نهایة الأفکار 1 : 13 ـ 18 .