القسم الرابع: الاکتساب بما هو حرام فی نفسه
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 249
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 250
الاکتساب بما هو حرام فی نفسه
والبحث فیه تارة عن حرمة عنوان الکسب وأنّ الإجارة علی المحرّم محرّمة أولا، وأخری عن حرمة الثمن بعنوان کونه ثمن الحرام، وثالثة عن حکمه الوضعی. وقد تقدّم أنّ المقصود الأصلی بالبحث هاهنا هوالعنوانان الأوّلان، وأنّ الثالث استطرادی یناسب البحث عنه فی شرائط العوضین فی الإجارة.
فنقول: یمکن الاستدلال علی حرمة نفس الإجارة بقبح الاستیجار والإیجار علی معصیة الله ـ تبارک وتعالی ـ فکما أنّ نفس الاستیجار والإیجار للقبائح العقلیّة، قبیحة بحکم العقل والعقلاء کإیجار شخص ـ والعیاذ بالله ـ نفسه أو من یتعلّق به من نوامیسه لارتکاب الفاحشة، کذلک هما قبیحتان لمعصیة الله التی هی أیضاً من القبائح العقلیّة. فالمدعی إدراک العقل قبح عنوان المعاملة علی القبائح، وأ نّها واسطة لثبوت القبح لنفس المعاملة.
ودعوی أنّ القبح فاعلیّ لافعلیّ نظیر التجرّی، غیر وجیهة، ضرورة أنّ عنوان إجارة النوامیس قبیح عقلاً ولاینافی ذلک کشفها عن دناءة الفاعل وسوء سریرته وفقدان الشرف والعزّ.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 251
ویمکن الاستدلال علی حرمة الاستیجار علیها بفحوی أدلّة وجوب الأمر بالمعروف والنهی عن المنکر، بأن یقال: إنّ المستفاد عرفاً من تلک الأدلّة أو من فحواها، أنّ الأمر بالمنکر والنهی عن المعروف محرّمان، بل مطلق ما یوجب الإغراء علی المحرّم والترغیب إلیه والتشویق إلیه محرّم، سواء ارتکب الطرف أم لا. ولاریب فی أنّ استیجار المغنّیة للتغنّی والمصوّر للتصویر المحرّم، دعوة لهما إلی إتیان الحرام وتشویق إلیه وإغراء علیه، بل قبول الإجارة أیضاً نحو ترغیب للمستأجر إلیه.
مضافاً إلی إمکان الاستفادة من قوله ـ تعالی ـ: «المنافقون والمنافقات بعضهم من بعض یأمرون بالمنکر وینهون عن المعروف...».
بدعوی أنّ العنوانین لیس لصرف معرّفیتهم، بل الآیة الکریمة فی مقام تعییرهم وتقریعهم وذکر ما هو قبیح عقلاً ومحرّم شرعاً من أعمالهم.
وبدعوی أن لاخصوصیّة لعنوان الأمر بالمنکر، بل المراد أعمّ ممّا یفید فائدته من الترغیب والتشویق إلیه.
وبدعویٰ أ نّه لیس المراد من الأمر بالمنکر ما یرجع إلی ردّ قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم وإلی مخالفته فی قوانینه، بل الظاهر أنّ الأمر بالمنکر بالحمل الشائع والنهی عن المعروف کذلک، من صفات المنافقین ویکون محرّماً، سواء کان الغرض ردّ قول رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم أم لا، تأمّل. وتؤیّده روایة التحف.
نعم، بناءً علی أنّ المستند فحوی أدلّة الأمر بالمعروف والآیة الکریمة، لایستفاد منهما حرمة الاستیجار والإجارة بعنوانهما، بل المحرّم ما ینطبق علیهما فی الخارج، بخلاف ما لو کان المستند الوجه الأوّل وروایة التحف.
وببعض ما تقدّم یمکن الاستیناس بحرمة الثمن أیضاً.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 252
ویدلّ علیه قوله: «إنّ الله إذا حرّم شیئاً حرمّ ثمنه».
بتقریب أن لاخصوصیة لعنوان الثمن فی نظر العرف بل الظاهر منه أنّ تحریم الشیء لایلائم مع تحلیل ما یقابله، سواء صدق علیه عنوان الثمن أم کان عنوانه أجراً وأجرة ونحوهما.
وقد تقدّم أنّ الروایة وإن کانت ضعیفة لکن لایبعد استنقاذ مضمونها من سائر الروایات فی الأبواب المتفرّقة.
ویمکن الاستدلال علی بطلانها ببعض ما تقدّم فی بعض المسائل المتقدّمة بأن یقال: إنّ المحرّم لیس مالاً فی نظر الشارع، ولهذا لو منع شخص عن تغنّی جاریة مغنّیة أو العبد المغنّی، لایکون ضامناً بالنسبة إلی تلک المنفعة المحرّمة بلا إشکال وإن کانا أجیرین لذلک، وما لایکون مالاً فی محیط التشریع لاتکون المعاملة علیه معاملة.
وإن شئت قلت: إنّ سلب المالیّة عن شیء وإسقاطها، دلیل علی ردع المعاملة به.
ویمکن الاستدلال علیه بوجه آخر، وهو أنّ مقتضی ذات المعاملة لدی العقلاء إمکان التسلیم والتسلّم، ومع منع الشارع عن تسلیم المنفعة المحرّمة وتسلّمها، لایعقل أن تکون المعاملة نافذة عنده، فمنع التسلیم والتسلّم دلیل علی ردع المعاملة، فتقع باطلة.
والإشکال المتقدّم فی بیع العنب ممّن یعلم أ نّه یجعله خمراً، غیر وارد فی
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 253
المقام بما قرّرناه، لأ نّه هناک لم یکن تسلیم طرف المعاوضة بذاته محرّماً بل المحرّم عناوین أخر منطبقة علیه، وکان للبائع أن یقول: إنّی لا أمتنع عن التسلیم بشرط عدم جعله خمراً، فالتقصیر متوجّه إلی المشتری، ولم یحرّم الشارع تسلیم العنب المقابل فی المعاوضة، بخلاف المقام فإنّ تسلیم المنفعة التی مقابلة الثمن ومورد الإجارة ممنوع شرعاً.
وبوجه آخر، وهو أنّ الآیة الکریمة أعنی: «لاتأکُلُوا أموالَکُمْ بینکم بالباطل» وإن کان الموضوع فیها البطلان العرفی والعقلائیّ لا الشرعیّ، لکن بتحکیم ما دلّ علی نفی المالیّة أو نفی تسلیم المنفعة ینسلک فی مفاد الآیة، فإنّ أخذ مال الغیر بلا انتقال منفعة إلیه أکل المال بالباطل ویؤیّده النبویّ وروایة التحف.
فائدة استطرادیّة
قد جرت عادة القوم بذکر کثیر من المحرّمات ممّا من شأنها الاکتساب بها ولو لم یتعارف ذلک، ونحن نذکر منها ما هو المهمّ بنظر البحث إن شاء الله تعالی فی ضمن مسائل:
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 254