تقسیم المکاسب

بِسْمِ الّٰلهِ الرَّحْمٰنِ الرَّحیمِ

‏ ‏

‏الحمد لله ربّ العالمین، وصلّی الله علی محمّد وآله الطاهرین، ولعنة الله‏‎ ‎‏علی أعدائهم أجمعین إلی یوم الدین.‏

‏ ‏

فی المکاسب

‏ ‏

‏ ‏

تقسیم المکاسب

‏قد اختلف کلمات الأعیان فی تقسیمها فی المقام: ‏

‏فقسّمها المحقّق إلی محرّم ومکروه ومباح‏‎[1]‎‏، لکن جعل المقسم‏‎ ‎‏ما یکتسب به، مع عدّه ما لا ینتفع به، وما یجب علی الإنسان فعله من الأقسام؛ وهما‏‎ ‎‏ لیسا من أقسام ما جعله مقسماً، وکذا ما ذکرها فی المکروهات، کبیع الصرف‏‎ ‎‏والأکفان وغیرهما مماّ هی من أنواع المکاسب المکروهة، لا ما یکتسب به المکروه.‏

‏والظاهر أنّ مراده ما یکون الاکتساب به محرّماً أو مکروهاً أو مباحاً.‏

‏وفی المراسم قسّم المکاسب علی خمسة أضرب، حسب الأحکام الخمسة، ثمّ‏‎ ‎


المکاسب المحرمةج. 1صفحه 3

‏المعایش علی ثلاثة أضرب‏‎[2]‎‏.‏

‏وکذا العلاّمة جعل المقسم المتاجر، وقال: تنقسم بانقسام الأحکام الخمسة، ‏‎ ‎‏ومثّل للواجب بما یحتاج الإنسان إلیه لقوته وقوت عیاله، مع انحصار الوجه‏‎ ‎‏بالمتجر ـ کما صنعه ابن حمزة‏‎[3]‎‏ ـ وللمکروه بالصرف ونحوه، وللمحظور بأقسام عدّ ‏‎ ‎‏منها ما لا ینتفع به، کالحشرات ونحوها‏‎[4]‎‏.‏

‏والظاهر منه أنّ الأقسام للتجارة، وأنّ الأحکام الخمسة هی التکلیفیة لامع‏‎ ‎‏الوضعیة.‏

‏ ‏

الإشکال علی تقسیم العلاّمة ـ قدس سرّه ـ للمکاسب

‏فیرد علیه: أوّلاً: بأنّ ما عدّ واجباً غیر وجیه، لأنّ التجارة لا تصیر واجبة‏‎ ‎‏شرعاً، ولو کان الطّریق فی تحصیل قوت العیال منحصراً بها، لماحقّق فی محلّه من‏‎ ‎‏عدم وجوب ما یتوقّف علیه الواجب حتی المقدّمات الوجودیّة، وعلی فرض‏‎ ‎‏وجوب ما یتوقّف علیه، یتعلّق الوجوب بعنوان آخر غیر عنوان ذوات الموقوف‏‎ ‎‏علیها‏‎[5]‎‏، وما ربّما یقال: إنّها صارت واجبة بالعرض، لیس وجیهاً‏‎[6]‎‏ والتفصیل‏‎ ‎‏یطلب من مظانّه.‏

‏وثانیاً: أنّ الحرمة فی کثیر ممّا ذکره، غیر ثابتة أو ثابتة العدم، کالتجارة بما ‏‎ ‎‏لاینتفع به، فإنّها من حیث هی تجارة ونقل وانتقال لیست محرّمة، والتصرّف فی مال‏‎ ‎


المکاسب المحرمةج. 1صفحه 4

‏الغیر بعد بطلان المعاملة وإن کان محرّماً لکنّه غیر مربوط بالتجارة، وکذا التجارة‏‎ ‎‏بالأعیان النجسة غیر ثابتة الحرمة، علی ما یأتی الکلام فیها‏‎[7]‎‏، إن شاء الله.‏

‏وثالثاً: أنّ المقسم فی التجارة الواجبة والمستحبّة والمکروهة هو الکسب‏‎ ‎‏المنتهی إلی النقل والانتقال العقلائی الممضی، أعنی النقل والانتقال الواقعی‏‎ ‎‏الذی یوصل المکلّف إلی حفظ النظام مثلاً، بناءً علی ما هو التحقیق من وجوب‏‎ ‎‏المقدّمة الموصلة لا المطلقة، علی فرض تسلیم وجوب المقدمة، وفی المحرّمة لو کان ‏‎ ‎‏کذلک یلزم صحّة المعاملة وهی خلاف الواقع المسلّم عندهم، فلابدّ وأن یکون‏‎ ‎‏المراد فیها المعاملة العقلائیة الّتی زعم العقلاء النقل فیها.‏

‏فلا یکون المقسم واحداً، إلاّ أن یقال: إنّ المقسم، نفس طبیعة المعاملة‏‎ ‎‏الجامعة بین الصحیحة والفاسدة، وحیثیة الإیصال من خصوصیات القسم.‏

‏ ‏

ما هو المراد من المکسب المحرّم؟ 

‏ثمّ إنّ المحرّم علی فرض ثبوته هو المعاملة العقلائیة، أی إنشاء السبب جدّاً‏‎ ‎‏لغرض التسبیب إلی النقل والانتقال، لا النقل والانتقال، ولاهو بقصد ترتّب الأثر، ‏‎ ‎‏ولا تبدیل المال أو المنفعة، لأنّ الظاهر أنّ المعاملات هی الأسباب الّتی قد تنتهی‏‎ ‎‏إلی المسبّبات وقد لا تنتهی إلیها، ولهذا صحّ تقسیمها إلی الصحیحة والفاسدة‏‎ ‎‏بلا تأوّل، فلو کانت عبارة عن النقل والتبدیل لکان أمرها دائراً بین الوجود‏‎ ‎‏والعدم، لا الصحّة والفساد.‏

‏ولا یعقل أن یکون المحرّم النقل وما یتلوه، لأ نّهما غیر ممکن التحقّق بعد‏‎ ‎‏وضوح بطلان تلک المعاملات نصّاً و فتویً، وإرادة النقل العقلائی مع قطع‏‎ ‎


المکاسب المحرمةج. 1صفحه 5

‏النظر عن حکم الشرع، ولو لعدم الإنفاذ، لا ترجع إلیٰ محصّل، لعدم الوجود للنقل‏‎ ‎‏اللولائی، کما لا وجود للنقل الوهمی.‏

‏فما یمکن أن یتّصف بالحرمة هو المعاملة السببیة، أی الإنشاء الجدّی بقصد‏‎ ‎‏حصول المسبّبات، لا بمعنی کون القصد جزء الموضوع، بل بمعنی أنّ موضوع‏‎ ‎‏الحرمة الإنشاء الجدّی الملازم له.‏

‏ثمّ إنّ ما ذکرناه هاهنا، لا ینافی ما اخترناه من دلالة النهی المتعلّق بمعاملة‏‎ ‎‏علی صحّتها‏‎[8]‎‏، وفاقاً لبعض أهل الخلاف‏‎[9]‎‏، لأنّ الکلام هناک فی الدلالة العرفیة‏‎ ‎‏أو العقلیة، وفی المقام فی تصویر متعلّق الحرمة بعد الفراغ عن بطلان المعاملة‏‎ ‎‏وحرمتها، مع أنّ ما ذکرناه هناک لا یخلو من کلام.‏

‏فلنرجع إلی أقسام المعاملات المحرّمة أو ما قیل بتحریمها:‏

المکاسب المحرمةج. 1صفحه 6

  • . راجع الشرائع 2 ـ 1 / 263، کتاب التجارة
  • .ا لجوامع الفقهیة: 585، کتاب المکاسب من المراسم.
  • . لم نجد کلام ابن حمزة فی الوسیلة.
  • . قواعد الأحکام 1 / 119 ـ 120، کتاب المتاجر.
  • . راجع تهذیب الاُصول 1 / 278، فی مقدمة الواجب.
  • . راجع جواهر الکلام 22 / 7، کتاب التجارة.
  • . سیأتی قریباً.
  • . تهذیب الاُصول 1 / 420 ـ 421.
  • . راجع المستصفیٰ للغزالی 2 / 28.