ما هو الحکم لو اشترک اثنان أو أکثر فی عمل صورة؟
الثالث: لو اشترک اثنان أو أکثر فی عمل صورة، فالظاهر قصور الأدلّة عن إثبات الحرمة لفعل کلّ من الفاعلین أو أکثر بعد عدم صدق عنوان: «صوّر الصور، أو مثّل المثال» علی واحد منهما بلا ریب، ضرورة أنّ التمثال والصورة عبارة عن مجموع الصورة الخارجیّة، والأجزاء لاتکون تمثالاً لحیوان ولاصورة له، والفاعل للجزء لایکون مصوّراً للحیوان، من غیر فرق بین اشتغالهما بتصویره من الأوّل إلی الآخر أو تصویر أحدهما نصفه والآخر نصفه الآخر، أو عمل واحد منهما
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 278
الأجزاء وترکیب الآخر بینها، لعدم الصدق فی شی منها، فإنّ الظاهر من قوله: «من صوّر صورة»، کون صدور الصورة، أی هذا الموجود الخارجی الذی یقال له التمثال، من فاعل، والفرض عدم صدورها منه. وهو نظیر قوله: من قال شعراً، أو من کتب سطراً، أو من مشی من بلده إلی مکّة.
واحتمال أن یکون المراد بهما، أ نّه من أوجد هیئة الصورة أو هیئة المثال وهو صادق علی من أتمّهما، إمّا باتیان النصف الباقی، أو بترکیب الأجزاء، بعید عن ظاهر اللفظ ومخالف للمتفاهم من الأخبار.
فإن قلت: إنّ المراد من قوله: «من صوّر صورة أو مثّل مثالاً» لیس الأشخاص الخارجیّة بل المراد أشخاص الفاعلین، وفی المفروض أنّ الصورة صادرة من فاعل مختار قاصد وهو مجموع الاثنین، فهما فاعل واحد و مصوّر واحد، وذلک کما فی قوله: «من قتل نفساً، ومن ردّعبدی فله کذا»، فإنّه صادق علی الواحد والاثنین، ولایلزم منه استعمال اللفظ فی أکثر من معنی واحد بتوهّم أنّ المراد من لفظة «مَن» کلّ شخص وکلّ شخصین وهکذا، وذلک لأنّ المراد کلّ شخص فاعل، فکأ نّه قال: کلّ فاعل، والفاعل یصدق علی الاثنین والواحد، بمعنی أنّ الاثنین فاعل واحد فلایکون مستعملاً فی الوحدات والاثنینات.
قلت: إنّ الجمع بین العامّ الاستغراقی والمجموعی فی کلام واحد و حکم واحد لایمکن، فإنّ الاستغراق الملازم للانحلال یتقوّم بعدم لحاظ الوحدة بین الأشخاص، والعامّ المجموعی متقوّم بلحاظها، ففی قوله: أکرم العلماء إن لم یلحظ فی تعلّق الحکم وحدة الموضوع ولم یعتبر المجموع واحداً، ینحلّ إلی أحکام عدیدة حسب تعدّد الأفراد، وإن لوحظت الوحدة والاجتماع یکون حکم واحد لموضوع واحد، ولایعقل الجمع بین المجموعی والاستغراقی، أی لحاظ الوحدة
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 279
وعدم لحاظها، هذا فی المتعلّق.
وکذا الحال فی المکلّف، ففی قوله: «یا أیّها الذین آمنوا أوفوا بالعقود» إمّا أن لایلاحظ کون المؤمنین نفساً واحدة، فیکون کلّ مؤمن مکلّفاً بالوفاء، وإمّا أن یلاحظ ذلک، فلایمکن الانحلال إلی أحکام کثیرة حسب تعدّد المؤمنین، لأنّ المکلّف حینئذیکون عنواناً واحداً هو مجموع المؤمنین.
ففی ما نحن بصدده ـ بعد ما کان کلّ فاعل مستقلاً فی فعله وفاعلاً لجزء من السورة، ولایمکن أن یکون الاثنان أو أکثر واحداً إلاّ مع اعتبار الوحدة ـ إمّا أن تعتبر الوحدة فی من یکون لفظة «مَن» کنایة عنه أو لا، فعلی الأوّل لایعقل جعل الحکم استقلالاً، وعلی الثانی لایعقل جعله للمجموع، والجمع بینهما جمع بین اللحاظین المتنافیین. ومجرّد توهّم جعل الحکم علی الأشخاص الفاعلین أو علی عنوان الفاعل لایصحّح ذلک، فلو قال: الفاعل للصورة کذا، یأتی فیه ما ذکرناه من الإشکال. والمثالان المذکوران نقضاً أی قوله: «من قتل نفساً»، وقوله: «من ردّ عبدی» نظیر ما نحن فیه فی عدم الإمکان. نعم قد تقوم قرینة علی عدم الفرق بینهما وقد یعلم بحصول المناط فی الصورتین وهو أمر آخر.
ویمکن أن یناقش فیما ذکرناه ویقال: إنّ «من» منطبق علی الأفراد والوحدات الحقیقیّة قهراً، وإذا لوحظ الاجتماع فی الوحدات ینطبق علی الوحدات الاعتباریّة لأجل الاعتبار، کما فی ادعاء کون الشجاع أسداً وإطلاق الأسد علی معناه، فینطبق علی الفرد الحقیقیّ والادعائی، ففی المقام لایحتاج الانطباق علی الأفراد الحقیقیّة إلی لحاظ، والأفراد الاعتباریة إنّما تحتاج إلیه، ولایضر لحاظ الاجتماع لتحقّق الأفراد الاعتباریّة زائدة علی الأفراد الحقیقیّة بالانحلال، ففی الحقیقة یکون اللحاظ موجباً لتوسعة دائرة الانحلال لاللجمع بین اللحاظین
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 280
المتنافیین. لکنّه علی فرض صحّته ثبوتاً یحتاج إلی تکلّف وتعسّف وقیام قرینة، وهی مفقودة فی المقام. مع أنّ کلمة «مَن» وأمثالها من قبیل المطلق لا العامّ، فلایراد بها الأفراد حتی یأتی فیها ما ذکر.
نعم، یمکن جعل الحکم للعنوان وإیجاد أفراد اعتباریّة له فی التشریع بنحو الحکومة، لکنّه یحتاج إلی اعتبار مستأنف زائداً علی مفاد الأدلّة.
وهو وإن کان غیر ممتنع لکنّه غیر ثابت، ضرورة أنّ الظاهر من الأخبار نحو قوله: «من صوّر ومن مثّل» هو الأشخاص الحقیقیّة، لا الأعم منها والاعتباریة، کما اعترف به صاحب المقالة المتقدّمة لکنه قال: «إنّ المناط موجود فیما نحن فیه أیضاً» وهو کما تری، لأنّ المناط غیرمعلوم.
وما یمکن أن یستشعر من الروایات من أ نّه مضادّ لله ـ تعالی ـ فی مصوّریته، فیمکن أن یقال فیه: إنّ کلّ واحد من الفاعلین لم یفعل ما یضادّ الله ـ تعالی ـ فإنّه تعالی مصوّر الصورة المنفوخة فیها، وکلّ من الفاعلین لم یفعل ذلک والمجموع منهما لیسا شخصاً واحداً مضادّاً له تعالی، مع أنّ فی کون المناط ذلک بحیث یکون کالعلّة فی التعمیم والتخصیص منعاً. وأسوأ منه توهّم إلغاء الخصوصیّة عرفاً، سیّما مع ما فی الأخبار من أ نّه یؤمر بالنفخ، الظاهر منه أنّ المصوّر شخص واحد بخصوصیّة کونه مصوّراً وهی منفیة فی المقام.
وأمّا التشبّث ببعض الأخبار لإثبات الحکم بالنسبة إلی الاثنین وأکثر کقوله ـ علیه السلام ـ: «نهی عن تزویق البیوت»، بدعوی أ نّه أعمّ من أن یکون صادراً عن واحد و مازاد.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 281
وکقوله ـ علیه السلام ـ: «وصنعة صنوف التصاویر مالم تکن مثل الروحانیّ». وکقوله فی صحیحة محمّد بن مسلم: «ما لم یکن من الحیوان».
وکقوله فی تفسیر قوله تعالی: «یعملون ما یشاء...»: «والله ما هی تماثیل الرجال والنساء»، فإنّ ظاهره حرمة عملهم لها ولو کان بالاشتراک، وبالجملة یظهر منها مبغوضیّة الصورة ولو صدرت من أکثر من واحد.
ففیه ما لایخفی لما تقدّم أنّ الروایة الأولی راجعة إلی تزویق البیوت وأجنبیّة عمّا نحن بصدده، مع إمکان المناقشة فی إطلاقها من الجهة المنظورة، لإمکان أن یکون تزویق البیوت محرّماً علی صاحب البیوت ولو بالتسبیب وإن لم یکن بعض التصویر محرّماً علی الفاعل، تأمّل. وکیف کان لایصحّ الاستناد إلیها للمقام.
والثانیّة أیضاً أجنبیّة عن المقام کما تقدّم ویأتی بعض الکلام فیها إن شاء الله، مع أ نّها بصدد بیان صنوف الحلال والحرام ولا إطلاق فیها من حیث الفاعل. وکذا صحیحة ابن مسلم لما تقدّم ویأتی.
وأضعف منها التمسّک بروایة أبی العباس، ضرورة عدم معلومیّة الواقعة الخارجیّة. ونفی تماثیل الرجال والنساء أجنبی عن الدلالة علی حرمة عملهم ولو بالاشتراک. وعدم دلالتها علی حرمة ذلک علی سلیمان النبی ـ علیه السلام ـ کما تقدّم.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 282
والإنصاف عدم نهوض الأدلّة لإثبات الحکم وإن کان الاحتیاط فی الدین یقتضی التجنّب عنه و لو بالاشتراک، لذهاب بعض الأساطین إلی حرمته، ومظنونیّة تحقّق المناط، وعدم رضا الله ـ تعالی ـ بکون الشخصین أیضاً مشابهاً له فی مصوّریته، واحتمال مساعدة العرف للتعدّی وإلغاء الخصوصیّة، واحتمال شمول روایة أبی بصیر عن أبی عبد الله ـ علیه السلام ـ، قال: قال: رسول الله صلی الله علیه و آله وسلم، أتانی جبرئیل فقال: «یا محمّد، إنّ ربّک ینهی عن التماثیل» للمقام، بناء علی أ نّها غیر الروایة المتقدّمة کما هو الظاهر، وبناء علی أنّ النهی عن تصویر التماثیل، إلی غیر ذلک.
تصویر جزء الحیوان لیس محرّماً
ثمّ إنّ الظاهر من حرمة تصویر الصور وتمثیل المثال حرمة الاشتغال بها إذا انتهی إلی تحقّق الصورة، کما هو الظاهر من مثل قوله: لاتکتب سطراً، ولاتقل شعراً.فإذا اشتغل بالکتابة والإنشاء فعل حراماً واشتغل به مع إتمام السطر والشعر. فلو بدأ له فلم یتمّها أو منعه مانع، لم یفعل الحرام وإن کان متجرّیاً علی المولی. وبالجملة، لیس المحرّم تصویر الأجزاء، لأنّ الحکم متعلّق بعنوان تصویر الصورة، وتصویر بعض الأعضاء ولو بقصد الإتمام لیس تصویر الصورة، ولیس المحرّم هو الجزء الأخیر فقط أو حصول الهیئة، فإنّ الحکم لم یتعلّق بإحداث الهیئة حتی یقال: إنّ الجزء الأخیر محقّقها، علی تأمّل فیه أیضاً، بل الحکم متعلّق بالتصویر المنطبق علی تمام الأجزاء إلی حصول الصورة، کما أنّ المحرّم فی کتابة السطر تمام الأجزاء. وإن شئت قلت: إنّ المحرّم هو العنوان الذی لاینطبق إلاّ علی
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 283
تمام الأجزاء، تأمل.
المکاسب المحرمةج. 1صفحه 284