تنبیه
إنّ هاهنا نکتـة لعلّها أقرب إ لیٰ بعض ا لأفهام لدفع ا لشبهـة وهی أنّ ا لنفس فی ا لأفعال ا لخارجیـة ا لصادرة منها لمّا کان توجّهها الاستقلالی إ لیها وتکون ا لمبادی من ا لتصوّر إ لی ا لعزم وا لإرادة منظوراً بها ؛ أی بنحو ا لتوسّل إ لی ا لغیر وبنعت ا لآلیّـة لم تکن متصوّرة ولامرادة ولا مشتاقاً إ لیها با لذات بل ا لمتصوّر وا لمراد وا لمشتاق إ لیـه هو ا لفعل ا لخارجی الذی یتوسّل بها إ لیـه ، فلامعنیٰ لتعلّق ا لإرادة با لإرادة ولو فرض إمکانـه ؛ لعدم کونها متصوّرة ولا مشتاقاً إ لیها ولامعتقداً فیها ا لنفع فتدبّر .
[ حول قاعدة : الشیء ما لم یجب لم یوجد]
ومن ا لإشکا لات فی ا لمقام : أ نّـه من ا لمقرّر فی ا لفلسفـة أنّ ا لشیء ما لم یجب لم یوجد ، ووجوب ا لشیء ضرورة تحقّقـه وامتناع
کتابالطلب و الارادهصفحه 56
لا تحقّقـه ، فحینئذٍ یکون صدور ا لفعل عن ا لفاعل واجب ا لتحقّق ، وما کان کذلک یکون ا لفاعل مضطرّاً فی إیجاده ملجأ فی فعلـه . وقد فصّل جمع من ا لمتکلّمین بین ما یصدر عن ا لفاعل ا لمختار فمنعوا ا لقاعدة لئلاّ ینسدّ باب إثبات ا لاختیار للواجب ، وبین غیره لئلاّ ینسدّ باب إثبات ا لصانع تعا لی ، فکأ نّهم بنوا جریان ا لقاعدة ا لعقلیّـة علی أهوائهم لا علی ما ساق إ لیـه ا لبرهان ، فکأنّ ا لنتائج دعتهم إ لیٰ قبول ا لبراهین لا هی هدتهم إ لی ا لنتائج . فانظر ماذا تریٰ !
وکان ا لأولیٰ وا لأجدر ترک ا لتعرّض لأقوا لهم ، لکن لمّا اغترّ بقولهم بعض ا لأعیان من أهل ا لتحقیق رحمه الله وتبعـه غیره من غیر تدقیق ، دعانا ذلک إ لی تعرّض إجما لی لمعنی ا لقاعدة فنقول :
ا لتحقیق أ نّها قاعدة تامّـة مبرهنـة مؤسّسـة علی ا لأوّلیّات کلّیّـة عامّـة لجمیع ا لممکنات وا لحوادث ا لذاتـیّـة وا لزمانـیّـة ـ صدرت من فاعل مختار أو لا غیر مصادمـة لاختیار ا لفاعل ا لمختار .
کتابالطلب و الارادهصفحه 57
أمّا کونها تامّـة عامّـة فیتّضح بعد ذکر اُصول :
ا لأوّل : إنّ کلّ ما یتعقّل ویتصوّر إمّا ضروری ا لتحقّق أو ضروری ا للاّتحقّق أو لا ضروری ا لتحقّق وا للاّتحقّق . ا لأوّل هو ا لواجب ، وا لثانی ا لممتنع ، وا لثا لث ا لممکن . وا لتقسیم بینها حاصر دائر بین ا لنفی وا لإثبات ، ولایعقل قسم آخر للزوم اجتماع ا لنقیضین أو ارتفاعهما .
وهذا ا لتقسیم بحسب مقایسـة ذات ا لشیء ومفهومـه ، وأمّا بحسب نفس ا لأمر فکلّ شیء ممکن إمّا واجب ا لتحقّق أو ممتنعـه ؛ لأنّ علّتـه ا لتامّـة إمّا محقّقـة فیجب تحقّقـه وإلاّ لم تکن تامّـة ، أو غیر محقّقـة فیمتنع وإلاّ ما فرض علّـة لیس بعلّـة وسیأتی بیانـه ، ولا ثا لث لهما بحسب نفس ا لأمر ، فحینئذٍ کلّ ما خرج عن أحد ا لقسمین دخل فی ا لقسم ا لآخر .
ا لثانی : إنّ کلّ ممکن با لنظر إ لیٰ ذاتـه وماهیّـتـه ، نسبـة ا لوجود وا لعدم إ لیـه علی ا لسواء لایترجّح إحداهما علی الاُخریٰ ، ویستحیل ثبوت ا لأولویّـة ا لذاتیّـة لها سواء کانت با لغـة حدّ ا لوجوب کافیـة فی ا لوجود أو لا . أمّا الاُولیٰ فواضحـة للزوم انقلاب ا لممکن با لذات إ لی ا لواجب با لذات ، وأمّا ا لثانیـة فلأنّ ا لممکن قبل تحقّقـه وبا لنظر إ لیٰ ذاتـه وماهیّـتـه لیس بشیء بل هو اعتبار محض
کتابالطلب و الارادهصفحه 58
واختراع عقلی صرف ؛ فإنّ ما لیس بموجود لیسٌ محضٌ لایمکن أن یثبت لـه شیء حتّیٰ ذاتـه وذاتیّاتـه ، وا لأولویّـة خصوصیّـة وجودیّـة تجعل ا لماهیّـة أقرب إ لی ا لتحقّق ، وما لیس بموجود ـ أی معدوم صرف لایعقل فیـه ثبوت أمر عدمی لـه فضلاً عن ثبوتی ولایتصوّر فیـه اقتضاء رأساً ، وا لماهیّـة من حیث هی لیست إلاّ هی بل فی حال ا لعدم لیست هی هی .
ا لثا لث : بعدما لم یکن للممکن اقتضاء ذاتی مطلقاً وتکون نسبـة ا لوجود وا لعدم إ لیـه علی ا لسواء ، لابدّ فی تحقّقـه ووجوده من علّـة مؤثّرة ، وهی إمّا أن تسدّ جمیع ا لأعدام ا لممکنـة علیـه أو لا . فعلی ا لثانی لایمکن أن یصیر موجوداً للزوم ا لأولویّـة ا لذاتیّـة و (أو ـ خ ل) موجودیّـة ا لمعلول بلا علّـة مؤثرة وا لترجّح (ا لترجیح ـ خ ل) بلا مرجّح وهو اجتماع ا لنقیضین .وبعبارة اُخریٰ لو کان لموجودیّتـه أ لف شرط فوجد ا لجمیع إلاّ واحد منها لایمکن أن یصیر موجوداً للزوم ا لخلف ، بل مع عدم واحد من شروطـه لایمکن أن یصیر أولیٰ با لوجود ؛ لأ نّـه بَعدُ فی حال ا لعدم فلایعقل اتّصافـه بصفـة وجودیّـة وجهـة اقتضائیّـة ولو غیریّـة .
وبعد تحقّق جمیع ما یحتاج إ لیـه فی وجوده وحصول علّتـه ا لتامّـة لایمکن عدم تحقّقـه ؛ للزوم ا لخلف وسلب ا لشیء عن
کتابالطلب و الارادهصفحه 59
نفسـه ، فلابدّ أن ینضمّ إ لیها ما یخرج ا لممکن عن ا لامتناع ا لوقوعی وهو بتمامیّـة علّتـه . فإذا خرج من ا لامتناع ، ینسلک فی ا لوجوب ؛ لامتناع ا لواسطـة بینهما بحسب متن ا لواقع ؛ لأ نّـه إمّا بقی بَعدُ علی حا لـه ا لأوّل ولم تؤثّر ا لعلّـة فیـه وهذا عین الامتناع ، وإمّا أثّرت فیـه وسدّت ا لأعدام ا لممکنـة علیـه وهذا عین ا لوجوب ا لغیری . وهذا ا لوجوب لمّا لم یکن ذاتیّاً فلامحا لـة یکون من قبل ا لعلّـة وإیجابـه . فإذا اعتبر فی جانب ا لعلّـة وقیس إ لیها یکون ا لعلّـة فاعلاً موجباً ـ با لکسر وهو ا لوجوب ا لسابق ، وإذا اعتبر فی جانب ا لمعلول وقیس إ لیـه یکون ا لمعلول واجباً وهو ا لوجوب ا للاحق ، فا لفاعل أو ا لعلّـة أوجب ا لشیء فأوجده ، وا لفعل أو ا لمعلول وجب فوجد .
إذا عرفت ما ذکر یتّضح لک أنّ ا لقاعدة تامّـة مؤسّسـة علی ا لأوّلیّات وعامّـة لجمیع ا لماهیّات ا لممکنـة ویکون ا لممکن ـ أیّ ممکن کان من طباع ذاتـه ذلک سواء کان أثر ا لجاعل ا لمختار أو لا ، ولایکون موضوع ا لقاعدة ا لمبرهنـة ممکناً خاصّاً ، وفعل ا لفاعل ا لمختار ممکن أیضاً یأتی فیـه ما ذکر ، ولایعقل تخصیصها إلاّ علی أهواء بعض أصحاب ا لجدل . هذا حال ا لقاعدة .
وأمّا عدم منافاتها لمختاریّـة ا لفاعل ا لمختار فهو أیضاً بمکان من ا لوضوح بعد فهم مفادها ؛ فإنّ مقتضی ا لقاعدة أنّ ا لممکن ما
کتابالطلب و الارادهصفحه 60
لم یصر واجباً لم یصر موجوداً ، وا لعلّـة ا لتامّـة باقتضاءها أوجب ا لمعلول فأوجده ، فأیّـة منافاة بین هذا وبین کون ا لفاعل مختاراً ؛ لأنّ ا لفاعل ا لمختار بإرادتـه واختیاریّـتـه وفعّا لیّـتـه أوجب ا لفعل فأوجده ، وهذا یؤکّد اختیاریّـة ا لفاعل . وبعبارة اُخریٰ أنّ ا لعلّـة موجبـة ـ با لکسر فإذا کان ا لموجد فاعلاً مختاراً یکون موجباً ـ با لکسر باختیاره . وا لمتکلّم لعدم استشعاره بموضوع ا لقاعدة وبرهانها ومفادها زعم أنّ ا لإیجاب وا لوجوب ینافیان ا لاختیار مع أنّ ا لإیجاب با لاختیار لایعقل أن یصیر علّـة ومنشأً للاضطرار ، وا لوجوب ا لإلجائی من قبل ا لعلّـة یستحیل أن یؤثّر فیها .
وممّا ذکرنا یعلم أنّ جواز ا لترجیح بلامرجّح أو عدم جوازه غیر مربوط بمفاد ا لقاعدة وصحّتها ؛ فإنّـه لو سلّمنا جوازه أو منعناه ، لاتنهدم بهما ا لقاعدة ؛ لأنّ معنیٰ جوازه أنّ ا لفاعل یجوز أن یختار أحد طرفی ا لفعل من غیر أن یکون فیـه ترجیح بل یختار أحد ا لمتساویـین من جمیع ا لجهات ، فإذا اختار أحدهما أراده وأوجده . فا لفاعل بعد اختیاره أحد ا لمتساویـین بلامرجّح موجب ـ با لکسر- لوجوده فموجدٌ ، فیکون اختیار ا لفعل بلاترجیح أو مع ترجیح مقدّماً علی ا لإرادة ، وبعد الاختیار تکون ا لنفس فاعلاً موجباً ـ با لکسر- للإرادة ، وبها تکون فاعلاً موجباً ـ با لکسر لتحریک ا لعضلات ،
کتابالطلب و الارادهصفحه 61
وبتوسطها لتحریک ا لأعیان ا لخارجـة . فامتناع ا لترجیح بلامرجّح لایجعل ا لفاعل مضطرّاً وموجباً ـ با لفتح کما أنّ جوازه لایجعلـه مختاراً . فا لفاعل ا لمختار علّـة باختیاره وإرادتـه للفعل بعد حصول ا لمقدّمات الاُخر ، وموجب ـ با لکسر للفعل مع کونـه مختاراً .
نعم ، هنا نکتـة اُخریٰ قد نبّهنا علیها ینبغی تذکارها وهو أنّ ا لعلّـة ا لمستقلّـة ا لتامّـة ما تسدّ بذاتها جمیع ا لأعدام ا لممکنـة علی ا لمعلول وبهذا ا لمعنیٰ لم یکن ولایکون فی نظام ا لوجود ما یستقلّ با لعلّیـة وا لتأثیر إلاّ ذات واجب ا لوجود ـ علت قدرتـه ، وغیره تعا لی من سکّان بقعـة ا لإمکان لیس لـه هذا ا لشأن ؛ لکونهم فقراء إ لی الله «وَالله ُ هُوَ الْغَنِیُّ الْحَمِیدُ» ولعلّ فی توصیف ا لغنیّ با لحمید فی ا لمقام فی ا لقرآن ا لکریم إشارة لطیفـة إ لیٰ ما أشرنا سابقاً من أنّ ا لمحامد کلّها من مختصّات ذات ا لواجب ا لغنیّ ا لذی بغناه ا لذاتی أعطیٰ کمال کلّ ذی کمال وجمال کلّ ذی جمال . فمبادی ا لمحامد وا لمدائح منـه وإ لیـه فـ «هُوَ الْأَوَّلُ وَالاْخِرُ وَالظّـٰاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِکُلِّ شَیْءٍ عَلِیمٌ» .
کتابالطلب و الارادهصفحه 62