الأمر السادس فی أنّ الألفاظ موضوعة لذات المعانی
الحقّ أنّ الألفاظ موضوعة لذوات المعانی لا بما أ نّها مُرادة، سواء اُرید به تقیّدها بها بالذات أو بالعرض ـ أی سواء اُرید أ نّها موضوعة للمرادة بالذات أو بالعرض ـ تقیّداً اسمیّاً؛ لأنّ الإرادة لمّا کانت من شؤون النفس لا یمکن أن تتعلّق بالذات بما هو خارج عن إحاطتها، فما تتعلّق به بالذات هو الصورة القائمة بالنفس صدوریّاً أو حلولیّاً علی المشربینِ، وأمّا الخارج فهو المراد بالعرض کما أ نّه المعلوم بالعرض، وإن کان الخارج بوجهٍ هو المطلوب والمراد، والصورة فانیة فیه وتکون ما بها ینظر.
فحینئذٍ إن وُضعت للمراد بالذات یلزم منه عدم انطباقها علی الخارج حتی مع التجرید، مضافاً إلی ورود ما یرد علی الشِّقّ الثانی ـ أی الوضع للمراد بالعرض ـ علیه. وإن وُضعت للمراد بالعرض یلزم منه عدم صحّة
مناهج الوصول الی علم الاصولج. 1صفحه 113
الحمل إلاّ مع التجرید، مع صحّته بدونه بالضرورة، مع لزوم کون الوضع عامّاً والموضوع له خاصّاً فی جمیع الأوضاع، إلاّ أن یقال بتقیّدها بمفهوم الإرادة، وهو مقطوع الفساد، ولم یقل به أحد.
أو اُرید وضعها لذات المعنی المراد، لا بما أ نّها مرادة وملحوظة فیها الإرادة، بل لذات ما تتعلّق به من غیر تقیّد بها، بل للمتضیّق بواسطة تعلّقها به، سواء اُرید ـ أیضاً ـ ذات ما تعلّق بها الإرادة بالذات أو بالعرض: أمّا الأوّل فلورود بعض الإشکالات المتقدّمة کعدم صحّة الحمل علیه، وأمّا الثانی [فهو] وإن سَلِم عن الإشکالات المزبورة حتّی لزوم خصوص الموضوع له ـ لأنّ التخصّص بالعرض لا یوجب جزئیّة ما هو کلّیّ ـ لکنّه خلاف التبادر والوجدان، ورفع الید عنه یحتاج إلی دلیل، وهو مفقود.
لایقال: وضع اللفظ للمعنی بما أ نّه فعلٌ اختیاریّ لابدّ له من غایة، وهی إظهار مرادات المتکلّمین، فلا محیص إلاّ أن یکون موضوعاً للمعنی المراد؛ لأنّ الغایة علّة فاعلیّة الفاعل، ولمّا کانت الغایة إظهار المرادات تحرّکَ الواضع إلی وضعه للمعنی المراد لا مطلقاً؛ لأنّ المعلول یتضیّق بتضیّق علّته من غیر تقّید، ولا یمکن أوسعیّة المعلول من علّته. هذا مضافاً إلی لزوم اللَّغویّة إذا وضع لذات المعنی بعد کون الداعی إفادة المراد.
مناهج الوصول الی علم الاصولج. 1صفحه 114
فإنّه یقال: العلّة الغائیّة للوضع إفادة المرادات، لکن لا بما أ نّها مرادات، بل بما هی نفس الحقائق؛ لأنّ المتکلّم بالألفاظ یرید إفادة نفس المعانی لا بما أ نّها مرادة، والواضع وضع اللفظ لذلک، وأمّا کون المعانی مرادة فهو مغفول عنه عند السامع والمتکلّم، فدعوی کون الغایة إفهام المرادات بما هی کذلک فاسدة، بل الغایة إفهام نفس المعانی، وکونها مرادة إنّما هو حین الاستعمال أو من مقدّماته، ولا ربط له بالوضع.
وممّا ذکرنا یظهر النظر فی الکلام المنسوب إلی العَلَمین؛ لأنّ لازم کون الدلالة الوضعیّة تابعة للإرادة أن تکون الألفاظ موضوعة للمعانی المرادة، ولمّا کان الوضع للمتقیّد بها ظاهر البطلان لابدّ من صرف کلامهما إلی ما ذکر أخیراً من کون الوضع لذات المراد من غیر تقیید.
وأمّا توجیه المحقّق الخراسانیّ ـ رحمه اللّٰه ـ من الصرف إلی الدلالة التصدیقیّة؛ أی دلالتها علی کونها مرادة للافظها تتبع إرادتها تبعیّة مقام الإثبات للثبوت، فلا یناسب ما نقل عن المحقّق الطوسی
مناهج الوصول الی علم الاصولج. 1صفحه 115
ـ قدّس سرّه ـ فإنّه صریح فی الدلالة اللفظیّة الوضعیّة، وأنّ الجریان علی قانون الوضع یقتضی أن تکون دلالة اللفظ علی معناه تابعة لإرادة المتکلّم، فراجع. هذا مضافاً إلی أنّ حملَ کلامهما علی ما ذکر حملٌ علی معنیً مبتذل لا یناسب مقامهما.
مناهج الوصول الی علم الاصولج. 1صفحه 116