القول فی إحیاء الموات
الموات هی الأرض العطلة التی لاینتفع بها : إمّا لانقطاع الماء عنها ، أو لاستیلاء المیاه والرمول أو السبخ أو الأحجار علیها ، أو لاستئجامها والتفاف القصب والأشجار بها ، أو لغیر ذلک ، وهو علیٰ قسمین : الأوّل : الموات بالأصل ، وهو ما لم یعلم مسبوقیّته بالملک والإحیاء ، أو علم عدم مسبوقیّته بهما کأکثر المفاوز والبراری والبوادی وصفحات الجبال وأذیالها ونحوها . الثانی : الموات بالعارض ، وهو ما عرض علیه الخراب والموتان بعد الحیاة والعمران ، کالأراضی الدارسة التی بها آثار المرور والأنهار والقری الخربة التی بقیت منها رسوم العمارة .
(مسألة 1) : الموات بالأصل وإن کان ملکاً للإمام علیه السلام - حیث إنّه من الأنفال کما مرّ فی کتاب الخمس - لکن یجوز فی زمان الغیبة لکلّ أحد إحیاؤه مع الشروط الآتیة والقیام بعمارته ، ویملکه المحیی علی الأقویٰ ؛ سواء کان فی دار الإسلام أو فی دار الکفر ، وسواء کان فی أرض الخراج کأرض العراق أو فی غیرها ، وسواء کان المحیی مسلماً أو کافراً .
(مسألة 2) : الموات بالعارض الذی کان مسبوقاً بالملک والإحیاء إذا لم یکن له مالک معروف علیٰ قسمین :
الأوّل : ما باد أهلها وصارت بسبب مرور الزمان وتقادم الأیّام بلا مالک ، وذلک کالأراضی الدارسة والقریٰ والبلاد الخربة والقنوات الطامسة التی کانت للاُمم الماضین الذین لم یبق منهم اسم ولا رسم ، أو نسبت إلیٰ أقوام أو أشخاص لم یعرف منهم إلاّ الاسم .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 656
الثانی : ما لم یکن کذلک ولم تکن بحیث عدّت بلا مالک ، بل کانت لمالک موجود ولم یعرف شخصه ویقال لها : مجهولة المالک .
فأمّا القسم الأوّل : فهو بحکم الموات بالأصل فی کونه من الأنفال ، وأنّه یجوز إحیاؤه ویملکه المحیی ، فیجوز إحیاء الأراضی الدارسة التی بقیت فیها آثار الأنهار والسواقی والمروز وتنقیة القنوات والآبار المطمومة وتعمیر الخربة من القریٰ والبلاد القدیمة التی بقیت بلا مالک ، ولا یعامل معها معاملة مجهول المالک ، ولا یحتاج إلی الإذن من حاکم الشرع أو الشراء منه ، بل یملکها المحیی والمعمّر بنفس الإحیاء والتعمیر .
وأمّا القسم الثانی : فلا إشکال فی جواز إحیائه والقیام بتعمیره والتصرّف فیه بأنواع التصرّفات . وهل یملکه المحیی عیناً ومنفعة ولیس علیه شیء إلاّ الزکاة عند اجتماع شرائطها کالقسم الأوّل أم لا ؟ ظاهر المشهور هو الأوّل ، لکنّه لایخلو من إشکال ، فالأحوط أن یتفحّص عن صاحبه وبعد الیأس عنه یعامل معه معاملة مجهول المالک ، فإمّا أن یشتری عینها من حاکم الشرع ویصرف ثمنها علی الفقراء ، وإمّا أن یستأجرها منه باُجرة معیّنة أو یقدّر ما هو اُجرة مثلها لو انتفع بها ویتصدّق بها علی الفقراء . نعم لو علم أنّ مالکها قد أعرض عنها أو انجلیٰ عنها أهلها وترکوها لقوم آخرین ، جاز إحیاؤها وتملّکها بلا إشکال .
(مسألة 3) : إذا کان ما طرأ علیه الخراب لمالک معلوم ، فإن أعرض عنه مالکه ، کان لکلّ أحد إحیاؤه وتملّکه ، وإن لم یعرض عنه ، فإن أبقاه مواتاً للانتفاع بها فی تلک الحال من جهة تعلیف دوابّه أو بیع حشیشه أو قصبه ونحو ذلک - فربّما ینتفع منها مواتاً أکثر ممّا ینتفع منها محیاة - فلا إشکال فی أنّه لایجوز لأحد إحیاؤها والتصرّف فیها بدون إذن مالکها ، وکذا فیما إذا کان مهتمّاً بإحیائها عازماً علیه وإنّما أخّر الاشتغال به لجمع الآلات وتهیئة الأسباب المتوقّعة الحصول أو لانتظار وقت صالح له . وأمّا لو ترک تعمیر الأرض وإصلاحها وأبقاها إلی الخراب ؛ من جهة عدم الاعتناء بشأنها وعدم الاهتمام والالتفات إلیٰ
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 657
مرمّتها وعدم عزمه علیٰ إحیائها - إمّا لعدم حاجته إلیها أو لاشتغاله بتعمیر غیرها - فبقیت مهجورة مدّة معتدّاً بها حتّیٰ آل إلی الخراب ، فإن کان سبب ملک المالک غیر الإحیاء مثل أنّه ملکها بالإرث أو الشراء ، فلیس لأحد وضع الید علیها وإحیاؤها والتصرّف فیها إلاّ بإذن مالکها ، ولو أحیاها أحد وتصرّف فیها وانتفع بها بزرع أو غیره فعلیه اُجرتها لمالکها ، وإن کان سبب ملکه الإحیاء بأن کانت أرضاً مواتاً بالأصل ، فأحیاها وملکها ثمّ بعد ذلک عطّلها وترک تعمیرها حتّیٰ آلت إلی الخراب ، فالظاهر أنّه یجوز إحیاؤها لغیره ، فلو أحیاها غیره وعمّرها کان الثانی أحقّ بها من الأوّل ولیس للأوّل انتزاعها من یده ، وإن کان الأحوط أنّه لو رجع الأوّل إلیه أعطیٰ حقّه إلیه ولم یتصرّف فیها إلاّ بإذنه .
(مسألة 4) : کما یجوز إحیاء القری الدارسة والبلاد القدیمة التی باد أهلها وصارت بلا مالک بجعلها مزرعاً أو مسکناً أو غیرهما ، کذا یجوز حیازة أجزائها الباقیة من أحجارها وأخشابها وآجرها وغیرها ویملکها الحائز إذا أخذها بقصد التملّک .
(مسألة 5) : لو کانت الأرض موقوفة وطرأها الموتان والخراب ، فإن کانت من الموقوفات القدیمة الدارسة التی لم یعلم کیفیّة وقفها وأنّها خاصّ أو عامّ أو وقف علی الجهات ، ولم یعلم من الاستفاضة والشهرة غیر کونها وقفاً علیٰ أقوام ماضین لم یبق منهم اسم ولا رسم ، أو قبیلة لم یعرف منهم إلاّ الاسم ، فالظاهر أنّها من الأنفال فیجوز إحیاؤها ، کما إذا کان الموات المسبوق بالملک علیٰ هذا الحال . وإن علم أنّها وقف علی الجهات ولم تتعیّن ؛ بأن علم أنّها وقف إمّا علیٰ مسجد أو مشهد أو مقبرة أو مدرسة أو غیرها ولم یعلمها بعینها ، أو علم أنّها وقف علیٰ أشخاص لم یعرفهم بأشخاصهم أو أعیانهم کما إذا علم أنّ مالکها قد وقفها علیٰ ذرّیّته ولم یعلم من الواقف ومن الذرّیّة ، فالظاهر أنّ ذلک بحکم الموات المجهول المالک - الذی نسب إلی المشهور القول بأنّه من الأنفال ، وقد مرّ ما فیه من الإشکال ، بل القول به هنا أشکل - فالأحوط القیام بإحیائها
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 658
وتعمیرها والتصرّف فیها والانتفاع بها بزرع أو غیره ، وأن یصرف اُجرة مثلها فی الأوّل فی وجوه البرّ وفی الثانی علی الفقراء ، بل الأحوط خصوصاً فی الأوّل مراجعة حاکم الشرع . وأمّا لو طرأ الموتان علی الوقف الذی علم مصرفه ، أو الموقوف علیهم ، فلاینبغی الإشکال فی أنّه لو أحیاه أحد وعمّره وجب علیه صرف منفعته فی مصرفه المعلوم فی الأوّل ، ودفعها وإیصالها إلی الموقوف علیهم المعلومین فی الثانی ، وإن کان المتولّی أو الموقوف علیهم تارکین إصلاحه وتعمیره ومرمّته إلی أن آل إلی الخراب .
(مسألة 6) : إذا کانت الموات بالأصل حریماً لعامر مملوک ، لایجوز لغیر مالکه إحیاؤه ، وإن أحیاه لم یملکه . وتوضیح ذلک : أنّ من أحییٰ مواتاً لإحداث شیء ؛ من دار أو بستان أو مزرع أو غیرها ، تبع ذلک الشیء الذی أحدثه مقدار من الأرض الموات القریبة من ذلک الشیء الحادث ، ممّا یحتاج إلیها لتمام الانتفاع به ، ویتعلّق بمصالحه عادة ، ویسمّیٰ ذلک المقدار التابع حریماً لذلک المتبوع ، ویختلف مقدار الحریم زیادة ونقیصة باختلاف ذی الحریم ، وذلک من جهة تفاوت الأشیاء فی المصالح والمرافق المحتاج إلیها ، فما یحتاج إلیه الدار من المرافق بحسب العادة غیر ما یحتاج إلیه البئر والنهر - مثلاً - وهکذا باقی الأشیاء ، بل یختلف ذلک باختلاف البلاد والعادات أیضاً ، فإذا أراد شخص إحیاء حوالی ماله الحریم ، لا یجوز له إحیاء مقدار الحریم بدون إذن المالک ورضاه ، وإن أحیاه لم یملکه وکان غاصباً .
(مسألة 7) : حریم الدار : مطرح ترابها وکناستها ورمادها ومصبّ مائها ومطرح ثلوجها ومسلک الدخول والخروج منها فی الصوب الذی یفتح إلیه الباب ، فلو بنیٰ داراً فی أرض موات تبعه هذا المقدار من الموات من حوالیها ، فلیس لأحد أن یحیی هذا المقدار بدون رضا صاحب الدار . ولیس المراد من استحقاق الممرّ فی قبالة الباب استحقاقه علی الاستقامة وعلی امتداد الموات ، بل المراد أن یبقیٰ مسلک له یدخل ویخرج إلی الخارج بنفسه وعیاله
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 659
وأضیافـه وما تعلّق به من دوابّـه وأحمالـه وأثقاله بدون مشقّة بأیّ نحو کان ، فیجوز لغیره إحیاء ما فی قبالة الباب من الموات إذا بقی له الممرّ ولو بانعطاف وانحراف . وحریم الحائط لو لم یکن من الدار بأن کان - مثلاً - جدار حصار أو بستان أو غیر ذلک : مقدار ما یحتاج إلیه لطرح التراب والآلات وبلّ الطین لو انتقض واحتاج إلی البناء والترمیم . وحریم النهر : مقدار مطرح طینه وترابه إذا احتاج إلی التنقیة والمجاز علیٰ حافّتیه للمواظبة علیه ولإصلاحه علیٰ قدر ما یحتاج إلیه . وحریم البئر : ما یحتاج إلیه لأجل السقی منها والانتفاع بها من الموضع الذی یقف فیه النازح إن کان الاستقاء منها بالید ، وموضع الدولاب ومتردّد البهیمة إن کان الاستقاء بهما ، ومصبّ الماء والموضع الذی یجتمع فیه لسقی الماشیة أو الزرع من حوض ونحوه ، والموضع الذی یطرح فیه ما یخرج منها من الطین وغیره لو اتّفق الاحتیاج إلیه . وحریم العین : ما یحتاج إلیه لأجل الانتفاع بها ، أو إصلاحها وحفظها علیٰ قیاس غیرها .
(مسألة 8) : لکلّ من البئر والعین والقناة - أعنی بئرها الأخیرة التی هی منبع الماء ویقال لها بئر العین واُمّ الآبار - حریم آخر بمعنیً آخر ، وهو المقدار الذی لیس لأحد أن یحدث بئراً أو قناة اُخریٰ فیما دون ذلک المقدار بدون إذن صاحبهما ، وهو فی البئر أربعون ذراعاً إذا کان حفرها لأجل استقاء الماشیة من الإبل ونحوها منها ، وستّون ذراعاً إذا کان لأجل الزرع وغیره ، فلو أحدث شخص بئراً فی موات من الأرض لم یکن لشخص آخر إحداث بئر اُخریٰ فی جنبها بدون إذنه ، بل ما لم یکن الفصل بینهما أربعین ذراعاً ، أو ستّین فما زاد علیٰ ما فصّل . وفی العین والقناة خمسمائة ذراع فی الأرض الصلبة ، وألف ذراع فی الأرض الرخوة ، فإذا استنبط إنسان عیناً أو قناة فی أرض موات صلبة وأراد غیره حفر اُخریٰ ، تباعد عنه بخمسمائة ذراع ، وإن کانت رخوة تباعد بألف ذراع . ولو فرض أنّ الثانیة تضرّ بالاُولیٰ وتنقص ماءها مع البعد المزبور ، فالأحوط - لو لم یکن الأقویٰ - زیادة البعد بما یندفع به الضرر أو التراضی مع صاحب الاُولیٰ .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 660
(مسألة 9) : اعتبار البعد المزبور فی القناة إنّما هو فی إحداث قناة اُخریٰ کما أشرنا إلیه آنفاً ، وأمّا إحیاء الموات الذی فی حوالیها لزرع أو بناء أو غیرهما ، فلا مانع منه إذا بقی من جوانبها مقدار تحتاج للنزح والاستقاء أو الإصلاح والتنقیة وغیرهما ممّا ذکر فی مطلق البئر ، بل لامانع من إحیاء الموات الذی فوق الآبار وما بینها إذا اُبقی من أطراف حلقها مقدار ما یحتاج إلیه لمصالحها ، فلیس لصاحب القناة المنع عن الإحیاء للزرع وغیره فوقها إذا لم یضرّبها .
(مسألة 10) : الظاهر أنّ التباعد المزبور فی القناة إنّما یلاحظ بالنسبة إلی البئر التی هی منبع الماء المسمّاة باُمّ الآبار ، فلایجوز لأحد أن یحدث قناة اُخریٰ یکون منبعها بعیداً عن منبع الاُخریٰ بأقلّ من خمسمائة أو ألف ذراع . وأمّا الآبار الاُخر التی هی مجری الماء فلا یراعی الفصل المذکور بینها ، فلو أحدث الثانی قناة فی أرض صلبة وکان منبعها بعیداً عن منبع الاُولیٰ بخمسمائة ذراع ، ثمّ تقارب فی الآبار الاُخر - التی هی مجری الماء إلی الآبار الاُخر - للاُخریٰ ، إلیٰ أن صار بینها وبینها عشرة أذرع - مثلاً - لم یکن لصاحب الاُولیٰ منعه . نعم لو فرض أنّ قرب تلک الآبار أضرّ بتلک الآبار من جهة جذبها للماء الجاری فیها ، أو من جهة اُخریٰ تباعد بما یندفع به الضرر .
(مسألة 11) : القریة المبنیّة فی الموات لها حریم لیس لأحد إحیاؤه ، ولو أحیاه لم یملکه ، وهو ما یتعلّق بمصالحها ومصالح أهلیها ؛ من طرقها المسلوکة منها وإلیها ومسیل مائها ومجمع ترابها وکناستها ومطرح سمادها ورمادها ومشرعها ومجمع أهالیها لمصالحهم - علیٰ حسب مجریٰ عادتهم - ومدفن موتاهم ومرعیٰ ماشیتهم ومحتطبهم وغیر ذلک . والمراد بالقریة : البیوت والمساکن المجتمعة المسکونة ، فلم یثبت هذا الحریم للضیعة والمزرعة ذات المزارع والبساتین المتّصلة الخالیة من البیوت والمساکن والسکنة ، فلو أحدث شخص قناة فی فلاة وأحییٰ أرضاً بسیطة بمقدار ما یکفیه ماء القناة ، وزرع فیها وغرس فیها النخیل والأشجار لم یکن الموات المجاور لتلک المحیاة حریماً لها ، فضلاً عن التلال والجبال القریبة منها ، بل لو أحدث بعد ذلک فی تلک المحیاة دوراً ومساکن حتّیٰ
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 661
صارت قریة کبیرة ، یشکل ثبوت الحریم لها . فالقدر المتیقّن من ثبوت الحریم للقریة فیما إذا أحدثت فی أرض موات . نعم للمزرعة بنفسها أیضاً حریم وهو ما تحتاج إلیه فی مصالحها ویکون من مرافقها ؛ من مسالک الدخول والخروج ، ومحلّ بیادرها وحظائرها ، ومجتمع سمادها وترابها وغیرها .
(مسألة 12) : حدّ المرعی الذی هو حریم للقریة ومحتطبها مقدار حاجة أهالیها بحسب العادة ؛ بحیث لو منعهم مانع أو زاحمهم مزاحم لوقعوا فی الضیق والحرج . ویختلف ذلک بکثرة الأهالی وقلّتهم وکثرة المواشی والدوابّ وقلّتها ، وبذلک یتفاوت المقدار سعةً وضیقاً طولاً وعرضاً .
(مسألة 13) : إذا کان موات بقرب العامر ولم یکن من حریمه ومرافقه ، جاز لکلّ أحد إحیاؤه ولم یختصّ بمالک ذلک العامر ولا أولویّة له ، فإذا طلع شاطئ من الشط بقرب أرض محیاة أو بستان - مثلاً - کان کسائر الموات ، فمن سبق إلیٰ إحیائه وحیازته کان له ، ولیس لصاحب الأرض أو البستان منعه .
(مسألة 14) : لا إشکال فی أنّ حریم القناة - المقدّر بخمسمائة ذراع أو ألف ذراع - لیس ملکاً لصاحب القناة ولا متعلّقاً لحقّه المانع عن سائر تصرّفات غیره بدون إذنه ، بل لیس له إلاّ حقّ المنع عن إحداث قناة اُخریٰ کما مرّ . والظاهر أنّ حریم القریة أیضاً لیس ملکاً لسکّانها وأهلیها ، بل إنّما لهم حقّ الأولویّة . وأمّا حریم النهر والدار فالظاهر أنّه ملک لصاحب ذی الحریم ، فیجوز له بیعه منفرداً کسائر الأملاک .
(مسألة 15) : ما مرّ من الحریم لبعض الأملاک إنّما هو فیما إذا ابتکرت فی أرض موات ، وأمّا فی الأملاک المتجاورة فلا حریم لها ، فلو أحدث المالکان المجاوران حائطاً فی البین لم یکن له حریم من الجانبین ، ولو أحدث أحدهما فی آخر حدود ملکه حائطاً أو نهراً لم یکن لهما حریم فی ملک الآخر ، وکذا لو حفر أحدهما قناة فی ملکه کان للآخر إحداث قناة اُخریٰ فی ملکه وإن لم یکن بینهما الحدّ .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 662
(مسألة 16) : ذکر جماعة : أنّه یجوز لکلّ من المالکین المتجاورین التصرّف فی ملکه بما شاء وإن استلزم ضرراً علی الجار ، لکنّه مشکل علیٰ إطلاقه ، بل الحقّ عدم جواز ما یکون سبباً لعروض فساد فی ملک الجار ، کما إذا دقّ دقّاً عنیفاً انزعج منه حیطان داره بما أوجب خللاً فیها ، أو حبس الماء فی ملکه بحیث تنشر منه النداوة فی حائطه ، أو أحدث بالوعة أو کنیفاً بقرب بئر الجار أوجب فساد مائها ، بل وکذا لو حفر بئراً بقرب بئره ؛ إذا أوجب نقص مائها وکان ذلک من جهة جذب الثانیة ماء الاُولیٰ ، وأمّا إذا کان من جهة أنّ الثانیة لکونها أعمق ووقوعها فی سمت مجری المیاه یتحدّر فیها الماء من عروق الأرض قبل أن یصل إلی الأوّل ، فالظاهر أنّه لا مانع منه ، والمائز بین الصورتین اُولوا الحدس الصائب من أهل الخبرة . وکذا لا مانع من إطالة البناء وإن کان مانعاً من الشمس والقمر والهواء ، أو جعل داره مدبغة ، أو مخبزة - مثلاً - وإن تأذّی الجار من الریح والدخان إذا لم یکن بقصد الإیذاء ، وکذا إحداث ثقبة فی جداره إلیٰ دار جاره موجبة للإشراف أو لانجذاب الهواء ، فإنّ المحرّم هو التطلّع علیٰ دار الجار لا مجرّد ثقب الجدار .
(مسألة 17) : لایخفی أنّ أمر الجار شدید ، وحثّ الشرع الأقدس علیٰ رعایته أکید ، والأخبار فی وجوب کفّ الأذیٰ عن الجار وفی الحثّ علیٰ حسن الجوار کثیرة لاتحصیٰ ، فعن النبیّ صلی الله علیه و آله وسلمأنّه قال : «ما زال جبرئیل یوصینی بالجار حتّیٰ ظننت أنّه سیورثه» ، وفی حدیث آخر «أنّه صلی الله علیه و آله وسلم أمر علیّاً علیه السلام وسلمان وأباذر - قال الراوی : ونسیت آخر وأظنّه المقداد - أن ینادوا فی المسجد بأعلیٰ صوتهم بأنّه لا إیمان لمن لم یأمن جاره بوائقه ، فنادوا بها ثلاثاً» ، وفی «الکافی» عن الصادق علیه السلام عن أبیه قال : «قرأت فی کتاب علیّ علیه السلام ؛ أنّ رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم کتب بین المهاجرین والأنصار ومن لحق بهم من أهل یثرب أنّ الجار کالنفس غیر مضارّ ولا آثم ، وحرمة الجار کحرمة اُمّه» ، وروی الصدوق بإسناده عن الصادق علیه السلام عن علیّ علیه السلام عن رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم قال : «من آذیٰ جاره حرّم اللّه علیه ریح الجنّة ومأواه جهنّم وبئس المصیر ، ومن ضیّع جاره فلیس منّی» ، وعن الرضا علیه السلام ؛ «لیس منّا من
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 663
لم یأمن جاره بوائقه» ، وعن الصادق علیه السلام أنّه قال والبیت غاصّ بأهله : «اعلموا أنّه لیس منّا من لم یحسن مجاورة من جاوره» ، وعنه علیه السلام قال : «قال رسول اللّه صلی الله علیه و آله وسلم : حسن الجوار یعمّر الدیار وینسئ فی الأعمار» .
فاللازم علیٰ کلّ من یؤمن باللّه ورسوله صلی الله علیه و آله وسلم والیوم الآخر الاجتناب عن کلّ ما یؤذی الجار وإن لم یکن ممّا یوجب فساداً وضرراً فی ملکه ، إلاّ أن یکون فی ترکه ضرراً فاحشاً علیٰ نفسه . ولاریب أنّ مثل ثقب الجدار الموجب للإشراف علیٰ دار الجار إیذاء علیه وأیّ إیذاء ! وکذا إحداث ما یتأذّیٰ من ریحه أو دخانه أو صوته أو ما یمنع عن وصول الهواء إلیه أو عن إشراق الشمس علیه وغیر ذلک .
(مسألة 18) : یشترط فی التملّک بالإحیاء أن لا یسبق إلیه سابق بالتحجیر ، فإنّ التحجیر یفید أولویّة المحجّر ، فهو أولیٰ بالإحیاء والتملّک من غیره فله منعه ، ولو أحیاه قهراً علی المحجّر لم یملکه . والمراد بالتحجیر أن یحدث ما یدلّ علیٰ إرادة الإحیاء ، کوضع أحجار أو جمع تراب أو حفر أساس أو غرز خشب أو قصب أو نحو ذلک فی أطرافه وجوانبه ، أو یشرع فی إحیاء ما یرید إحیاءه ، کما إذا حفر بئراً من آبار القناة الدارسة التی یرید إحیاءها ، فإنّه تحجیر بالنسبة إلیٰ سائر آبار القناة ، بل وبالنسبة إلیٰ أراضی الموات التی تسقیٰ بمائها بعد جریانه ، فلیس لأحد إحیاء تلک القناة ولا إحیاء تلک الأراضی . وکما إذا أراد إحیاء أجمة فیها الماء والقصب فعمد علیٰ قطع مائها فقط فهو تحجیر لها ، فلیس لأحد إحیاؤها بقطع قصبها .
(مسألة 19) : لابدّ من أن یکون التحجیر - مضافاً إلیٰ دلالته علیٰ أصل الإحیاء - دالاًّ علیٰ مقدار ما یرید إحیاءه ، فلو کان ذلک بوضع الأحجار أو جمع التراب أو غرز الخشب أو القصب - مثلاً - لابدّ أن یکون ذلک فی جمیع الجوانب حتّیٰ یدلّ علیٰ أنّ جمیع ما أحاطت به العلامة یرید إحیاءه . نعم فی مثل إحیاء القناة البائرة یکفی الشروع فی حفر إحدیٰ آبارها کما أشرنا إلیه آنفاً ، فإنّه دلیل بحسب العرف فی کونه بصدد إحیاء جمیع القناة ، بل الأراضی المتعلّقة بها أیضاً ، بل إذا حفر بئراً فی أرض موات بالأصل لأجل إحداث قناة یمکن أن یقال : إنّه یکون تحجیراً بالنسبة إلیٰ أصل القناة وإلی الأراضی الموات التی تسقیٰ بمائها بعد تمامها وجریان مائها ، فلیس لأحد إحیاء تلک الجوانب حتّیٰ یتمّ القناة ویعیّن ما
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 664
تحتاج إلیه من الأراضی . نعم الأرض الموات التی لیس من حریم القناة وممّا علم أنّه لا یصل إلیه ماؤها بعد جریانه ، لابأس بإحیائها .
(مسألة 20) : التحجیر - کما أشرنا إلیه - یفید حقّ الأولویّة ولا یفید الملکیّة ، فلایصحّ بیعه ، نعم یصحّ الصلح عنه ویورث ویقع ثمناً فی البیع ؛ لأنّه حقّ قابل للنقل والانتقال .
(مسألة 21) : یشترط فی مانعیّة التحجیر أن یکون المحجّر متمکّناً من القیام بتعمیره ، فلو حجّر من لم یقدر علیٰ إحیاء ما حجّره ؛ إمّا لفقره ، أو لعجزه عن تهیئة أسبابه ، فلا أثر لتحجیره وجاز لغیره إحیاؤه . وکذا لو حجّر زائداً علیٰ مقدار تمکّنه من الإحیاء لا أثر لتحجیره إلاّ فی مقدار ما تمکّن من تعمیره ، وأمّا فی الزائد فلیس له منع الغیر عن إحیائه . فعلیٰ هذا لیس لمن عجز عن إحیاء الموات تحجیره ثمّ نقل ما حجّره إلیٰ غیره بصلح أو غیره مجّاناً أو بالعوض ؛ لأنّه لم یحصل له حقّ حتّیٰ ینقله إلیٰ غیره .
(مسألة 22) : لا یعتبر فی التحجیر أن یکون بالمباشرة ، بل یجوز أن یکون بتوکیل الغیر أو استئجاره ، فیکون الحقّ الحاصل بسببه ثابتاً للموکّل والمستأجر لا للوکیل والأجیر ، بل لایبعد کفایة وقوعه عن شخص نیابة عن غیره ثمّ إجازة ذلک الغیر فی ثبوته للمنوب عنه ، وإن لم یخل عن إشکال ، فلاینبغی ترک الاحتیاط .
(مسألة 23) : لو انمحت آثار التحجیر قبل أن یقوم المحجّر بالتعمیر ، بطل حقّه وعاد الموات إلیٰ ما کان قبل التحجیر .
(مسألة 24) : لیس للمحجّر تعطیل الموات المحجّر علیه والإهمال فی التعمیر ، بل اللازم أن یشتغل بالعمارة عقیب التحجیر ، فإن أهمل وطالت المدّة وأراد شخص آخر إحیاءه فالأحوط أن یرفع الأمر إلی الحاکم مع وجوده وبسط یده ، فیلزم المحجّر بأحد أمرین : إمّا
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 665
العمارة ، أو رفع یده عنه لیعمّره غیره ، إلاّ أن یبدی عذراً موجّهاً مثل انتظار وقت صالح له أو إصلاح آلاته أو حضور العملة فیمهل بمقدار ما یزول معه العذر ، ولیس من العذر عدم التمکّن من تهیئة الأسباب لفقره ، منتظراً للغنیٰ والتمکّن ، فإذا مضت المدّة ولم یشتغل بالعمارة بطل حقّه وجاز لغیره القیام بالعمارة . وإذا لم یکن حاکم یقوم بهذه الشؤون ، فالظاهر أنّه یسقط حقّه أیضاً لو أهمل فی التعمیر وطال الإهمال مدّة طویلة یعدّ مثله فی العرف تعطیلاً فجاز لغیره إحیاؤه ، ولیس له منعه ، والأحوط مراعاة حقّه ما لم تمض مدّة تعطیله وإهماله ثلاث سنین .
(مسألة 25) : الظاهر أنّه یشترط فی التملّک بالإحیاء قصد التملّک کالتملّک بالحیازة ، مثل الاصطیاد والاحتطاب والاحتشاش ونحوها ، فلو حفر بئراً فی مفازة بقصد أن یقضی منها حاجته مادام باقیاً لم یملکه ، بل لم یکن له إلاّ حقّ الأولویّة مادام مقیماً ، فإذا ارتحل زالت تلک الأولویّة وصارت مباحاً للجمیع .
(مسألة 26) : الإحیاء المفید للملک : عبارة عن جعل الأرض حیّة بعد الموتان وإخراجها عن صفة الخراب إلی العمران ، ومن المعلوم أنّ عمارة الأرض إمّا بکونها مزرعاً أو بستاناً ، وإمّا بکونها مسکناً وداراً ، وإمّا حظیرة للأغنام والمواشی أو لحوائج اُخر کتجفیف الثمار أو جمع الحطب أو غیر ذلک . فلابدّ فی صدق إحیاء الموات من العمل فیه وإنهائه إلیٰ حدّ صدق علیه أحد العناوین العامرة ؛ بأن صدق علیه المزرع ، أو الدار - مثلاً - أو غیرها عند العرف ، ویکفی تحقّق أوّل مراتب وجودها ، ولا یعتبر إنهاؤها إلیٰ حدّ کمالها ، وقبل أن یبلغ إلیٰ ذلک الحدّ وإن صنع فیه ما صنع لم یکن إحیاء بل یکون تحجیراً ، وقد مرّ أنّه لا یفید الملک ، بل لا یفید إلاّ الأولویّة . فإذا تبیّن هذه الجملة فلیعلم أنّه یختلف ما اعتبر فی الإحیاء باختلاف العمارة التی یقصدها المحیی فما اعتبر فی إحیاء الموات مزرعاً أو بستاناً غیر ما اعتبر فی إحیائه مسکناً وداراً ، وما اعتبر فی إحیائه قناة أو بئراً غیر ما اعتبر فی إحیائه نهراً وهکذا . ویشترط فی الکلّ إزالة الاُمور المانعة عن التعمیر کالمیاه الغالبة أو الرمول والأحجار أو القصب والأشجار لو کانت مستأجمة وغیر ذلک . ویختصّ کلّ منها ببعض
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 666
الاُمور عند المشهور ونحن نبیّنها فی ضمن مسائل .
(مسألة 27) : یعتبر فی إحیاء الموات داراً ومسکناً - بعد إزالة الموانع لو کان - أن یدار علیه حائط بما یعتاد فی تلک البلاد ؛ ولو کان بخشب أو قصب أو حدید أو غیرها ویسقّف ؛ ولو بعضها ممّا یمکن أن یسکن فیه . ولا یعتبر فیه مع ذلک نصب الباب ولا یکفی إدارة الحائط بدون التسقیف ، نعم یکفی ذلک فی إحیائه حظیرة للغنم وغیره ، أو لأن یجفّف فیها الثمار أو یجمع فیها الحشیش والحطب . ولو بنیٰ حائطاً فی الموات بقصد بناء الدار وقبل أن یسقّف علیه بدا له وقصد کونه حظیرة ملکها ، کما لو قصد ذلک من أوّل الأمر ، وکذلک فی العکس ؛ بأن حوّطه بقصد کونه حظیرة فبدا له أن یسقّفه ویجعله داراً .
(مسألة 28) : یعتبر فی إحیاء الموات مزرعاً - بعد إزالة الموانع - تسویة الأرض لو کانت فیها حفر وتلال مانعة عن قابلیتها للزرع وترتیب مائها : إمّا بشقّ ساقیة من نهر ، أو حفر قناة لها ، أو بئر ، وبذلک یتمّ إحیاؤها ویملکها المحیی ، ولا یعتبر فی إحیائها حرثها فضلاً عن زرعها . وإن کانت الأرض ممّا لاتحتاج فی زراعتها إلیٰ ترتیب ماء - لأنّه یکفیه ماء السماء - کفیٰ فی إحیائها إعمال الاُمور الاُخر عدا ترتیب الماء ، وإن کانت مهیّأة للزرع بنفسها ؛ بأن لم یکن فیها مانع عنه ممّا ذکر ولم یحتج إلاّ إلیٰ سوق الماء کفیٰ فی إحیائها إدارة التراب حولها مع سوق الماء إلیها ، وإن لم یحتج إلیٰ سوق الماء أیضاً - من جهة أنّه یکفیه ماء السماء - کبعض الأراضی السهلة والتلال التی لاتحتاج فی زرعها إلیٰ علاج وقابلة لأن تزرع دیمیّاً - فالظاهر أنّ إحیاءها المفید لتملّکها إنّما هو بإدارة المرز حولها مع حرثها وزرعها ، بل لایبعد الاکتفاء بالحرث فی تملّکها ، وأمّا الاکتفاء بالمرز من دون حراثة وزراعة ففیه إشکال ، نعم لا إشکال فی کونه تحجیراً مفیداً للأولویّة .
(مسألة 29) : یعتبر فی إحیاء البستان کلّ ما اعتبر فی إحیاء الزرع بزیادة غرس النخیل أو الأشجار مع سقیها حتّیٰ تستعدّ للنموّ إن لم یسقها ماء السماء . ولایعتبر التحویط
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 667
حتّیٰ فی البلاد التی جرت عاداتهم علیه علی الأقویٰ .
(مسألة 30) : یحصل إحیاء البئر فی الموات بأن یحفرها إلیٰ أن یصل إلی الماء ، فیملکها بذلک ، وقبل ذلک یکون تحجیراً لا إحیاء . وإحیاء القناة بأن یحفر الآبار إلیٰ أن یجری ماؤها علی الأرض ، وإحیاء النهر بحفره وإنهائه إلی الماء المباح کالشطّ ونحوه ؛ بحیث کان الفاصل بینهما یسیراً کالمرز والمسنّاة الصغیرة ، وبذلک یتمّ إحیاء النهر فیملکه الحافر ، ولا یعتبر فیه جریان الماء فیه فعلاً وإن اعتبر ذلک فی تملّک الماء .
القول فی المشترکات
وهی الطرق والشوارع والمساجد والمدارس والربط والمیاه والمعادن .
(مسألة 1) : الطریق نوعان : نافذ وغیر نافذ ، فالأوّل - وهو المسمّیٰ بالشارع العامّ : فهو محبوس علیٰ کافّة الأنام والناس فیه شرع سواء ، ولیس لأحد إحیاؤه والاختصاص به ، ولا التصرّف فی أرضه ببناء دکّة أو حائط أو حفر بئر أو نهر أو غرس شجر أو غیر ذلک وإن لم یضرّ بالمارّة . نعم الظاهر أنّه یجوز أن یحفر فیه بالوعة لیجتمع فیها ماء المطر وغیره لکونها من مصالحه ومرافقه ، لکن مع سدّها فی غیر أوقات الحاجة حفظاً للمستطرقین والمارّة ، بل الظاهر جواز حفر سرداب تحته إذا اُحکم الأساس والسقف بحیث یؤمن معه من النقض والخسف . وأمّا التصرّف فی فضائه بإخراج روشن أو جناح أو بناء ساباط أو فتح باب أو نصب میزاب ونحو ذلک فلا إشکال فی جوازه إذا لم یضرّ بالمارّة ، ولیس لأحد منعه حتّیٰ من یقابل داره داره کما مرّ فی کتاب الصلح .
وأمّا الثانی : أعنی الطریق الغیر النافذ المسمّیٰ بالسکّة المرفوعة ، وقد یطلق علیه «الدریبة» وهو الذی لا یسلک منه إلیٰ طریق آخر أو مباح بل اُحیط بثلاث جوانبه الدور والحیطان والجدران - فهو ملک لأرباب الدور التی أبوابها مفتوحة إلیه ، دون من کان حائط داره إلیه من غیر أن یکون بابها إلیه ، فیکون هو کسائر الأملاک المشترکة یجوز لأربابه
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 668
سدّه وتقسیمه بینهم وإدخال کلّ منهم حصّته فی داره ، ولا یجوز لأحد من غیرهم ، بل ولا منهم أن یتصرّف فیه ولا فی فضائه إلاّ بإذن الجمیع ورضاهم .
(مسألة 2) : الظاهر أنّ أرباب الدور المفتوحة فی الدریبة کلّهم مشترکون فی کلّها من رأسها إلیٰ صدرها ، حتّیٰ أنّه إذا کانت فی صدرها فضلة لم یفتح إلیها باب ، اشترک الجمیع فیها ، فلایجوز لأحد منهم إخراج جناح أو روشن أو بناء ساباط أو حفر بالوعة أو سرداب ولا نصب میزاب وغیر ذلک فی أیّ موضع منها إلاّ بإذن الجمیع . نعم لکلّ منهم حقّ الاستطراق إلیٰ داره من أیّ موضع من جداره ، فلکلّ منهم فتح باب آخر أدخل من بابه الأوّل ، أو أسبق ؛ مع سدّ الباب الأوّل وعدمه .
(مسألة 3) : لیس لمن کان حائط داره إلی الدریبة ، فتح باب إلیها إلاّ بإذن أربابها ، نعم له فتح ثقبة وشبّاک إلیها ، ولیس لهم منعه لکونه تصرّفاً فی جداره لا فی ملکهم . وهل له فتح باب إلیها لا للاستطراق بل لمجرّد الاستضاءة ودخول الهواء ؟ فیه إشکال .
(مسألة 4) : یجوز لکلّ من أرباب الدریبة الجلوس فیها ، والاستطراق والتردّد منها إلیٰ داره بنفسه وما یتعلّق به ؛ من عیاله ودوابّه وأضیافه وعائدیه وزائریه ، وکذا وضع الحطب ونحوه فیها لإدخاله فی الدار ووضع الأحمال والأثقال عند إدخالها وإخراجها من دون إذن الشرکاء ، بل وإن کان فیهم القصّر والمولّیٰ علیهم من دون رعایة المساواة مع الباقین .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 669
(مسألة 5) : الشوارع والطرق العامّة وإن کانت معدّة لاستطراق عامّة الناس ، ومنفعتها الأصلیّة التردّد فیها بالذهاب والإیاب ، إلاّ أنّه یجوز لکلّ أحد الانتفاع بها بغیر ذلک ؛ من جلوس أو نوم أو صلاة وغیرها بشرط أن لا یتضرّر بها أحد ولم یزاحم المستطرقین ولا یتضیّق علی المارّة .
(مسألة 6) : لا فرق فی الجلوس الغیر المضرّ بین ما کان للاستراحة أو النزهة ، وبین ما کان للحرفة والمعاملة إذا جلس فی الرحاب والمواضع المتّسعة لئلاّ یتضیّق علی المارّة ، فلو جلس فیها بأیّ غرض من الأغراض لم یکن لأحد إزعاجه .
(مسألة 7) : لو جلس فی موضع من الطریق ثمّ قام عنه ، فإن کان جلوس استراحة ونحوها بطل حقّه فجاز لغیره الجلوس فیه ، وکذا إن کان لحرفة ومعاملة وقام بعد استیفاء غرضه وعدم نیّة العود ، فلو عاد إلیه بعد أن جلس فی مجلسه غیره لم یکن له دفعه ، وأمّا لو قام قبل استیفاء غرضه ناویاً للعود ، فإن بقی منه فیه متاع أو رحل أو بساط فالظاهر بقاء حقّه وإن لم یکن منه فیه شیء ففی بقاء حقّه بمجرّد نیّة العود إشکال ، فلا یترک الاحتیاط .
(مسألة 8) : کما أنّ موضع الجلوس حقّ للجالس للمعاملة فلایجوز مزاحمته ، کذا ما حوله قدر ما یحتاج إلیه لوضع متاعه ووقوف المعاملین فیه ، بل لیس لغیره أن یقعد حیث یمنع من رؤیة متاعه أو وصول المعاملین إلیه .
(مسألة 9) : یجوز للجالس للمعاملة أن یظلّل علیٰ موضع جلوسه بما لا یضرّ بالمارّة بثوب أو باریة ونحوهما ، ولیس له بناء دکّة ونحوها فیها .
(مسألة 10) : إذا جلس فی موضع من الطریق للمعاملة فی یوم ، فسبقه فی یوم آخر
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 670
شخص آخر وأخذ مکانه کان الثانی أحقّ به ، فلیس للأوّل إزعاجه .
(مسألة 11) : إنّما یصیر الموضع شارعاً عامّاً باُمور : أحدها : بکثرة التردّد والاستطراق ومرور القوافل فی الأرض الموات کالجادّات الحاصلة فی البراری والقفار التی یسلک فیها من بلاد إلیٰ بلاد . الثانی : أن یجعل إنسان ملکه شارعاً ، وسبّله تسبیلاً دائمیّاً لسلوک عامّة الناس وسلک فیه بعض الناس ، فإنّه یصیر بذلک طریقاً عامّاً ولم یکن للمسبّل الرجوع بعد ذلک . الثالث : أن یحیی جماعة أرضاً مواتاً - قریة أو بلدة - ویترکوا مسلکاً نافذاً بین الدور والمساکن ویفتحوا إلیه الأبواب . والمراد بکونه نافذاً أن یکون له مدخل ومخرج ؛ یدخل فیه الناس من جانب ویخرجون من جانب آخر إلیٰ جادّة عامّة أو أرض موات .
(مسألة 12) : لا حریم للشارع العامّ لو وقع بین الأملاک ، فلو کانت بین الأملاک قطعة أرض موات عرضها ثلاثة أو أربعة أذرع - مثلاً - واستطرقها الناس حتّیٰ صارت جادّة لم یجب علی الملاّک توسیعها وإن تضیّقت علی المارّة ، وکذا لو سبّل شخص فی وسط ملکه أو من طرف ملکه المجاور لملک غیره ثلاثة أو أربعة أذرع - مثلاً - للشارع ، وأمّا لو کان الشارع محدوداً بالموات بطرفیه أو أحد طرفیه ، فیکون له الحریم ، وهو المقدار الذی یوجب إحیاؤه نقص الشارع عن سبعة أذرع ، فلو حدث بسبب الاستطراق شارع فی وسط الموات جاز إحیاء طرفیه إلیٰ حدّ یبقیٰ له سبعة أذرع ولا یتجاوز عن هذا الحدّ . وکذا لو کان لأحد فی وسط المباح ملک عرضه أربعة أذرع - مثلاً - فسبّله شارعاً لایجوز إحیاء طرفیه بما لم یبق للطریق سبعة أذرع . ولو کان فی أحد طرفی الشارع أرض مملوک وفی الطرف الآخر أرض موات کان الحریم من طرف الموات ، بل لو کان طریق بین الموات وسبق شخص وأحییٰ أحد طرفیه إلیٰ حدّ الطریق اختصّ الحریم بالطرف الآخر ، فلایجوز لآخر الإحیاء إلیٰ حدّ لا یبقیٰ للطریق سبعة أذرع ، فلو بنیٰ بناءً مجاوزاً لذلک الحدّ اُلزم هو بهدمه وتبعیده دون المحیی الأوّل .
(مسألة 13) : إذا استؤجم الطریق أو انقطعت عنه المارّة زال حکمه ، بل ارتفع موضوعه وعنوانه ، فجاز لکلّ أحد إحیاؤه کالموات ، من غیر فرق فی صورة انقطاع المارّة بین أن
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 671
یکون ذلک لعدم وجودهم ، أو بمنع قاهر إیّاهم ، أو لهجرهم إیّاه واستطراقهم غیره ، أو بسبب آخر .
(مسألة 14) : لو زاد عرض الطریق المسلوک عن سبعة أذرع ، فأمّا المسبّل فلایجوز لأحد أخذ ما زاد علیها وإحیاؤه وتملّکه قطعاً ، وأمّا غیره ففی جواز إحیاء الزائد وعدمه وجهان ، أوجههما التفصیل بین الحاجة إلیه لکثرة المارّة فالثانی ، وعدمها لقلّتهم فالأوّل .
(مسألة 15) : ومن المشترکات : المسجد ، وهو المکان المعدّ لتعبّد المتعبّدین وصلاة المصلّین ، وهو من مرافق المسلمین یشترک فیه عامّتهم ، وهم شرع سواء فی الانتفاع به إلاّ بما لا یناسبه ونهی الشرع عنه ، کمکث الجنب فیه ونحوه . فمن سبق إلیٰ مکان منه لصلاة أو عبادة أو قراءة قرآن أو دعاء بل وتدریس أو وعظ أو إفتاء وغیرها کان أحقّ به ولیس لأحد إزعاجه ؛ سواء توافق السابق مع المسبوق فی الغرض أو تخالفا فیه ، فلیس لأحد بأیّ غرض کان مزاحمة من سبق إلیٰ مکان منه بأیّ غرض کان . نعم لایبعد تقدّم الصلاة جماعة أو فرادیٰ علیٰ غیرها من الأغراض ، فلو کان جلوس السابق لغرض القراءة أو الدعاء أو التدریس وأراد أحد أن یصلّی فی ذلک المکان جماعة أو فرادیٰ یجب علیه تخلیة المکان له . نعم ینبغی تقیید ذلک بما إذا لم یکن اختیار مرید الصلاة فی ذلک المکان لمجرّد الاقتراح ، بل کان إمّا لانحصار محلّ الصلاة فیه ، أو لغرض راجح دینی کالالتحاق بصفوف الجماعة ونحوه . هذا ، ولکن أصل المسألة لاتخلو من إشکال فیما إذا کان جلوس السابق لغرض العبادة کالدعاء والقراءة لا لمجرّد النزهة والاستراحة ، فلاینبغی فیه ترک الاحتیاط للمسبوق بعدم المزاحمة وللسابق بتخلیة المکان له . والظاهر تسویة الصلاة فرادیٰ مع الصلاة جماعة ، فلا أولویّة للثانیة علی الاُولیٰ ، فمن سبق إلیٰ مکان للصلاة منفرداً فلیس لمرید الصلاة جماعة إزعاجه لها ، وإن کان الأولیٰ له تخلیة المکان له إذا وجد مکان آخر له ، ولا یکون منّاعاً للخیر عن أخیه .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 672
(مسألة 16) : لو قام الجالس السابق وفارق المکان رافعاً یده منه معرضاً عنه بطل حقّه وإن بقی رحله ، فلو عاد إلیه وقد أخذه غیره کان هو الأولیٰ ولیس له إزعاجه ، وإن کان ناویاً للعود ، فإن کان رحله باقیاً بقی حقّه بلا إشکال ، وإلاّ ففیه إشکال ، والأحوط شدیداً مراعاة حقّه ، خصوصاً إذا کان خروجه لضرورة کتجدید طهارة أو إزالة نجاسة أو قضاء حاجة ونحوها .
(مسألة 17) : الظاهر أنّ وضع الرحل مقدّمة للجلوس کالجلوس فی إفادة الأولویّة ، لکن إذا کان ذلک بمثل فرش سجّادة ونحوها ممّا یشغل مقدار مکان الصلاة أو معظمه ، لا بمثل وضع تربة أو سبحة أو مسواک وشبهها .
(مسألة 18) : یعتبر أن لایکون بین وضع الرحل ومجیئه طول زمان بحیث استلزم تعطیل المکان وإلاّ لم یفد حقّاً ، فجاز لغیره أخذ المکان قبل مجیئه ورفع رحله والصلاة مکانه ؛ إذا شغل المحلّ بحیث لایمکن الصلاة فیه إلاّ برفعه ، والظاهر أنّه یضمنه الرافع إلیٰ أن یوصله إلیٰ صاحبه ، وکذا الحال فیما لو فارق المکان معرضاً عنه مع بقاء رحله فیه .
(مسألة 19) : المشاهد کالمساجد فی جمیع ما ذکر من الأحکام ، فإنّ المسلمین فیها شرع سواء ، سواء العاکف فیها والباد ، والمجاور لها والمتحمّل إلیها من بعد البلاد . ومن سبق إلیٰ مکان منها لزیارة أو صلاة أو دعاء أو قراءة کان أحقّ وأولیٰ به ، ولیس لأحد إزعاجه ، وهل للزیارة أولویّة علیٰ غیرها کالصلاة فی المسجد بالنسبة إلیٰ غیرها لو قلنا بأولویّتها ؟ لایخلو من وجه ، لکنّه غیر وجیه کأولویّة من جاء إلیها من البلاد البعیدة بالنسبة إلی المجاورین وإن کان ینبغی لهم مراعاتهم . وحکم مفارقة المکان ووضع الرحل وبقائه کما سبق فی المساجد .
(مسألة 20) : ومن المشترکات : المدارس بالنسبة إلیٰ طالبی العلم ، أو الطائفة الخاصّة منهم إذا خصّها الواقف بصنف خاصّ ، کما إذا خصّها بصنف العرب أو العجم أو طالبی
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 673
العلوم الشرعیّة أو خصوص الفقه - مثلاً - فهی بالنسبة إلیٰ مستحقّی السکنیٰ بها کالمساجد ، فمن سبق إلیٰ سکنیٰ حجرة منها فهو أحقّ بها ما لم یفارقها معرضاً عنها وإن طالت مدّة السکنیٰ ، إلاّ إذا اشترط الواقف له مدّة معیّنة کثلاث سنین - مثلاً - فیلزمه الخروج بعد انقضائها بلا مهلة وإن لم یؤمر به ، أو شرط اتّصافه بصفة فزالت عنه تلک الصفة ، کما إذا شرط کونه مشغولاً بالتحصیل أو التدریس فطرأ علیه العجز لمرض أو هرم ونحو ذلک .
(مسألة 21) : لایبطل حقّ الساکن بالخروج لحاجة معتادة کشراء مأکول أو مشروب أو کسوة ونحوها قطعاً وإن لم یترک رحله فیها ، ولا یلزم تخلیف أحد مکانه ، بل ولا بالأسفار المتعارفة المعتادة کالرواح للزیارة أو لتحصیل المعاش أو للمعالجة مع نیّة العود وبقاء متاعه ورحله ، ما لم تطل المدّة إلیٰ حدّ لم یصدق معه السکنیٰ والإقامة عرفاً ، ولم یشترط الواقف لذلک مدّة معیّنة ، کما إذا شرط أن لایکون خروجه أزید من شهر أو شهرین ـ مثلاً - فیبطل حقّه لو تعدّیٰ زمن خروجه عن تلک المدّة .
(مسألة 22) : من أقام فی حجرة منها ممّن یستحقّ السکنیٰ بها ، له أن یمنع من أن یشارکه غیره إذا کان المسکن معدّاً لواحد ؛ إمّا بحسب قابلیة المحلّ أو بسبب شرط الواقف ، ولو اُعدّ لما فوقه لم یکن له منع غیره إلاّ إذا بلغ العدد الذی اُعدّ له ، فللسکنة منع الزائد .
(مسألة 23) : ویلحق بالمدارس الربط ، وهی المواضع المبنیّة لسکنی الفقراء والملحوظ فیها غالباً للغرباء ، فمن سبق منهم إلیٰ إقامة بیت منها کان أحقّ به ولیس لأحد إزعاجه . والکلام فی مقدار حقّه ، وما به یبطل حقّه ، وجواز منع الشریک وعدمه فیها کما سبق فی المدارس .
(مسألة 24) : ومن المشترکات : المیاه ، والمراد بها میاه الشطوط والأنهار الکبار کدجلة
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 674
والفرات والنیل ، أو الصغار التی لم یجرها أحد ، بل جرت بنفسها من العیون أو السیول أو ذوبان الثلوج ، وکذلک العیون المنفجرة من الجبال أو فی أراضی الموات والمیاه المجتمعة فی الوهاد من نزول الأمطار ، فإنّ الناس فی جمیع ذلک شرع سواء . ومن حاز منها شیئاً بآنیة أو مصنع أو حوض ونحوها ملکه وجریٰ علیه أحکام الملک من غیر فرق بین المسلم والکافر . وأمّا میاه العیون والآبار والقنوات التی حفرها أحد فی ملکه ، أو فی الموات بقصد تملّک مائها ، فهی ملک للحافر کسائر الأملاک لایجوز لأحد أخذها والتصرّف فیها إلاّ بإذن المالک . وینتقل إلیٰ غیره بالنواقل الشرعیة ؛ قهریّةً کانت کالإرث ، أو اختیاریّةً کالبیع والصلح والهبة وغیرها .
(مسألة 25) : إذا شقّ نهراً من ماء مباح کالشطّ ونحوه ، ملک ما یدخل فیه من الماء ویجری علیه أحکام الملک ، کالماء المحوز فی آنیة ونحوها . وتتبع ملکیّة الماء ملکیّة النهر ، فإن کان النهر لواحد ملک الماء بالتمام ، وإن کان لجماعة ملک کلّ منهم من الماء بمقدار حصّته من ذلک النهر ، فإن کان لواحد نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه ملکوا الماء بتلک النسبة وهکذا . ولا یتبع مقدار استحقاق الماء مقدار الأراضی التی تسقیٰ منه ، فلو کان النهر مشترکاً بین ثلاثة أشخاص بالتساوی ، کان لکلّ منهم ثلث الماء وإن کانت الأراضی التی تسقیٰ منه لأحدهم ألف جریب ولآخر جریباً ولآخر نصف جریب ؛ یصرفان مازاد علی احتیاج أرضهما فیما شائا . بل لو کان لأحدهما رحیً یدور به ، ولم یکن له أرض أصلاً ، یساوی مع کلّ من شریکیه فی استحقاق الماء .
(مسألة 26) : إنّما یملک النهر المتّصل بالمباح ؛ إمّا بحفره فی أرض مملوکة له ، وإمّا بحفره فی الموات بقصد إحیائه نهراً مع نیّة تملّکه إلیٰ أن أوصله بالمباح - کما مرّ فی إحیاء الموات - فإن کان الحافر واحداً ملکه بالتمام ، وإن کان جماعة کان بینهم علیٰ قدر ما عملوا وأنفقوا ؛ فمع التساوی بالتساوی ومع التفاوت بالتفاوت .
(مسألة 27) : لمّا کان الماء الذی یفیضه النهر المشترک بین جماعة مشترکاً بینهم ، کان
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 675
حکمه حکم سائر الأموال المشترکة ، فلایجوز لکلّ واحد منهم التصرّف فیه وأخذه والسقایة به إلاّ بإذن باقی الشرکاء ، فإن لم یکن بینهم تعاسر ویبیح کلّ منهم سائر شرکائه أن یقضی منه حاجته فی کلّ وقت وزمان فلا بحث ، وإن وقع بینهم تعاسر فإن تراضوا بالتناوب والمهایاة بحسب الساعات أو الأیّام أو الأسابیع - مثلاً - فهو ، وإلاّ فلا محیص من تقسیمه بینهم بالأجزاء ؛ بأن توضع علیٰ فم النهر خشبة أو صخرة أو حدیدة ذات ثقب متساویة السعة حتّیٰ یتساوی الماء الجاری فیها ویجعل لکلّ منهم من الثقب بمقدار حصّته ، ویجری کلّ منهم ما یجری فی الثقبة المختصّة به فی ساقیة تختصّ به ؛ فإذا کان بین ثلاثة وسهامهم متساویة ، فإن کانت الثقب ثلاثاً متساویة جعلت لکلّ منهم ثقبة ، وإن کانت ستّاً جعلت لکلّ منهم ثقبتان . وإن کانت سهامهم متفاوتة تجعل الثقب علیٰ أقلّهم سهماً ؛ فإذا کان لأحدهم نصفه ولآخر ثلثه ولثالث سدسه جعلت الثقب ستّاً ؛ ثلاث منها لذی النصف واثنتان لذی الثلث وواحدة لذی السدس وهکذا . وبعد ما اُفرزت حصّة کلّ منهم من الماء یصنع بمائه ماشاء ؛ إن شاء استعمله فی الاستقاء أو فی غیره ، وإن شاء باعه أو أباحه لغیره .
(مسألة 28) : الظاهر أنّ القسمة بحسب الأجزاء قسمة إجبار ، فإذا طلبها أحد الشرکاء یجبر الممتنع منهم علیها ، وهی لازمة لیس لأحدهم الرجوع عنها بعد وقوعها ، وأمّا المهایاة فهی موقوفة علی التراضی ولیست بلازمة ، فلبعضهم الرجوع عنها حتّیٰ فیما إذا استوفیٰ تمام نوبته ولم یستوف الآخر نوبته ، وإن ضمن حینئذٍ مقدار ما استوفاه بالقیمة .
(مسألة 29) : إذا اجتمعت أملاک علیٰ ماء مباح - من عین أو واد أو نهر ونحوها - بأن أحیاها أشخاص علیه لیسقوها منه بواسطة السواقی أو الدوالی أو النواعیر أو المکائن المتداولة فی هذه الأعصار ، کان للجمیع حقّ السقی منه ، فلیس لأحد أن یشقّ نهراً فوقها یقبض الماء کلّه أو ینقّصه عن مقدار احتیاج تلک الأملاک . وحینئذٍ فإن وفی الماء لسقی الجمیع من دون مزاحمة فی البین فهو ، وإن لم یف ووقع بین أربابها فی التقدّم والتأخّر
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 676
التشاحّ والتعاسر یقدّم الأسبق فالأسبق فی الإحیاء إن علم السابق ، وإلاّ یقدّم الأعلیٰ فالأعلیٰ والأقرب فالأقرب إلیٰ فوهة الماء وأصله ، فیقضی الأعلیٰ حاجته ثمّ یرسله لمن یلیه وهکذا .
(مسألة 30) : الأنهار المملوکة المنشقّة من الشطوط ونحوها ؛ إذا وقع التعاسر بین أربابها - بأن کان الشطّ لا یفی فی زمان واحد بإملاء جمیع تلک الأنهار - کان حالها کحال اجتماع الأملاک علی الماء المباح المتقدّم فی المسألة السابقة ، فالأحقّ ما کان شقّه أسبق ثمّ الأسبق ، وإن لم یعلم الأسبق فالمدار علی الأعلیٰ فالأعلیٰ ، فیقبض الأعلیٰ ما یسعه ثمّ ما یلیه وهکذا .
(مسألة 31) : لو احتاج النهر المملوک المشترک بین جماعة إلیٰ تنقیة أو حفر أو إصلاح أو سدّ خرق ونحو ذلک ، فإن أقدم الجمیع علیٰ ذلک کانت المؤونة علی الجمیع بنسبة ملکهم للنهر ؛ سواء کان إقدامهم بالاختیار أو بالإجبار من حاکم قاهر جائر أو بإلزام من الشرع ، کما إذا کان مشترکاً بین المولّیٰ علیهم ورأی الولیّ المصلحة الملزمة فی تعمیره مثلاً ، وإن لم یقدم إلاّ البعض لم یجبر الممتنع ولیس للمقدّمین مطالبته بحصّته من المؤونة ، ما لم یکن إقدامهم بالتماس منه وتعهّده ببذل حصّته . نعم لو کان النهر مشترکاً بین القاصر وغیره ، وکان إقدام غیر القاصر متوقّفاً علیٰ مشارکة القاصر - إمّا لعدم اقتداره بدونه أو لغیر ذلک - وجب علیٰ ولیّ القاصر مراعاة لمصلحته تشریکه فی التعمیر وبذل المؤونة من ماله بمقدار حصّته .
(مسألة 32) : ومن المشترکات : المعادن ، وهی إمّا ظاهرة ؛ وهی ما لا یحتاج فی استخراجها والوصول إلیها إلیٰ عمل ومؤونة کالملح والقیر والکبریت والمومیا والکحل ، وکذا النفط إذا لم یحتج فی استخراجه إلی الحفر والعمل ، وإمّا باطنة ؛ وهی ما لا تظهر إلاّ بالعمل والعلاج کالذهب والفضّة والنحاس والرصاص ، وکذا النفط إذا احتاج فی
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 677
استخراجه إلیٰ حفر آبار ، کما هو المعمول غالباً فی هذه الأعصار ، فأمّا الظاهرة ؛ فهی تملک بالحیازة لا بالإحیاء فمن أخذ منها شیئاً ملک ما أخذه ؛ قلیلاً کان أو کثیراً وإن کان زائداً علیٰ ما یعتاد لمثله وعلیٰ مقدار حاجته ، ویبقی الباقی ممّا لم یأخذه علی الاشتراک ، ولا یختصّ بالسابق فی الأخذ ، ولیس له أن یحوز مقداراً یوجب الضیق والمضارّة علی الناس ، وأمّا الباطنة ؛ فهی تملک بالإحیاء ؛ بأن ینهی العمل والنقب والحفر إلیٰ أن یبلغ نیلها ، فیکون حالها حال الآبار المحفورة فی الموات لأجل استنباط الماء ، وقد مرّ أنّها تملک بحفرها حتّیٰ یبلغ الماء ویملک بتبعها الماء ، ولو عمل فیها عملاً لم یبلغ به نیلها کان تحجیراً أفاد الأحقیّة والأولویّة دون الملکیّة .
(مسألة 33) : إذا شرع فی إحیاء معدن ثمّ أهمله وعطّله اُجبر علیٰ إتمام العمل أو رفع یده عنه . ولو أبدیٰ عذراً اُنظر بمقدار زوال عذره ثمّ اُلزم علیٰ أحد الأمرین ، کما سبق ذلک کلّه فی إحیاء الموات .
(مسألة 34) : لو أحیا أرضاً - مزرعاً أو مسکناً مثلاً - فظهر فیها معدن ملکه تبعاً لها ؛ سواء کان عالماً به حین إحیائها أم لا .
(مسألة 35) : لو قال ربّ المعدن لآخر : اعمل فیه ولک نصف الخارج مثلاً ، بطل إن کان بعنوان الإجارة ، وصحّ لو کان بعنوان الجعالة .
کتابوسیلة النجاة مع تعالیقصفحه 678