القسم الثالث: الاکتساب بما لامنفعة فیه معتدّاً بها عند العقلاء
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 235
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 236
القسم الثالث:
الاکتساب بما لا منفعة فیه معتدّاً بها عند العقلاء
ولعلّ عدّ هذا القسم فی عداد الأنواع المحرّمة لإمکان التمسّک بحرمة نفس المعاملة بقوله تعالی: «لاتأکُلُوا أمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالْباطِل».
بدعوی شمول الأکل بالباطل لتملّک مال الغیر بلا مال فی قباله، فیصدق علی بیع البائع ونقله مالا مالیّة له إلی غیره بعوض له مالیّة ـ باعتبار تضمّنه لنقل المال، أی العوض إلی نفسه ـ أ نّه أکل مال المشتری ـ أعنی تملّکه ـ بالباطل، فیکون حراماً بمقتضی الآیة.
وإمکان التمسّک بها لحرمة الثمن لابعنوان التصرّف فی مال الغیر بل بعنوان أکل المال بالباطل، بدعوی ظهورها فی أ نّه محرّم بهذا العنوان.
ویمکن المناقشة فی الأولی بأنّ الأکل بالباطل وإن کان کنایة ولایراد به الأکل مقابل الشرب، لکن لایستفاد منه إلاّ سائر التصرّفات الخارجیّة نظیر الشرب واللبس، لامثل إنشاء البیع والصلح ونحوهما ممّا لایعدّ تصرّفاً عرفاً، ولا أظنّ أن یلتزم أحد بحرمة إنشاء المعاملة علی مال الغیر مع عدم رضا صاحبه، مع وضوح حرمة التصرّف فی مال الغیر بلا رضاه. فشمول الآیة لمثل التملّک الإنشائی ممنوع.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 237
وفی الثانیة بأنّ الظاهر أنّ الباطل عنوان انتزاعی من العناوین المقابلة للتجارة التی هی حقّ، مثل القمار والسرقة والخیانة ونحوها.
فأکل المال بالقمار حرام لکونه أکل مال الغیر بلاسببّیة التجارة التی جعلها الشارع ولوبإمضاء ما لدی العقلاء سبباً للنقل، فلایکون حراماً تارة بعنوان کونه مال الغیر الذی لم ینتقل إلیه بسبب شرعی، وأخری بعنوان کونه باطلاً، بل الباطل عنوان مشیر إلی العناوین الأخر.
نعم، نفس عنوان القمار حرام مستقلّ، وأخذ الثمن فی مقابل مالامنفعة له حرام من جهة کونه تصرّفاً فیه بلا سبب ناقل، لالانطباق عنوان آخر علیه حتّی یکون محرّماً بعنوانین.
وربّما یتمسّک للتحریم بروایة تحف العقول، حیث إنّ ظاهر صدرها وهو قوله: «وأمّا تفسیر التجارات فی جمیع البیوع ووجوه الحلال من وجه التجارات التی یجوز للبائع أن یبیع ممّا لایجوز له، وکذا المشتری الذی یجوز له شراؤه ممّا لایجوز، فکلّ مأمور به...».
حصر جمیع الأقسام المحلّلة فی الضابط الذی یذکره بعد ذلک للمحلّلات، وما لامنفعة فیه خارج عنه لعدم صلاح الناس فیه، فإذا خرج منه دخل فی المحرّم بمقتضی ما مرّ من ظهور صدرها فی عدم خروج شیء من أقسام المحلّل عن الضابط.
وفیه: أنّ الروایة متعرّضة لوجوه التجارات العقلائیّة المتعارفة بین الناس کالأمثلة المذکورة فیها فی شقّی الصحّة والفساد، ولیست متعرّضة لما لاصلاح و
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 238
لافساد فیها کما هو مفروض المقام، لعدم إقدام العقلاء علی مثلها فلم تکن للتعرّض لها فائدة معتدّ بها.ویشهد له قوله فی صدرها سأله سائل فقال: کم جهات معایش العباد التی فیها الاکتساب والتعامل بینهم ووجوه النفقات؟ فقال: جمیع المعایش کلّها من وجوه المعاملات فیما بینهم ممّا یکون لهم فیه المکاسب أربع جهات....
فهی متعرّضة لما فیه الصلاح أو فیه الفساد محضاً أو من جهة من الجهات.
إن قلت: إنّ مقتضی إعطاء الضابط ذکر جمیع المعاملات، وإنّما ذکر ضابط المحلّل، وما کان فی مقابله هو محرّم، والضابط المذکور فی المحرّم مفهوم الضابط المتقدّم. وإنّما ذکر مصداق المتعارف للمفهوم وترک ما لایتعارف من المعاملات وما لامنفعة فیه عرفاً أصلاً، إذ عدم المنفعة یکفی فی ردعهم عنها وعدم إقدامهم علیها، فلم یکن کثیر اهتمام فی ذکرها والردع عنها، بخلاف ما له منفعة عرفیّة و لو محرّمة، لإقدام الناس علیها.
قلت: لیس فی الروایة شیء یمکن أن یدّعی أنّ له مفهوماً، بل ذکر فیها أوّلاً بنحو الإجمال أنّ المکاسب منها حرام و منها حلال، ثمّ ذکر تفسیر التجارات بنحو الإجمال أیضاً بقوله: وتفسیر التجارات... مقدّمة لبیان التفصیل، وأشار إلی المحلّل والمحرّم بحیث فهم منه أ نّه بصدد بیان کلا الضابطین، وفی مثله لم یکد أن یکون الکلام دالاً علی المفهوم لو فرضت دلالته علیه فی سائر الموارد.
مضافاً إلی أنّ النکتة التی صارت سبباً لترک ذکر ما لامنفعة له فی قسم المحرّمات، وهی کفایة عدم الداعی للناس فی إیقاع هذا النحو من المعاملة فی ردعهم عنها، یمکن أن تکون نکتة لعدم التعرّض لها فی الضابطین.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 239
وإنّما تعرّضنا لما ذکر مع عدم صلوح الروایة لإثبات حکم، لتعرّض بعض أعیان المدقّقین لها بما لامزید علیه. وفی کلامه الشریف موارد نقض وإبرام ترکناها مخافة التطویل.
فتحصّل ممّا ذکر أنّ عدّ هذا النوع فی المقام لایخلو من وجه، وإن کان الأقوی ما عرفت.
سرد أنحاء ما لامنفعة فیه
ثم إنّ ما لامنفعة معتدّبها لدی العقلاء علی أنحاء:
منها: مالامنفعة له مطلقاً لاعاجلاً ولا آجلاً، ولایرجی منه المنفعة کذلک، ولایکون فی نفس المعاملة به منفعة عقلائیة، أو غرض عقلائیّ نوعیّ أو شخصی، کما لو توهّم المتعاملان منفعة فیما لانفع له فأوقعا المعاملة ثمّ انکشف الخلاف.
ومنها: مالامنفعة فیه مطلقاً، لکن کان للمشتری غرض عقلائیّ نوعیّ أو شخصیّ فی إشترائه، کما لو هجمت الهوامّ المؤذیة بالزراعات علی مملکة فتعلّق غرض الوالی بدفعها من ناحیة اشترائها بثمن غال تشویقاً إلی جمعها، أو علی مزرعة شخصیّة فأراد صاحبها ذلک.
ومنها: ماله منفعة لایعتدّ بها العقلاء، فحینئذتارة تکون بحیث یعدّ بلا منفعة لدیهم، وأخری تکون له منفعة لکنّها نادرة قلّما یتّفق الانتفاع بها.
ثمّ قد یکون عدم النفع لخسّته کالخنفساء مثلاً، أو لقلّته کحبّة من الحنطة فإنّ لها منفعة بمقدارها لکن لاتعدّ منفعة عقلائیّة.
وقد تکون له منفعة عقلائیّة لکن ابتذاله وکثرته جعله کما لامنفعة له
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 240
ولایقابل لذلک بالمال، کماء الشطوط لسکّان سواحلها.
حکم الصورة الأولی ممّا لامنفعة فیه
فعلی أوّل الفروض فإن کان عدم المنفعة لخسّته فلاینبغی الإشکال فی بطلانها، وهو المتیقّن من معقد الإجماع المحکی عن المبسوط وغیره.
ویدلّ علیه مضافاً إلی ذلک، عدم صدق واحد من عناوین المعاملات علیها، لأنّ حقیقة المعاوضة ونحوها کالهبة مجّاناً متقوّمة بتبدیل الإضافات الخاصّة.
فالبیع عبارة عن مبادلة مال بمال، أو عین بعین لامطلقاً ـ فإنّ المبادلة المطلقة لامعنی لها ـ ولا فی ذاتهما أو أوصافهما الحقیقیّة ولا فی مطلق الإضافات، بل فی إضافة خاصّة هی إضافة الملکیّة أو الأعمّ منها ومن إضافة الاختصاص.
والهبة عبارة عن تملیک عین مجّاناً أو مقابل تملیک عین مثلاً، وحقیقتها أیضاً نقل الإضافة الخاصّة أو تبدیلها. وسیأتی التفصیل فی مظانّه ـ إن شاء الله تعالی ـ. ویأتی أیضاً بیان الحال فی بیع الکلیّ فی الذّمة ممّا قد یقال: إنّه لیس من قبیل التبادل فی إضافة الملکیّة.
ولوقلنا بأنّ البیع تملیک عین بعوض وأمثال ذلک، لایوجب فرقاً فیما نحن بصدده.
وکیف کان، فمع عدم اعتبار العقلاء الملکیّة أو الاختصاص لشیء بالنسبة
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 241
إلی شخص، لایمکن تحقّق العناوین المتقوّمة بهما وهو واضح، ولاریب فی أنّ اعتبار الملکیّة وکذا الاختصاص لدی العقلاء لیس جزافاً وعبثاً بل للاعتبارات العقلائیّة کلّها مناشی ء ومصالح نظامیّة ونحوها.
فاعتبار الملکیّة والاختصاص فیما لاینتفع به ولایرجی هی منه رأساً ولایکون مورداً لغرض عقلائیّ نوعیّ أو شخصیّ، لغو صرف و عبث محض.
فمثل البرغوث والقمّل لیس ملکاً لأحد، ولالأحد حقّ اختصاص متعلّق به.
فما ربّما یقال: إنّ للإنسان حقّ اختصاص بالنسبة إلی فضلاته، لیس وجیهاً علی إطلاقه.
فالنخامة الملقاة علی الأرض لیست ملکاً لصاحبها، ولا له حقّ اختصاص بها، أعرض عنها أم لم یعرض.
وبالجملة، اعتبار الملکیّة وحقّ الاختصاص تابع لجهة من جهات المصالح، وما لانفع فیه مطلقاً ولاغرض لأحد فی اقتنائه لایعتبر ملکاً ولامختصّاً بأحد.
فأساس المعاملات المتقوّمة بالإضافتین منهدم رأساً، بل الظاهر عدم صدق شیء من عناوین المعاوضات والمعاملات مع فقد المالیّة مطلقاً، فإعطاء قمّل و أخذ برغوث لیس بیعاً ولامعاقدة ولاتجارة لدی العرف والعقلاء، لما عرفت من عدم مناط الاعتبار فیما لانفع ولامالیّة له.
فما قیل من أنّ البیع عبارة عن تبدیل عین بعین، من غیر اعتبار المالیّة فیهما. ساقط لاینبغی أن یصغی إلیه.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 242
کما أنّ توهّم الافتراق بین البیع وبین العقد والتجارة بما قیل: إنّ البیع لو لم یصدق مع عدم المالیّة لکن صدق التجارة، والعقد لایتوقّف علیها فیکفی فی تصحیح المعاملة التمسّک بدلیل نفوذهما، غیر وجیه، لاشتراک الجمیع فی عدم الصدق وفی عدم المناط لاعتبار العقلاء، ولأنّ المعاوضة بین العینین لو صدقت علیها عناوین البیع والصلح والإجارة ونحوها، صدقت علیها التجارة والعقد ومع عدم صدق شیء من العناوین الخاصّة کیف تصدقان علیها، بل عدم صدق التجارة لیس بأخفی من عدم صدق البیع، بل لو فرض الشکّ فی الصدق کفی فی عدم جواز التمسّک بالأدلة أو ببناء العقلاء.
ومن هنا یظهر جواز التمسّک بقوله تعالی: «لاٰ تأکُلُوا أمْوالَکُمْ بَیْنَکُمْ بِالباطِلِ...» فإنّ الظاهر منه أنّ الأکل بغیر التجارة مطلقاً منهی عنه.
فالأمر دائر بین الأمرین لاثالث لهما، فإذا لم تصدق علی مورد التجارة عن تراض یدخل فی مقابله.
بل لو شکّ فی صدق أکل المال بالباطل فی مورد لکن علم عدم صدق تجارة عن تراض فیه، یرفع الشکّ عنه وینسلک فی الأکل بالباطل. کما أ نّه لو فرض الشکّ فی صدق التجارة وعلم أ نّه أکل المال بالباطل یرفع الشکّ عنه.
فالعلم بکلّ طرف إثباتاً ونفیاً رافع للشکّ عن الآخر کذلک، کما هو الشأن فی المنفصلتین الحقیقیتین.
نعم، لو فرض صدق الأکل بالباطل وصدق التجارة عن تراض فی مورد، یقع التعارض بین صدر الآیة وذیلها بناءً علی دلالتهما علی الحکم الوضعی أی
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 243
بطلان المعاملة وصحّتها ولاترجیح لأحدهما.
وأمّا الاستدلال علی البطلان بسفهیّة المعاملة فغیر وجیه، لأنّ البطلان من ناحیتها علی فرض القول به، إنّما هو بعد فرض صدق المعاملة، وأمّا مع عدم الصدق کما فی المقام فلاموضوع لها. وسیأتی الکلام فی ذلک فی بعض الأقسام الآتیة.
ویلحق بما تقدّم فی البطلان ما لامنفعة عقلائیّة له ولم یتعلّق به غرض عقلائیّ، کما لو اشتری الزیز لاستماع صوته والجُعَل لرؤیة تلاعبه مع العذرة.
وذلک لأنّ المعاملة سفهیّة غیر عقلائیّة والأدلّة العامّة کقوله تعالی: «أوفُوا بِالْعُقُودِ»، و «أحَلَّ الله البَیع» و «تِجارَةً عَنْ تَراض» غیر شاملة لها، إمّا لعدم صدق تلک العناوین علیها کما لایبعد ومع الشکّ فالمرجع أصل الفساد، أو لانصرافها عنها فإنّها أدلّة إمضائیة لما لدی العقلاء ولیست بصدد تأسیس أمر زائد علی ذلک، سیّما مثل الأعمال السفهیّة التی هی أضحوکة العقلاء وتتنفّر عنها الطباع السلیمة.
فتوهّم شمولها لها فاسد جداً، کتوهّم عدم الاحتیاج إلی الدلیل اللفظی فی الإمضاء بل یکفی عدم الردع فی الکشف عنه، وذلک لأنّ المفروض أ نّها لیست عقلائیّة فلاتکون متعارفة ولم تکن کذلک بمرأی ومنظر من الشارع حتّی یستکشف الإمضاء من عدم الردع، بل لو فرض تعارف أمر سفهی بین أراذل
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 244
الناس لایمکن کشف رضا الشارع عنه لو لم یصل إلینا الردع، لغایة بعد رضاه بما هو سفهیّ تنبو عنه الطباع والعقول السلیمة وتتنفّرعنه العقلاء مع کونه مربّی العقول ومتمّم المکارم، بل لایبعد صدق الأکل بالباطل علی مثلها.
ویلحق به أیضاً بیع ما لامالیّة له لقلّته کحبّة من خردل، أو لکثرته وشیوعه کالثلج فی الشتاء مع عدم تعلّق غرض عقلائیّ بالمعاملة، وذلک أیضاً لسفهیّتها. فلو عاوض منّاً من ثلج بمنّ منه فی الشتاء، أو منّاً من ماء بمنّ من تراب فی ساحل البحر مع عدم غرض عقلائیّ خارجی، یعدّ سفهاً.
بل لایبعد عدم صدق عنوان المعاملة علیها ولا أقلّ من الشکّ فیه، ولو نوقش فیه فلاریب فی انصراف الأدلّة عنها بما تقدّم ذکره.
ویلحق به أیضاً ما له منفعة نادرة جداً بحیث تعدّ لدی العقلاء کلا منفعة لندوره، کما لو سمع أحد أنّ فی أقصی البلاد الإفریقیة حیّة کان علاج لذعه لذع العقرب فاشتری عقرباً وحفظه لذلک مع عدم احتمال ابتلائه به، فإنّ المعاملة سفهیّة باطلة.
فالمیزان فی الصحّة عقلائیّة المعاملة و الخروج عن السفهیّة، سواء کانت متعلّقة لغرض شخص خاصّ، کمن ابتلی بمرض لایبتلی به غیره وکان دواؤه شیئاً لایرغب فیه أحد، فإنّ اشتراءه لغرضه عقلائی والمعاملة من أوضح مصادیق المعاملات العقلائیّة وتشملها الأدلّة، أو لأغراض عقلائیّة نادرة لابمثل الأمثلة المتقدّمة.
حکم الصورة الثانیة وبیان الضابط الکلیّ
وأمّا الثانیة من الصور المتقدّمة، أی ما لاتکون له منفعة مطلقاً أو عقلائیّة
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 245
لکن کان فی المعاملة غرض عقلائی موجب لاشترائه کالمثال المتقدّم، فالتحقیق صحّتها وعقلائیّتها.
وذلک لأنّ مالیّة الشیء تابعة وجوداً ومرتبة للعرضة والتقاضا، فما لامنفعة له مطلقاً لو تعلّق باشترائه وحفظه أو اشترائه و إعدامه غرض سیاسیّ أو غیره من الأغراض العقلائیّة فصار ذلک منشأ للرغبة إلی اشترائه، أوجبت تلک الرغبة وذلک التقاضا حدوث المالیّة فیه. فلو تعلّق غرض دولة باشتراء مالامنفعة له من ناحیة من النواحی لأغراض سیاسیّة فأوجدت بقدرتها السوق لذلک المتاع، صار ذا قیمة لدی العقلاء من غیر لحاظ أنّ اشتراءه بأیّ غرض کان.
وبالجملة، الشیء صار متموّلاً بمجرّد حدوث التقاضا، ویخرج المتموّل عن کونه کذلک بمعدومیّته مطلقاً، کما أنّ مراتب التموّل أیضاً تابعة لکثرة العرضة أو التقاضا.
فلاینبغی الإشکال فی صحّة تلک المعاملات، وصدق البیع والتجارة والعقد علیها، وکذا صدق مبادلة مال بمال. والحکم بالبطلان یحتاج إلی دلیل هو مفقود.
ویمکن إدراجها ولو بإلغاء الخصوصیة فی صدر روایة تحف العقول، فإنّها وإن تعرّضت للأشیاء التی فیها صلاح العباد أو وجه من وجوه صلاحهم فی معاشهم وحیاتهم لکن یمکن أن یقال: الاشتراء لدفع المضارّ أو جلب منافع مشروعة غیرکامنة فی نفس المتعلّقات داخل فیها بإلغاء الخصوصیّة أو فهم العرف علّة الحکم. ولو نوقش فیه فالروایة ساکتة عنه، و لاشبهة فی عدم شمول ذیلها لمثل تلک المعاملة المترتّب علیها دفع مضارّ عن العباد أو جلب منافع لهم.
فتحصّل من جمیع ما تقدّم ضابط الصحّة والفساد.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 246
وأمّا القول باعتبار کون المنفعة غیر نادرة، ولو مع کون الندرة بحیث لم تخرج بها المعاملة عن العقلائیّة، بدعوی اعتباره شرعاً، إمّا لقیام الإجماع علیه، أو لدلالة بعض الروایات، کما عن عوالی اللئالی عن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلمقال: «لعن الله الیهود حرّمت علیهم الشحوم فباعوها، وأکلوا ثمنها، وإنّ الله تعالی إذا حرّم علی قوم أکل شیء، حرّم علیهم ثمنه، وعن الدعائم قریب منها»، وعنه صلی الله علیه و آله وسلم أیضاً فی حدیث: «قاتل الله الیهود، إنّ الله لمّا حرّم علیهم شحومها جملوه (أی أذابوه) ثمّ باعوه وأکلوا ثمنه»، بناء علی أنّ للشحوم منفعة نادرة محلّلة علی الیهود فیقال: لولا أنّ المنفعة النادرة کالمعدومة فی نظر الشارع، لما منعهم عن بیعه لأجلها، ومثل روایة التحف.
ففیه ما لایخفی. أمّا الإجماع فلأنّ العمدة هو الإجماع المحکی عن المبسوط: کلّ ما ینفصل من الآدمی من شعر ومخاط ولعاب وظفر وغیره، لایجوز بیعه إجماعاً لأ نّه لاثمن له ولامنفعة فیه.
وعن موضع آخر منه: فإن کان ممّا لاینتفع به فلا یجوز بیعه بلاخلاف مثل الأسد والذئب وسائر الحشرات.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 247
وهما کما تری دعوی الإجماع وعدم الخلاف علی ما لامنفعة فیه و لاینتفع به حتّی الثانیة، لأنّ المذکورات من قبیل الأمثلة بنظره وتشخیصه لامن معقد الإجماع، ضرورة أ نّه لم یدع الإجماع ولم یقم ذلک علی عنوان الأسد والذئب وغیرهما، والظاهر من معقدهما ما لاینتفع به مطلقاً وما لامنفعة له کذلک. ولو حملا علی عدم الانتفاع العقلائی، کما تقدّم لابأس به، لکن التعدّی إلی ما یکون له المنفعة العقلائیّة النادرة ممّا لاوجه له.
وأضعف منه التمسّک بالروایات، فإنّها مع الغضّ عن سندها ظاهرة فی أنّ الیهود باعوها للمنفعة المحرّمة کما یشعر به التعلیل الوارد فیها، مع عدم معلومیّة حلیّة بعض المنافع لهم. وروایة التحف متعرّضة للمعاملات المتعارفة، بل یمکن التمسّک بها لصحّة المعاملة فی بعض الصور المتقدّمة، فالأقوی هو ما تقدّم.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 248