تنبیهات

التنبیه الخامس: استصحاب أحکام سائر الشرائع

التنبیه الخامس استصحاب أحکام سائر الشرائع

‏ ‏

‏هل یجری استصحاب الأحکام الثابتة فی الشرائع السابقة کما یجری فی أحکام‏‎ ‎‏شریعتنا إذا شککنا فی نسخها أم لا؟ وهذه المسألة وإن لم تکن لها ثمرة ظاهرة لکن‏‎ ‎‏نتعرّض لها اقتفاءً لأثر القوم.‏

فنقول:‏ اختار الشیخ الأعظم ومن بعده الجریان قائلین إنَّ المُقتضی موجود، وهو‏‎ ‎

‏ ‏


کتابالاستصحابصفحه 146

‏إطلاق أدلّة الاستصحاب، ولیس ما یصلح للمانعیّة إلاّ اُمور یمکن دفعها:‏

منها:‏ أنَّ الحکم الثابت فی حقّ جماعة لا یمکن إثباته فی حقّ الآخرین لتغایر‏‎ ‎‏الموضوع‏‎[2]‎.

وأجابوا عنه أوّلاً:‏ بالنقض باستصحاب عدم النسخ فی أحکام شریعتنا‏‎[3]‎.

وثانیاً:‏ بالحلّ؛ فإنَّ الأحکام ثابتة للعناوین الکلّیة علیٰ نحو القضایا الحقیقیّة‏‎ ‎‏لا للأشخاص علیٰ نحو الخارجیّة، فإذا ثبت حکم للمُستطیع أو الغنیّ أو الفقیر فلا‏‎ ‎‏مانع من استصحاب بقائه عند الشکّ فی نسخه؛ فإنَّ موضوع القضیّة المُتیقّنة والمشکوک‏‎ ‎‏فیها هو هذه العناوین بنحو القضیّة الحقیقیّة، فتتّحد القضیّة المُتیقّنة والمشکوک فیها‏‎[4]‎.

‏وزاد الشیخ رحمه الله أمراً آخر‏‎[5]‎‏ ردّ علیه من بعده‏‎[6]‎‏، والعمدة هو الجواب الحلّی‏‎ ‎‏الذی ارتضاه المُحقّقون، وهو أن یدفع الإشکال المُتقدّم.‏

‏          لکن هاهنا شبهة اُخریٰ لا یدفعها هذا الجواب، وهی أ نَّه من الممکن أن یکون‏‎ ‎‏المأخوذ فی موضوع الحکم الثابت فی الشرائع السابقة عنوان علی نحو القضیّة الحقیقیّة،‏‎ ‎‏لا ینطبق ذلک العنوان علی الموجودین فی عصرنا، کما لو اُخذ عنوان الیهود والنصاریٰ؛‏‎ ‎‏فإنَّ القضیّة وإن کانت حقیقیّة لکن لا ینطبق عنوان موضوعها علیٰ غیر مصادیقه.‏

‏          ففی قوله تعالی: ‏‏«‏علی الذین هادوا حرّمنا کلَّ ذیظفرٍ ومن البقرِ والغنمِ حرّمنا‎ ‎علیهمْ شحومَهما‏»‏‎[7]‎‏ إلیٰ آخره کانت القضیّة حقیقیّة، لکن إذا شکّ المُسلمون فی بقاء‏‎ ‎


کتابالاستصحابصفحه 147

‏حکمها لهم لا یجری الاستصحاب، کما لو ثبت حکم للفقراء وشکّ الأغنیاء فی ثبوته لهم‏‎ ‎‏لا یمکن إثباته لهم بالاستصحاب، وهذا واضح جدّاً‏‎[8]‎.

إن قلت:‏ فکیف یستصحب الحکم الثابت للعصیر العنبیّ إذا شکّ فی ثبوته‏‎ ‎‏للعصیر الزبیبیّ، وهل هذا إلاّ إسراء حکم من موضوع إلی موضوع آخر؟!‏

قلت:‏ فرق واضح بین ما ذکرنا وبین مورد النقض؛ لأنَّ کلّ زبیب مسبوق‏‎ ‎‏بالعنبیّة بحسب وجوده الخارجیّ، فإذا وجد العنب فی الخارج، وثبت الحکم له، وصار‏‎ ‎‏یابساً یجری استصحاب حکمه؛ لأنَّ العنب الخارجیّ إذا یبس لا یری العرف إلاّ بقاءه ‏‎ ‎‏مع تغییر حال، فالقضیّة المُتیقّنة والمشکوک فیها واحدة فیُستصحب الحکم، وأمّا‏‎ ‎‏المُسلمون فلم یکن کلّ واحدٍ منهم مسبوقاً بالتهوّد أو التنصّر خارجاً ثمّ صار مُسلماً، ولو‏‎ ‎‏کانوا کذلک لجریٰ فی حقّهم الاستصحاب، کاستصحاب حکم العنب للزبیب.‏

وممّا ذکرنا:‏ ظهر الفرق بین استصحاب عدم النسخ فی أحکام هذه الشریعة‏‎ ‎‏وأحکام الشرائع السابقة.‏

ولایخفیٰ:‏ أنَّ مُجرّد احتمال أخذ عنوان غیر منطبق علی المُسلمین کافٍ فی المنع؛‏‎ ‎‏للزوم إحراز وحدة القضیّتین، ولا دافع للاحتمال فی حکم من الأحکام المشکوک فی‏‎ ‎‏نسخها؛ لأنَّ ظواهر الکتب المنسوخة الرائجة بینهم لیست قابلة للتمسّک بها، مع ورود‏‎ ‎‏الدس والتغییر علیها، وأصلها الغیر المُتغیّر لیس عندهم ولا عندنا حتّیٰ یعلم أنَّ الحکم‏‎ ‎‏ثابت للعنوان الکذائی، والقرآن المجید لم یحک العناوین المأخوذة فی موضوعات‏‎ ‎‏أحکامهم الکلّیة، کما یظهر بالتأمّل فیما جعلوه ثمرة للنزاع تبعاً للمحکیّ عن «تمهید‏‎ ‎‏القواعد»‏‎[9]‎.

فتحصّل ممّا ذکرنا:‏ عدم جریان استصحاب أحکام الشرائع السابقة.‏

‏ ‏

‏ ‏


کتابالاستصحابصفحه 148

هذا مضافاً:‏ إلیٰ أنَّ الشکّ فیها من قبیل الشکّ فی المُقتضی؛ لعدم الدلیل علی‏‎ ‎‏إحرازه، ونحن وإن ذهبنا إلیٰ جریانه فیه‏‎[10]‎‏، ولکن یرد هذا الإشکال علی الشیخ‏‎ ‎‏رحمه الله ، ومن تبعه فی عدم الجریان مع الشکّ فی المُقتضی‏‎[11]‎.

‎ ‎

کتابالاستصحابصفحه 149

  • . الفصول الغرویة: 315 سطر 30.
  • . رسائل الشیخ الأنصاری: 381 سطر 8، کفایة الاُصول: 470، نهایة الأفکار 4: 174، درر الفوائد: 547 وغیرها.
  • . کفایة الاُصول: 470، فوائد الاُصول 4: 478 و 479، نهایة الأفکار 4: 174 و 175، وانظر رسائل الشیخ     الأنصاری: 381 سطر 9، درر الفوائد: 547.
  • . رسائل الشیخ الأنصاری: 381 سطر 13.
  • . کفایة الاُصول: 471، حاشیة الآخوند علی الرسائل: 209 سطر 10، فوائد الاُصول 4: 479 و 480، نهایة الأفکار     4: 176، درر الفوائد: 547 و 548.
  • . سورة الأنعام 6: 146.
  • . اُنظر رسائل الشیخ الأنصاری: 381 سطر 10.
  • . الحاکی هو الشیخ الأعظم قدّس سرّه، اُنظر رسائله: 382 سطر 6، تمهید القواعد: 33 سطر 2.
  • . تقدّم فی صفحة 32 وما بعدها.
  • . اُنظر رسائل الشیخ الأنصاری: 328 سطر 17، حاشیة المحقّق الهمدانی علی الرسائل: 81 سطر 16، فوائد الاُصول     4: 373.