المبحث الثانی : فی أقسام البیع بحسب الأسباب

تحقّق البیع بالإشارة والکتابة وغیرهما

تحقّق البیع بالإشارة والکتابة وغیرهما

‏ ‏

‏ثمّ إنّ هاهنا کلاماً آخر ، وهو أ نّـه لا إشکال فی تعارف ا لعقد ا لمعاطاتی‏‎ ‎‏با لإعطاء وا لأخذ ، وکذا فی تعارف ا لعقد با لصیغـة ، کما لا شبهـة فی صدق‏‎ ‎‏«ا لبیع» علیهما ، بل قد مرّ أ نّـه یصدق «ا لعقد» أیضاً علیهما‏‎[1]‎‏ .‏

فهل ا لبیع‏ عرفاً ولدی ا لعقلاء منحصر بهما ؟ أو یکون ا لبیع با لإشارة ، بل‏‎ ‎‏بکلّ مظهر ؛ کتابةً ، أو إشارةً ، أو غیرهما ، بیعاً عقلائیّاً ؛ بدعویٰ أنّ ا لبیع لیس إلاّ‏‎ ‎‏ا لمبادلة بین ا لما لین ، أو تملیک عین بعوض ، فا لإشارة ا لمفهمـة وا لکتابـة‏‎ ‎‏وغیرهما ، آلات لإنشاء ا لمعنی ا لاعتباری ، ولیس للفظ ولا لعمل خاصّ ،‏‎ ‎‏خصوصیّـة فی ذلک ، فا لإشارة وسائر ا لمبرزات آلات للإنشاء فی عرض واحد ،‏‎ ‎‏وکلّ منها سبب مستقلّ لإیقاع ا لمعاملـة ؟ ا لظاهر ذلک .‏

إلاّ أن یقال :‏ إنّ ماهیّـة ا لبیع وإن کانت ا لمبادلـة ، لکن لابدّ فی تحقّقها من‏

کتاب البیعج. 1صفحه 302
‏سبب عقلائی ، وا للفظ وا لتعاطی سببان عقلائیّان بلا شبهـة ، وأمّا سائر ا لمبرزات‏‎ ‎‏فلیست من ا لأسباب ا لعقلائیّـة لإیجاد ا لطبیعـة ، وإن کانت بواسطـة ا لقرائن‏‎ ‎‏مفهمـة للمقصود .‏

‏فهل تریٰ : أنّ ا لمتعاملین لو تقاولا علیٰ «أنّ إیجابی هو ا لعطسـة ـ مثلاً ـ‏‎ ‎‏وقبولک وضع ا لکفّ علی ا لکفّ» صدق علیٰ ما فعلا «ا لبیع» ونحوه ؟ !‏

‏وا لإشارة با لحاجب ، وا لسبلـة لاتقصر عن ذلک ، فهی وأمثا لها لیست أسباباً‏‎ ‎‏عقلائیّـة ، ولاتتحقّق ا لماهیّـة بها عند ا لعقلاء .‏

‏فحینئذٍ لو قلنا بأنّ إشارة ا لأخرس سبب عقلائی فی عرض سائر ا لأسباب ،‏‎ ‎‏لاتکون قائمـة مقام ا للفظ ، بل هی سبب کا للفظ .‏

‏لکن یمکن ا لمناقشـة فیـه : بأنّ ا لإشارة إذا لم تکن سبباً عقلائیّاً ، فلابدّ من‏‎ ‎‏ا لالتزام بأنّ ا لعجز شرط فی ا لسبب ، فیکون ا لمؤثّر ا لإشارة ا لصادرة من‏‎ ‎‏ا لأخرس ؛ بحیث یکون ا لسبب مرکّباً من ا لإشارة ، وقید ا لخرس ، وهو کما تریٰ .‏

‏فلابدّ وأن یقال : إنّ إشارتـه قائمـة مقام ا لسبب ، فلابدّ فی ا لصحّـة وا لنفوذ‏‎ ‎‏من دلیل خاصّ ، غیر ا لأدلّـة ا لعامّـة .‏

‏ولو سلّم ، یمکن ا لمناقشـة فی إطلاق أدلّـة ا لتنفیذ وعمومها لمثل هذا ا لفرد‏‎ ‎‏ا لنادر ا لوقوع جدّاً ، بدعوی انصرافها عن مثلـه ، وصرف ندرة ا لوجود وإن لم‏‎ ‎‏توجب ا لانصراف ، لکن تعارف ا لقسمین ا لمتقدّمین ، وعدم تعارف غیرهما ، وندرة‏‎ ‎‏وجوده بحیث یلحق با لعدم ، ربّما یوجب صرف ا لأذهان عنـه ، وانصراف ا لأدلّـة ،‏‎ ‎‏وفی مثلـه لابدّ فی نفوذه من دلیل ؛ لعدم تعارفـه حتّیٰ یقال : إنّـه أمر متعارف ، ولم‏‎ ‎‏یردع عنـه ا لشارع ، فهو ممضیٰ ، ولولا دلیل خاصّ ، لم یسعنا ا لحکم بصحّـتـه‏‎ ‎‏ولزومـه .‏

‏إلاّ أن ینکر عدم ا لتعارف ؛ ویقال : إنّـه متعارف فی بعض ا لظروف‏

کتاب البیعج. 1صفحه 303
‏وا لحا لات ، وهو کافٍ فی عدم ا لانصراف .‏

‏وهو مشکل ؛ لأنّ ما هو ا لمتعارف هو بیع ا لأخرس ومعاملتـه ؛ بنحو‏‎ ‎‏ا لمعاطاة وا لإشارات ا لقبلیّـة ، کا لمقاولات لتعیین ا لمبیع وا لقیمـة مثلاً ، وأمّا کون‏‎ ‎‏إشارتـه لإیقاع ا لمعاملـة ـ بحیث یکون ا لأخرس مستثنیٰ من سائر ا لعقلاء ا لذین‏‎ ‎‏تکون مبایعتهم با لمعاطاة ـ فهو غیر مسلّم ، بل مسلّم ا لخلاف ، فا لشائع فی ا لظرف‏‎ ‎‏ا لخاصّ هو معاملـة ا لأخرس ، لابیعـه با لإشارة فی مقام إجراء ا لصیغـة .‏

وکیف کان :‏ لو قلنا بعدم صدق «ا لبیع» علیٰ ما یوقع با لإشارة حقیقـة ، لا‏‎ ‎‏محیص عن ا لقول بعدم صدقـه با لنسبـة إلیٰ بیع ا لأخرس بها ؛ لأنّ ماهیّـة ا لبیع‏‎ ‎‏لاتختلف با لنسبـة إلی ا لناطق وغیره ، إلاّ أن یلتزم با لاشتراک ا للفظی ، وهو کما‏‎ ‎‏تریٰ .‏

‏أو یقال : إنّ إشارة ا لأخرس سبب عقلائی ، دون إشارة غیره ، وهو أیضاً غیر‏‎ ‎‏مرضیّ ، فلابدّ ـ علیٰ هذا ا لفرض ـ من ا لقول بأنّ بیع ا لأخرس ملحق با لبیع ، وهو‏‎ ‎‏یحتاج إلی ا لدلیل .‏

وأمّا لو قلنا‏ بأنّ «ا لبیع» عرفاً ولغـة ، صادق علی ا لبیع با لإشارة حتّیٰ من‏‎ ‎‏غیر ا لأخرس ، فلازمـه أنّ بیعـه یقع با لفعل ، ولایکون قائماً مقام ا لبیع با لصیغـة ؛‏‎ ‎‏لأنّ ا لمفروض أنّ ا لإشارة أحد ا لأسباب فی قبال ا للفظ وسائر ا لأفعال ، فلا فرق‏‎ ‎‏بین إشارة ا لأخرس وغیره ؛ فی أ نّها آلـة لإیجاد ا لمبادلـة .‏

‏فکما أنّ إشارة غیر ا لأخرس لاتقوم مقام لفظـه ، کذلک إشارة ا لأخرس ،‏‎ ‎‏غایـة ا لأمر : أنّ غیره قادر علیٰ إیجاد ا لبیع با للفظ وا لإشارة وسائر ا لأفعال ،‏‎ ‎‏وا لأخرس عاجز عن إیقاعـه با للفظ ، فکما أنّ ا لعاجز عن ا لکتابـة لاتقوم إشارتـه‏‎ ‎‏مقام کتبـه أو لفظـه ، کذلک ا لأخرس .‏

وبعبارة اُخریٰ :‏ إنّ إشارة ا لأخرس کإشارة غیره ، آلـة لإیقاع ا لبیع بلاوسط‏

کتاب البیعج. 1صفحه 304
‏وابتداءً فی عرض ا للفظ ، ولاتکون إشارتـه إشارة إلی ا للفظ وا لإیقاع با للفظ‏‎ ‎‏ا لمشار إلیـه .‏

‎ ‎

کتاب البیعج. 1صفحه 305

  • )) تقدّم فی ا لصفحـة 108 .