التنبیه الثالث: اعتبار عدم سبق الردّ فی الإجازة
قا لوا : من شروط ا لإجازة أن لا یسبقها ا لردّ .
واستدلّ علیـه بعد نقل ا لإجماع : بأنّ ا لإجازة بما أ نّها تجعل ا لمجیز أحد طرفی ا لعقد ـ وإ لاّ لم یکن مکلّفاً بوجوب ا لوفاء ـ تکون کا لإیجاب إذا کان ا لبیع فضولیّاً ، وکا لقبول إذا کان ا لاشتراء فضولیّاً ، وکما أنّ ا لردّ بعد ا لإیجاب قبل ا لقبول موجب لسلب صدق «ا لعقد» سواء کان من ا لموجب ، أو ا لقابل ، فکذلک فی ا لمقام .
وهذا ا لمدّعیٰ یتوقّف ثبوتـه علی أمرین :
أحدهما : أنّ ردّ ا لإیجاب قبل ا لقبول ـ سواء کان من ا لموجب أو ا لقابل ـ موجب لسقوطهما عن صدق «ا لعقد» .
وثانیهما : أنّ ا لردّ قبل ا لإجازة کا لردّ قبل ا لقبول .
أمّا ا لدعوی ا لاُولیٰ : فلاتبعد صحّتها با لنسبـة إ لی ردّ ا لموجب إیجابـه ، إذا کان ا لإیجاب عبارة عن ا لإرادة ا لمظهرة کما قیل ، أو عبارة عن ا لبناء وا لقرار ا لقلبیّ بأنّ هذا ملک ا لطرف بإزاء کذا ، أو عبارة عن ا لتعهّد بذلک .
فإذا ارتبطت ا لإرادة ا لمظهرة من ا لقابل با لإرادة ا لمظهرة من ا لموجب ، تمّ ا لعقد ، وکذا ا لحال فی ا لبناء وا لقرار وفی ا لتعهّد ؛ لأنّ ا لعدول عن ا لإیجاب قبل ا لقبول ، یوجب سقوط ا لإرادة وا لبناء وا لقرار ا لقلبیّ ، وا لتعهّد کذلک .
ومعـه لا یعقل ارتباط ا لقبول با لإیجاب ؛ لمعدومیّـة ا لإرادة وسقوطها ، وما
کتاب البیعج. 2صفحه 280
کان مظهراً للإرادة ا لسابقـة ، لایعقل أن یبقیٰ علیٰ مظهریّتـه ، فلابدّ من إرادة اُخریٰ ، وبناء آخر ، وتعهّد آخر ، وإظهارها حتّیٰ یرتبط ا لقبول بـه ، هذا با لنسبـة إ لیٰ ردّ ا لموجب .
وأمّا ردّ ا لقابل ، فلا یصلح لإسقاط إرادة ا لموجب ، ولا قراره وبنائـه ، ولا تعهّده ؛ لأنّ لها مبادئ خاصّـة ، ما دامت باقیـة تبقیٰ بوجود علّتها ومبادئها .
نعم ، لو ردّ ا لقابل وأیس ا لموجب من قبولـه ، سقطت ا لمعا لیل ؛ لسقوط عللها ومبادئها ، لکن لو ردّ ثمّ عدل قبل سقوطها ، تمّ نصاب ا لعقد ، وارتبطت ا لإرادة وا لقرار وا لتعهّد بنظائرها فی ا لموجب .
هذا ، لکنّ ا لمبانی کلّها غیر مرضیّـة ، ولا یوافقها عرف ، ولا عقل ، ولا لغـة :
أمّا حدیث ا لإرادة ا لمظهرة وا لبناء ا لقلبیّ ، فتصوّره یغنی فی ا لحکم با لفساد .
وأمّا حدیث ا لتعهّد فقد یقال إنّ قولـه تعا لیٰ : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» معناه وجوب ا لوفاء با لعهد ، وا لعقد هو معاقدة ا لطرفین ومعاهدتهما ، ومع فقد تعهّد أحدهما لاتتحقّق ا لمعاهدة وا لمعاقدة .
وفیـه : أنّ ا لعقد لو کان بمعنی ا لعهد ، وا لتعاقد لو کان بمعنی ا لتعاهد ، فلابدّ من ا لالتزام بخروج ا لبیع ونحوه منـه ؛ ضرورة أنّ ا لبیع ـ عرفاً ولغـة ـ عبارة عن مبادلـة مال بمال ، أو تملیک عین با لعوض ، وعناوین ا لعهدة وا لالتزام خارجـة عنـه ، فلایقال لمن باع خبزاً بدرهم : «إنّـه عاهده ، وهما تعاهدا علیٰ کون ا لخبز فی مقابل ا لدرهم» .
بل ا لعرف وا لعقلاء یدرکون عناوین ا لمعاملات ، ویغفلون عن ا لتعاهد
کتاب البیعج. 2صفحه 281
وا لمعاهدة وا لمعاقدة .
نعم ، بعد ا لتبادل وتمامیّـة ا لمعاملـة ، وصیرورة کلّ من ا لعوضین ملکاً للآخر ، یری ا لعقلاء عهدة أداء کلّ مال صاحبـه ، وا لعهدة للأداء من أحکام ا لمعاملـة لا نفسها .
وا لتحقیق : أنّ ا لعقد فی «أَوْفُوا بِالْعُقودِ» عبارة عن ا لربط ا لاعتباریّ ا لحاصل من ا لتبادل ا لاعتباریّ ، فکأ نّـه عقدة حاصلـة من ا لإنشاء ، کما یشهد بـه قولـه تعا لیٰ : «أَوْ یَعْفُوَ الَّذِی بِیَدِهِ عُقْدَةُ النِّکَاحِ» .
فعقدة ا لبیع کعقدة ا لنکاح ، فهی عبارة عن تبادل ا لعوضین ، ا لذی یتوهّم منـه حصول عقدة بتبادل ا لإضافات ، ولمّا کان ا لعقد موجباً لصیرورة ا لعوضین متبادلین ، وکان لکلّ منهما عهدة أداء مال صاحبـه بواسطـة ا لعقد ، توجّـه ا لأمر بوجوب ا لوفاء بـه وا لعمل علیٰ طبق مضمونـه .
فقولـه تعا لیٰ : «أَوْفُوا بِالْعُقُودِ» و«أَحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ» و«تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» کلّها وردت لتصحیح ا لمعاملات وإنفاذها ، کما تمسّک بها ا لسلف وا لخلف ، لکن لسانها مختلف :
فـ «أَحَلَّ الله ُ الْبَیْعَ» ظاهر فی إنفاذ أصل ا لماهیّـة ، وإن شئت قلت : یدلّ با لمطابقـة علیٰ نفوذها وحلّیتها .
و«أَوْفُوا بِا لعُقُودِ» ناظر إ لیٰ مضمونها ، وأمر با لوفاء بها ، ولازمـه صحّتها ونفوذها ، فیدلّ علیها با لالتزام .
وقولـه تعا لیٰ : «تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ» ناظر إ لی ا لأموال ا لحاصلـة با لتجارة ، وحلّ أکلها وا لتصرّف فیها ، فیدلّ با لالتزام علیٰ صیرورة ا لمال ما لـه وصحّـة
کتاب البیعج. 2صفحه 282
ا لمعاملـة .
وقولـه تعا لیٰ : «أَوْفُوا بِا لعُقُودِ» لیس حکماً تکلیفیّاً زائداً علیٰ لزوم ا لعمل علیٰ طبق ا لمعاملـة ، وردّ مال ا لغیر ا لذی صار ما لـه من قبل ا لعقد ، وإنّما هو حکم إرشادیّ لا مولویّ ، وإ لاّ لزمت منـه صحّـة ا لعقوبتین لمن ترک ا لعمل با لعقد : عقوبـة عدم ردّ مال ا لغیر ، وعقوبـة عدم ا لوفاء با لعقد ، وإن کان ا لعنوانان حاصلین بعمل واحد ، واجتمعا فی ا لردّ ا لخارجیّ ، ولا أظنّ صحّـة ا لالتزام بذلک وا لتزامهم بـه .
وا لإنصاف : أنّ ما ذکره ا لمتأخّرون اُمور عقلیّـة ، خارجـة عن ا لمتفاهم ا لعرفیّ ا لذی هو ا لمیزان فی باب ا لمعاملات .
ثمّ إنّـه علی ا لمبنی ا لمنصور ـ من أنّ ا لبیع هو ا لتبادل ، أو ا لتملیک با لعوض ـ لو أنشأ ا لموجب ذلک فردّ ا لقابل ، لایوجب ذلک هدم ا لإنشاء لا عرفاً ، ولا عقلاً ، ولا شرعاً ، فلـه ا لقبول بعد ردّه ، وکذا لو ردّ ا لموجب ؛ إذ لا دلیل علیٰ سقوط إنشائـه ، فا لقاعدة تقتضی صحّتـه لو رجع ، إ لاّ أن یقوم إجماع علیٰ خلافها ، أو یحرز من ا لعرف وا لعقلاء أنّ رجوع ا لموجب یوجب عدم اعتبار بقاء إیجابـه ، وا لعهدة علیٰ مدّعیـه .
ولو شکّ فی ذلک یجری استصحاب بقاء ا لإیجاب ، فإذا لحقـه ا لقبول ، یندرج فی موضوع وجوب ا لوفاء ؛ لأنّ موضوعـه مرکّب من ا لإیجاب وا لقبول ، وهو حاصل با لأصل وا لوجدان .
نعم ؛ لو کان موضوعـه ا لعقد ، وقلنا إنّـه أمر انتزاعیّ من ا لإیجاب وا لقبول ، لکان ا لأصل مثبتاً ؛ هذا حال ا لإیجاب وا لقبول .
وأمّا ا لدعوی ا لثانیـة : فا لظاهر عدم صحّتها ، ومقتضی ا لقاعدة عدم کون ا لردّ مضرّاً بها علیٰ جمیع ا لمبانی ؛ لأنّ ا لعقد وجد بفعل ا لفضولیّ ، أی بإرادتـه
کتاب البیعج. 2صفحه 283
ا لمظهرة ، أو بنائـه ، أو تعهّده ، أو إنشائـه ا لمبادلـة ، ولا وجـه لکون ردّ غیره موجباً لهدم فعلـه .
فا لعقد ا لمتحقّق من ا لغیر یحتاج إ لیٰ نحو انتساب إ لی ا لما لک ، وقبل ا لإجازة لم یکن منتسباً إ لیـه حتّیٰ یقطع ا لانتساب ، وبعدها یصیر منتسباً ، فلو ا لتزمنا فی ردّ ا لموجب بأ نّـه موجب لعدم صدق ا لعقد ، وبعبارة اُخریٰ موجب لهدم ا لإنشاء ، فلا موجب للالتزام بـه فی ا لمقام .
نعم ، لو قلنا بأنّ ردّ ا لقابل أیضاً موجب لذلک ، فا لظاهر لزوم ا لالتزام بذلک فی ا لفضولیّ أیضاً ؛ لأ نّهما مشترکان فی أنّ فعل ا لغیر ینهدم بردّ صاحبـه .
وقد تقدّم : أن لیس للإجازة شأن إ لاّ قبول فعل ا لغیر وإیجابـه ، وأنّ تمام ماهیّـة ا لبیع ا لإنشائیّ حصل بإیجاب ا لموجب ، وقبول ا لفضولیّ لا أثر لـه ، لا فی تحقّق مفهوم ا لبیع ، ولا فی ترتّب ا لأثر ، فا لإجازة قبول متأخّر ، لکنّ ا لالتزام بـه ضعیف .
مع إمکان أن یقال : إنّـه علیٰ مبنی ا لقوم ـ من أنّ ا لعقد مرکّب من ا لإیجاب وا لقبول ، ولاتتمّ ماهیّـة ا لعقد إ لاّ بهما ـ یمکن ا لالتزام بأنّ ا لردّ قبل ا لقبول موجب لعدم صدق «ا لعقد» لأنّ ا لمرکّب إذا وجد بعض أجزائـه ، وتخلّل بینـه وبین بعض آخر ا لمنافی ، لزم منـه سلب ا لاسم ، وعدم تحقّقـه ، وعدم بقاء صورتـه .
وهذا بخلاف ا لفضولیّ بعد تمامیّتـه ، وصدق «ا لعقد» علیـه ، وحصول ا لردّ بعد تمامیّـة ا لماهیّـة وصدق ا لاسم ، فمقایسـة ا لردّ بعد تمامیّـة ا لماهیّـة با لرّد فی
کتاب البیعج. 2صفحه 284
خلالها وقبل تمامیّتها ، مع ا لفارق .
کتاب البیعج. 2صفحه 285