الفائدة الثالثة : وفیها مطلبان

المطلب الثانی : فی تطبیق الجواب علی الأسئلة

المطلب الثانی فی تطبیق الجواب علی الأسئلة المذکورة وإخراج المقاصد منه بأوضح طریقة

‏ ‏

‏     ‏‏اعلم أنَّ رأس الجالوت سأل عن الرؤوس الخمسة الّتی هی أوائل‏‎ ‎‏الموجودات واُصول العوالم والماهیّات، وأجاب الإمام علیه السلام: ببیان لمیّة‏‎ ‎‏الإیجاد وسرّ الصدور علی نحو الرشاد ؛ بحیث یظهر علّة وحدة الصادر‏‎ ‎‏الأوّل مع کثرته، وهو الذی صدّره السائل فی کلامه حیث قال: ما الواحد‏‎ ‎‏المُتکثّر.‏

‏     أمّا ظهور وحدته فلکونه صادراً عن الواحد المحض، وأمّا کثرة ما فیه‏‎ ‎‏فلدلالة کلمة نحن علی ذلک کما لا یخفی، وأجمل علیه السلام فی الجواب‏‎ ‎‏عن الأربعة الاُخر لما علم علیه السلام أنَّ السائل إذا عرف أ نّه أجاب بما فوق‏‎ ‎‏مسؤوله بل فوق ما أحاط به مأموله من بیان هذا السرّ بذلک الإیجاز المرموز‏‎ ‎‏فمن ذلک یمکنه التفطّن بأ نّه علیه السلام أعلم بهذه الحقائق منه، بل انتشرت‏‎ ‎‏هذه الأسرار منهم علیهم السلام علی العالمین من الأنبیاء والأولیاء والمرسلین‏‎ ‎‏والحکماء الإلهیّین.‏

‏     وأیضاً أشار علیه السلام فی هذا الإیجاز إلی أنَّ ذلک الصادر الأوّل هو‏‎ ‎‏نورهم الساطع وبرهانهم القاطع، حیث قال: «صرنا نحن نحن» لیعلم‏

کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 153

‏السائل أ نّهم أوّل من قرع باب الوجود والإیجاد، وأقدم من نظر إلیه الحقّ‏‎ ‎‏نظر الرحمة والوداد حینما نظر إلی نفسه، بل بعین ما رأی ذاته بذاته، ثمّ‏‎ ‎‏منهم علیهم السلام استنارت سائر الموجودات وتحقّقت الحقائق وتذوّتت‏‎ ‎‏الذوات.‏

‏     وأیضاً لمّا ظهر من کلام الإمام علیه السلام أنّ الواحد المُتکثّر إنّما صدر‏‎ ‎‏من المبدأ الأوّل من جهة رؤیة نفسه، فعسی أن یتحدّس الرجل العلمی بأنَّ‏‎ ‎‏هذه الرؤیة کما تستتبع صدور هذا المُتکثّر کذلک بعده یستعقب الشوق‏‎ ‎‏العقلی والمشیّة الإلهیّة الّتی مظهرها النفس الکلّیة إلی إظهار الجواهر العقلیّة‏‎ ‎‏المُودعة فی باطن العقل المُندمجة فی سرّ هذا الوجه فی بساط الشهود‏‎ ‎‏وموطن الوجود، وهو یستلزم الإرادة الربّانیّة والعنایة الرحمانیّة الّتی مطلعها‏‎ ‎‏الطبیعة الکلیّة ببسط هذا البساط لتحقّق الارتباط، وذلک البساط هو الجسم‏‎ ‎‏الکلّی المُعبّر عنه فی السؤال بالجاری المُنجمد، وذلک یقتضی وضع تلک‏‎ ‎‏الجواهر فی هذا البسیط وتقدیر أسعارها وتقویم قیمتها، وبیان آجالها‏‎ ‎‏وأرزاقها، ومداد أعمارها.‏

‏     ‏وبالجملة:‏ خیراتها وشرورها بوجود الجسمیّة التعلیمیّة والکمیّة الساریة‏‎ ‎‏الاتّصالیّة.‏

‏     وأیضاً قد استقرّ فیما هدانا الله من البراهین أنَّ هذه الخمسة مرجعها إلی‏‎ ‎‏شیء واحد بالذات ؛ لما تقرّر عندنا أنَّ العقل نفس بالعرض کما أنَّ النفس‏‎ ‎‏عقل بالذات وطبع بالعرض، وهذا من الأسرار الّتی لا تحملها إلاّ صدور‏‎ ‎‏الأحرار، فعلی هذا فالجواب عن الواحد منها جواب عن الکلّ والحمد لله ‏‎ ‎‏الهادی للسبیل.‏

کتابالتعلیقه علی الفوائد الرضویهصفحه 154