الفائدة الثانیة : وفیها مباحث

إیضاح

إیضاح

‏     المراد بالقوّة المربیّة فی قوی النفس النباتیّة هی النامیة، ولعلّ المُراد بالفکر‏‎ ‎‏فی قوی الناطقة هی القوّة المدرکة أعمّ من أن تکون مدرکة الصور أو‏‎ ‎‏المعانی، وبالذکر القوّة الحافظة کذلک، وبالعلم القوّة النظریّة، وبالحلم القوّة‏‎ ‎‏العملیّة‏‎[1]‎‏ وبالنباهة القوّة الحدسیّة، ویمکن فی الثلاثة الأول أن تکون هی‏‎ ‎‏مراتب القوّة النظریّة وفی الأخیرتین کما ذکرنا.‏

‏     ‏وبالجملة:‏ لا ریب أنَّ القوی إذا استعملت فیما یلیق بها وفیما تخلق‏‎ ‎‏لأجلها یورث النزاهة والتجرّد من المواد، والتقدّس عن مذامّ الصفات‏‎ ‎‏والأخلاق علی الوجه السداد، وینجی من الوقوع فی شکوک الأهواء‏‎ ‎‏والتورّط فی مضلاّت الآراء، ویوجب العلم بحقائق الأشیاء والمعرفة بکیفیّة‏‎ ‎‏الترقیّ من المُسبّبات إلی أسبابها، بل یورث التحقّق بتلک الحقائق والتعلّق‏‎ ‎‏بهذه الرقائق کما قیل فی مرتبة العقل بالفعل.‏

‏     وأمّا قوی النفس الکلیّة الإلهیّة، فاعلم أنّ کلمة «فی» کلّما وردت فی‏‎ ‎‏مثل هذه المواضع فهی للسببیّة، مثلها فی قوله صلّی الله علیه وآله: (‏إنّ امرأة‎ ‎دخلت النار فی هرّة)‎[2]‎‏ فالبقاء الدائم لایمکن إلاّ بالفناء عن کلّ شیء حتّی عن‏‎ ‎‏الفناء‏‎[3]‎‏ والنعیم الدائم لا یحصل إلاّ بتحمّل المشاقّ ومقاسات الشدائد‏‎ ‎‏واستدامة هذا الذواق، وکذا العزّة الثابتة عند الله لا تنال إلاّ بالذّل بین‏‎ ‎


کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 124

‏الناس ‏‏«‏تِلْکَ الدَّارُ الآخِرَةُ نَجْعَلُها لِلَّذینَ لا یُریدُونَ عُلُوّاً فِی الأرْضِ وَلاَ فَسَاداً‏»‏‎[4]‎‏ وکذا‏‎ ‎‏الافتقار الکلّی إلی الله لایحصل إلاّ بالإیاس عن الناس، وإنّهم لا یملکون‏‎ ‎‏ضرّاً و لا نفعاً بالبرهان والقیاس ودرجة الصابرین لا یوصل إلیها إلاّ بأن‏‎ ‎‏«‏لا تأسَوا عَلَی مَا فَاتکُمْ وَلاَ تَفرَحُوا بِمَا آ تَاکُم‏»‏‎[5]‎.

‏     ‏‏وفی قوله صلوات الله علیه: «والعقل وسط الکل» تصریح بأنَّ هذه‏‎ ‎‏النفوس کالدوائر بالعقل، فهو بمنزلة المرکز، غیر أنَّ المرکز فی الدوائر العقلیّة‏‎ ‎‏هو المحیط بالدائرة بخلافه فی الدوائر الجسمانیة، ومن ذلک یظهر أیضاً أنّ‏‎ ‎‏الکلّ قشور لهذا اللّب، وأ نّها مراتب تنزلات ذلک النور من شبّ إلی‏‎ ‎‏دبّ‏‎[6]‎.

‏     ‏‏وذکر الآیتین للاستشهاد علی أنَّ بدو هذه الأنفس من الله ذی الجلال‏‎ ‎‏والإکرام وإلیه عودها بالکمال، فقوله تعالی: ‏‏«‏وَنَفَخْتُ فِیهِ مِن رُوحِی‏»‏‎[7]‎‏ لبیان‏‎ ‎‏الابتداء، وقوله جلّ وعلا: ‏‏«‏یَا أیَّتُهَا النفسُ المُطْمَئِنَّة ارْجَعی إلَی رَبِّکِ راضِیَةً مَرضِیة‏»‏‎[8]‎‎ ‎‏لبیان الإعادة، فتبصر.‏

‏_______________________________________________________________________ ‏

‏ ‏

‏قوله: دبّ إلی شبّ.‏

‏     کذا فی النُسخة الّتی عندنا، والظاهر أ نّه من خطأ الناسخ، والصحیح من شبّ‏‎ ‎‏إلی دبّ ؛ أی من الشباب إلی أن دبّ علی العصا. قاموس‏‎[9]‎.

‏ ‏


کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 125

‎ ‎

کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 126

  • . فی نسخة «ل»: العلمیة.
  • . مسند أحمد بن حنبل 2: 507.
  • . فی نسخة «ل»: الغناء.
  • . القصص: 83.
  • . الحدید: 23.
  • . فی بعض النسخ «من دبّ إلی شب» والصحیح ما أثبتناه، اُنظر مجمع الأمثال 1: 628.
  • . الحجر: 29، وسورة ص: 72.
  • . الفجر: 27 ـ 28.
  • . القاموس المحیط: 105.