المقصد الأوّل موضوع الاُصول وتعریفه مع نبذة من مباحث الألفاظ

النظر الثانی : فی المراد من «العوارض»

النظر الثانی : فی المراد من «العوارض»

‏ ‏

اعلم :‏ أنّه قد یطلق «العرض» ویراد منه ما هو الخارج عن الشیء وملحق به؛‏‎ ‎‏بمعنیٰ أنّ العقل یدرکه منه، وهذا هو العرض فی المنطق فی الإیساغوجی؛ أی‏‎ ‎‏الکلّیّات الخمسة‏‎[1]‎‏.‏

‏وهذا أعمّ من العرض فی باب مشارکة الحدّ والبرهان‏‎[2]‎‏؛ فإنّ العرض هنا ما‏‎ ‎‏هو الخارج عن ذات الشیء؛ سواء کان قابلاً للجعل، أو لم یکن، بخلاف العرض فی‏‎ ‎‏باب البرهان‏‎[3]‎‏، فإنّه ما هو القابل للجعل، مقابل الذاتیّ فی ذلک الباب؛ وهو ما‏‎ ‎‏لایقبل الجعل، وإن کان ذاتیّ بابی الأوّل والثانی لایقبل الجعل، ومشترکاً من هذه‏‎ ‎‏الجهة، إلاّ أنّ الذاتیّ فی باب الکلّیّات، ذاتیّ أخصّ من ذاتیّ باب البرهان؛ لأنّ‏‎ ‎‏المراد منه ما هو الأعمّ منه ومن خارج المحمول الذی لاتناله ید الجعل.‏

‏وهذا العرض أقسام :‏

لأنّه تارة :‏ یکون نفس ذات الشیء کافیة فی اعتباره، کالإمکان بالنسبة إلی‏‎ ‎‏الماهیّة، ولایکون العرض فی الخارج.‏

واُخریٰ :‏ لابدّ من اعتبار اللحاظ الزائد علی الماهیّة، کالحرارة للنار، فإنّها‏‎ ‎‏موضوعة لها، ولکنّه لابدّ من الوجود الخارجیّ فی ترتّبها علیها؛ من غیر کون‏‎ ‎‏الخارج قیداً فی الموضوع، بل القضیّة من قبیل القضایا الحینیّة، ویکون العرض من‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 42
‏الوجودات الخارجیّة.‏

وثالثة :‏ لابدّ من اللحاظ الزائد، إلاّ أنّه قید فی الموضوع، کالحرارة بالنسبة‏‎ ‎‏إلی الماء.‏

‏وهذا أیضاً قد یکون القید الزائد ثابتاً لذی الواسطة، وهی النار فی المثال‏‎ ‎‏المذکور.‏

‏وقد لایکون، کما فیما إذا کانت الشموس واسطة؛ بناءً علیٰ رأی القدماء،‏‎ ‎‏فإنّها لیست بذات الحرارة، إلاّ أنّها دخیلة فی ظهور حرارة الأجسام، وتخرجها من‏‎ ‎‏القوّة إلی الفعل‏‎[4]‎‏.‏

‏وهذا العرض الخارج عن حقیقة الشیء، قد یکون متّحداً مع الشیء فی‏‎ ‎‏الوجود، ومختلفاً معه فی الماهیّة والاعتبار، کالأجناس بالنسبة إلی الفصول‏‎ ‎‏وبالعکس، فإنّ کلّ جنس عرضیّ بالنسبة إلی الفصل، فالحیوان عرض للناطق،‏‎ ‎‏وبالعکس، ولمکان الاتحاد یصحّ الحمل. وهذا هو المعروف ب«الأعراض‏‎ ‎‏التحلیلیّة»‏‎[5]‎‏.‏

‏ومن مثالها الوجود والماهیّة فإنّ کلّ واحد منهما عرضیّ للآخر، ویحمل‏‎ ‎‏علیه، فیقال: «الماهیّة تعرض الوجود، ومن عوارضها، والوجود یعرضها»‏‎[6]‎‏ والکلّ‏‎ ‎‏بحسب الذهن دون الخارج؛ لاتحادهما هویّة وعیناً.‏

‏وقد لایکون متّحداً مع الشیء فی الوجود أیضاً، کالحرارة بالنسبة إلی النار،‏‎ ‎‏فإنّها من آثارها، والتعجّب والضحک بالنسبة إلیٰ طبیعة الإنسان.‏

‏وقد یطلق «العرض» ویراد منه مقابل الجوهر الذی لایکون وجوده إلاّ فی‏

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 43
‏الموضوع، وهو المقولات التسع العرضیّة‏‎[7]‎‏. وهذه العوارض تثبت لموضوعاتها؛‏‎ ‎‏لأجل الحیثیّات التقییدیّة الثابتة فیها من الخصوصیّات والإضافات، ولذلک تعدّ من‏‎ ‎‏المحمولات بالضمیمة.‏

‏وقد یطلق ویراد منه ما یقابل الحقیقة، فیقال مثلاً: «السفینة متحرّکة،‏‎ ‎‏وجالسها متحرّک بالعرض، لا بالحقیقة والواقع» فالمراد منه المجاز، کما قیل بذلک‏‎ ‎‏فی الوجود والماهیّة؛ بدعویٰ أنّ الموجودیّة ثابتة للوجود بالحقیقة، وللماهیّات‏‎ ‎‏بالعرض والمجاز‏‎[8]‎‏. وهذا هو الإطلاق العرفیّ حسب الاستعمالات اللغویّة.‏

‎ ‎

کتابتحریرات فی الاصول (ج. ۱)صفحه 44

  • )) شرح المنظومة ، قسم المنطق : 29 ـ 31 .
  • )) شرح المنظومة ، قسم المنطق : 36 .
  • )) الجوهر النضید : 208 ، شرح المنظومة ، قسم المنطق : 31 و 92 .
  • )) النجاة ، قسم الطبیعیّات : 152 ـ 154 .
  • )) المشاعر : 11 و16 و23، نهایة الدرایة 1 : 23 .
  • )) شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 18 ، أنوار الهدایة 1 : 270 .
  • )) الجوهر النضید : 24 ، الحکمة المتعالیة 4 : 201 ، شرح المنظومة ، قسم الحکمة : 136.
  • )) الحکمة المتعالیة 3 : 257 .